07 يناير 2016
كابوس فيروس و"رؤيا" رفع الضرائب
لست من الذين يخافون من المرض، أو الذين يعانون من هوس الوقاية. ولكن، عندما تكون مواطناً لبنانياً تسمع وتطالع منذ ما نحو سنة أن أمراضاً فتاكة وفيروسات قاتلة ستجتاح البلاد، نتيجة أزمة النفايات المستمرة، فإن أول خبر حول انتشار مرض ما كفيل بإقناعك أن الساعة قد دقت، وأن الكارثة قد حلّت أخيراً!
توفي قبل أيام أحد معارفنا، نتيجة فيروس "انفلونزا الخنازير"،فانتابتني حالة لم أكتشف أنها لدي حتى اليوم، وكأن حواسي كلها اجتمعت لتشكل راداراً يرصد شكل ونغمة حرفي الـ H والـ N مع الرقم 1 المكرّر، في كل خبر أو حديث، بل مع كل صوت لعطسة أو سعال أسمعه، حتى زارني الفيروس أخيراً كابوساً في المنام، مع كل عوارضه ونتائجه.
لن أسرد تفاصيل الكابوس، فالمهم أنها كانت لحظة الحقيقة لاعترافي أن الأمر بدأ يشكل هاجساً لدي على غير العادة. فهذه ليست المرة الأولى التي أسمع فيها بالفيروس الذي يحل في موعده الموسمي منذ أعوام. ولكن، قد يشعر الإنسان أنه خارج دائرة الاستهداف، إذا ما أصيب شخص لا يمت له بصلة أو معرفة. ربما نوعاً من الأنانية، علماً أنه يحصد أرواح أطفال وذوي مناعة متدنية، أو نوعاً من التوهم بأنه لسبب ما لن يصيبه مكروه.
وهم من نوع آخر يُتهم به اللبنانيون من المسؤولين بأنهم يهولون من وقع المرض، نظراً لأن الظاهرة عالمية، لا محلية نتيجة إجراءات وبيئة صحية غير سليمة، منها النفايات. وأن عدد الوفيات لم يتجاوز عدد السنة الماضية، حتى أن الوقاية بحد ذاتها انخفضت لتقتصر على "تخفيف التبويس"، كما جاء على لسان وزير الصحة، وائل أبو فاعور، في إطار التطمين وخفة الظل، وربما على سبيل الاقتراح.
كانت هذه الدعابة كفيلة لأسترد شيئاً من المنطق الذي فقدته في خضم هوسي بالإنفلونزا، فيبدو أن الوزراء الزملاء وحكومتهم يعيشون في عالم الرؤى في مقابل عالم الكوابيس، ويجسد الوزراء "الرؤيا" التي تأتيهم -لا أدري من أين؟- في اقتراحاتهم لحل المشكلات.
ليست دعابة طبعاً اقتراح رفع الضرائب، مثلاً، فقد عادت الحكومة اللبنانية إلى عقد جلساتها، بعد انقطاع لتبحث المشاريع الملحة -تجهيز الجيش، وترحيل النفايات، وتثبيت موظفي الدفاع المدني، وواقع المطار، وكلها تحتاج للتمويل، وبالطبع ما أن يذكر التمويل لا بد أن يذكر بعده عجز الحكومة، وبالتالي، الحاجة لضخ السيولة في خزينتها، ليستبق جلسات الحكومة اقتراح رئيس كتلة تيار المستقبل النيابية، فؤاد السنيورة، بزيادة سعر صفيحة البنزين 5 آلاف ليرة، وأسعاره عالمياً بانخفاض، كضريبة مستجدة من أجل تمويل النفقات.
لم تقر الحكومة بعد هذا الاقتراح (الرؤيا) لكنها تناقشه، وهي لم تناقش شيئا لوقت طويل، بسبب انقطاع جلساتها، ومن البديهي انقسام الوزراء في الحكومة بين مؤيد ومعارض، لأسباب تتعلق بانتماء الوزراء. لكن خبرة اللبناني مع الاقتراح وشخص المقترح، وهو وزير المالية الأسبق، وصاحب قرارات رفع الضرائب الأشهر، بالإضافة إلى إغراء كلمة "الضرائب" بالنسبة للوزراء كفيلة على الأقل باستمرار انعقاد الجلسات، وربما إقرار بعض الملفات المتعلقة بفئة الموظفين- على سبيل تكميم الأفواه بشكل غير مباشر، ريثما يقرونها.
الضريبة لا شك تمس جيوبهم، أي تمسهم وتمس معارفهم، وكل حرف في كلمة "الضرائب" تستقبله رادارات حواسهم، حتى وإن كانت على حساب المواطن، ووضعه المعيشي ذي المناعة المتدنية، لتزورهم الضريبة في المنام على شكل رؤيا، لأنهم أصحاب فضل وفضيلة، ولتكتمل "ما ليست" دعابة، سيدفع اللبناني من جيبه إلى جيب الحكومة، ومنها إلى جيوب أصحاب الرؤى.
ركود الحالة السياسية في لبنان - فراغ رئاسة الجمهورية، مجلس نواب بلا نصاب ولا قرارات، وطاولة حكومة معلقة الجلسات-، لا تحركه إلا اقتراحات مالية، وسنشهد لا شك إجماعاً عليها، مهما اختلفت انتماءات السياسيين، لأنهم جميعا مستفيدون. فيما لا يحرك ركود المواطن اللبناني، لا الفيروسات ولا النفايات ولا وضعه المعيشي على ما يبدو، حتى وإن تحرك المجتمع المدني وبعض النقابات العمالية في الأيام المقبلة.
