عبّر صحافيون وحقوقيون عن مخاوفهم إزاء التهم التي وجهتها وزارة العدل الأميركية أخيراً إلى مؤسّس موقع "ويكيليكس"، جوليان أسانج، معتبرين إياها تهديداً حقيقياً وخطيراً لحرية النشر والصحافة.
وكانت وزارة العدل الأميركية كشفت، يوم الخميس، عن 17 اتهاماً جنائياً ضد الأسترالي جوليان أسانج (47 عاماً)، بموجب قوانين مكافحة التجسس، قائلة إنه عرّض مصادرها للخطر، عبر نشر نحو 750 ألف وثيقة عسكرية ودبلوماسية شديدة السرية على "ويكيليكس"، عام 2010، وتآمر مع المحللة العسكرية السابقة، تشيلسي مانينغ، التي كانت مصدر التسريبات.
ويواجه أسانج الآن 18 اتهاماً، وقد يحكم عليه بالسجن لعدة عقود إذا أدين. وهو يقضي حالياً حكماً مدته 50 أسبوعاً في سجن لندني، لعدم مثوله للمحاكمة عندما لجأ إلى سفارة الإكوادور عام 2012. وأوقف داخل السفارة الإكوادور في لندن، في 11 إبريل/نيسان الماضي، بعدما سحبت كيتو حقه في اللجوء.
أما مانينغ فقد قرر القضاء الأميركي إعادتها إلى السجن، وتغريمها 500 دولار يومياً بعد ثلاثين يوماً إن واصلت رفض الإدلاء بشهادتها أمام لجنة تحقيق في تسريب المعلومات إلى موقع "ويكيليكس"، في 16 مايو/أيار الحالي. وكانت السلطات الأميركية أفرجت عنها، بعد سجنها شهرين بتهمة ازدراء المحكمة، في 9 مايو/أيار الحالي.
وقضت مانينغ سبع سنوات في السجن لإدانتها بتسريب وثائق دبلوماسية وعسكرية سرية. وحكم عليها عام 2013 بالحبس 35 عاماً، لكن الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، خفّف مدة حكمها ما أدى إلى إطلاق سراحها في أيار/مايو عام 2017.
وأفادت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، يوم الجمعة، بأن اثنين من المدعين الفدراليين المرتبطين بقضية أسانج لا يوافقان على ملاحقته بموجب قوانين مكافحة التجسس، ووجدا أن التهم "تشكل مخاطر جسيمة على حماية (التعديل الأول)".
الصحيفة نفسها رأت أن إدارة ترامب سلكت "طريقاً ذكياً وحذراً" في الاتهامات الموجهة إلى مؤسّس "ويكيليكس"، موضحة أنها غير مرتبطة بأنشطة صحافية. وقالت إن "نشاطات أسانج ليست صحافية، لكن النظرية القانونية المستخدمة ضدّه يمكن تطبيقها بسهولة على الصحافيين". وأشارت إلى أن "قانون مكافحة التجسس نفسه غامض وخطير".
صحيفة "ذا غارديان" البريطانية رأت في أسانج "شخصية غير جذابة تخاصم مع حلفائه السابقين كلهم. وقليلون سيتحمسون للدفاع عنه"، لكنها أكدت على "ضرورة الدفاع عنه ضد تسليمه إلى الولايات المتحدة الأميركية، لأن الاتهامات الموجهة ضده تضرّ بالحرية والديمقراطية في المملكة المتحدة والولايات المتحدة". واقترحت تسليمه إلى السويد، حيث أعيد فتح قضية اغتصاب ضده، لأنها "خطيرة وتستحق محاكمة ملائمة".
وكان القضاء السويدي تخلى عن ملاحقة أسانج في قضية الاغتصاب، في مايو/أيار عام 2017. لكن توقيفه في لندن أعاد الأمل للمدعية ومحاميتها بإمكان محاكمته في السويد، قبل أن تسقط القضية بفعل التقادم في أغسطس/آب عام 2020.
وسارعت "ويكيليكس" إلى الردّ على الاتهامات مغردة "هذا جنون... هذه نهاية الصحافة المتعلّقة بقضايا الأمن القومي ونهاية التعديل الأول للدستور الأميركي الذي يضمن حرية التعبير". ودانت في بيانها "الهجوم غير المسبوق على الصحافة العالمية الحرة" و"تطبيق القانون الأميركي خارج أراضي الولايات المتحدة".
Twitter Post
|
واعتبرت منظّمة "مراسلون بلا حدود" أن التهم "تشكل تهديداً مباشراً لحرية الصحافة والصحافة الاستقصائية"، وشاركتها الرأي منظمة "حرية الصحافة". وأصدر "اتحاد الحريات المدنية" بياناً قال فيه إنه "لأول مرة في تاريخ بلادنا، وجهت الحكومة تهماً جنائية ضد من نشر معلومات صادقة"، ورأت في الاتهامات "تصعيداً لهجمات إدارة دونالد ترامب على الصحافة، وهجوماً مباشراً على (التعديل الأول)".
Twitter Post
|
Twitter Post
|
Twitter Post
|
وغرّد المتعاقد الاستخباراتي السابق إدوارد سنودن: "وزارة العدل الأميركية أعلنت الحرب على الصحافة نفسها. الأمر لم يعد يتعلق بجوليان أسانج: هذه القضية ستقرر مستقبل وسائل الإعلام".
Twitter Post
|
وقالت البروفيسورة في علوم التواصل في "جامعة درو" ليزا لينش، إن إدارة أوباما تراجعت عن استخدام قانون التجسس في توجيه التهم ضد أسانج، لكن إدارة ترامب أقدمت على الخطوة، "مضيفة قانون التجسس إلى ترسانتها من الأساليب لمحاكمة نشر المعلومات"، واعتبرت أنها "تمهد الطريق لقمع غير مسبوق لحرية الصحافة"، في حديثها لوكالة "أسوشيتد برس".
وتخوف المخرج الأسترالي، جيمس ريكيتسون، الذي أمضى 15 شهراً في سجن كمبودي بتهمة التجسس استخدام جوليان أسانج كـ "فزّاعة" للصحافيين، كجزء من ما وصفه بـ "الهجوم الأساسي على السلطة الرابعة"، وذلك في حديثه لـ "ذا غارديان"، يوم الجمعة.
تجدر الإشارة إلى أن إدارة أوباما مهدت الطريق للتضييق على الصحافة والتسريبات. إذ استخدمت قانون التجسس في الحصول على معلومات من أحد مراسلي قناة "فوكس نيوز"، حول تسريبات من وزارة الخارجية الأميركية، وفقاً لـ "واشنطن بوست". واستحوذت وزارة العدل، عام 2013، على سجلات مكالمات مكتب وكالة "أسوشيتد برس"، بينها أرقام هواتف منازل محرريها، وأرادت استدعاء "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" وشبكة "إيه بي سي نيوز"، قبل أن تعدّل طلبها، وفقاً لـ "وول ستريت جورنال".
في المقابل، ردّت وزارة العدل في إدارة ترامب على المخاوف، قائلة إنها "تأخذ على محمل الجدّ دور الصحافيين في ديموقراطيتنا، لكن جوليان أسانج ليس صحافياً". وبرّرت "ليس هناك أي صحافي يتمتع بحس المسؤولية ينشر أسماء مصادر سرية في مناطق حرب، وهو يدرك أن هذا يعرضه لأكبر خطر".