إذا لم يع المواطن اللبناني العادي الطريق الذي يسير فيه واقعه المعيشي والصحي والسياسي، سيظل يشترك مع سياسييه في أنه يحلم، لكن أحلامه كوابيس يستعيذ بها، وأحلامهم رؤى يحققونها.
أرصد حالياً كل ما يتعلق بهؤلاء النواب والوزراء وأصحاب الرؤى، أتمنى أن لا يزوروني في كابوس ما قريباً، كما فعلوا مع صديقة لي.
توفي قبل أيام أحد معارفنا، نتيجة فيروس "انفلونزا الخنازير"،فانتابتني حالة لم أكتشف أنها لدي حتى اليوم، وكأن حواسي كلها اجتمعت لتشكل راداراً يرصد شكل ونغمة حرفي الـ H والـ N مع الرقم 1 المكرّر، في كل خبر أو حديث، بل مع كل صوت لعطسة أو سعال أسمعه، حتى زارني الفيروس أخيراً كابوساً في المنام، مع كل عوارضه ونتائجه.
لن أسرد تفاصيل الكابوس، فالمهم أنها كانت لحظة الحقيقة لاعترافي أن الأمر بدأ يشكل هاجساً لدي على غير العادة. فهذه ليست المرة الأولى التي أسمع فيها بالفيروس الذي يحل في موعده الموسمي منذ أعوام. ولكن، قد يشعر الإنسان أنه خارج دائرة الاستهداف، إذا ما أصيب شخص لا يمت له بصلة أو معرفة. ربما نوعاً من الأنانية، علماً أنه يحصد أرواح أطفال وذوي مناعة متدنية، أو نوعاً من التوهم بأنه لسبب ما لن يصيبه مكروه.
وهم من نوع آخر يُتهم به اللبنانيون من المسؤولين بأنهم يهولون من وقع المرض، نظراً لأن الظاهرة عالمية، لا محلية نتيجة إجراءات وبيئة صحية غير سليمة، منها النفايات. وأن عدد الوفيات لم يتجاوز عدد السنة الماضية، حتى أن الوقاية بحد ذاتها انخفضت لتقتصر على "تخفيف التبويس"، كما جاء على لسان وزير الصحة، وائل أبو فاعور، في إطار التطمين وخفة الظل، وربما على سبيل الاقتراح.
كانت هذه الدعابة كفيلة لأسترد شيئاً من المنطق الذي فقدته في خضم هوسي بالإنفلونزا، فيبدو أن الوزراء الزملاء وحكومتهم يعيشون في عالم الرؤى في مقابل عالم الكوابيس، ويجسد الوزراء "الرؤيا" التي تأتيهم -لا أدري من أين؟- في اقتراحاتهم لحل المشكلات.
ليست دعابة طبعاً اقتراح رفع الضرائب، مثلاً، فقد عادت الحكومة اللبنانية إلى عقد جلساتها، بعد انقطاع لتبحث المشاريع الملحة -تجهيز الجيش، وترحيل النفايات، وتثبيت موظفي الدفاع المدني، وواقع المطار، وكلها تحتاج للتمويل، وبالطبع ما أن يذكر التمويل لا بد أن يذكر بعده عجز الحكومة، وبالتالي، الحاجة لضخ السيولة في خزينتها، ليستبق جلسات الحكومة اقتراح رئيس كتلة تيار المستقبل النيابية، فؤاد السنيورة، بزيادة سعر صفيحة البنزين 5 آلاف ليرة، وأسعاره عالمياً بانخفاض، كضريبة مستجدة من أجل تمويل النفقات.
لم تقر الحكومة بعد هذا الاقتراح (الرؤيا) لكنها تناقشه، وهي لم تناقش شيئا لوقت طويل، بسبب انقطاع جلساتها، ومن البديهي انقسام الوزراء في الحكومة بين مؤيد ومعارض، لأسباب تتعلق بانتماء الوزراء. لكن خبرة اللبناني مع الاقتراح وشخص المقترح، وهو وزير المالية الأسبق، وصاحب قرارات رفع الضرائب الأشهر، بالإضافة إلى إغراء كلمة "الضرائب" بالنسبة للوزراء كفيلة على الأقل باستمرار انعقاد الجلسات، وربما إقرار بعض الملفات المتعلقة بفئة الموظفين- على سبيل تكميم الأفواه بشكل غير مباشر، ريثما يقرونها.
الضريبة لا شك تمس جيوبهم، أي تمسهم وتمس معارفهم، وكل حرف في كلمة "الضرائب" تستقبله رادارات حواسهم، حتى وإن كانت على حساب المواطن، ووضعه المعيشي ذي المناعة المتدنية، لتزورهم الضريبة في المنام على شكل رؤيا، لأنهم أصحاب فضل وفضيلة، ولتكتمل "ما ليست" دعابة، سيدفع اللبناني من جيبه إلى جيب الحكومة، ومنها إلى جيوب أصحاب الرؤى.
ركود الحالة السياسية في لبنان - فراغ رئاسة الجمهورية، مجلس نواب بلا نصاب ولا قرارات، وطاولة حكومة معلقة الجلسات-، لا تحركه إلا اقتراحات مالية، وسنشهد لا شك إجماعاً عليها، مهما اختلفت انتماءات السياسيين، لأنهم جميعا مستفيدون. فيما لا يحرك ركود المواطن اللبناني، لا الفيروسات ولا النفايات ولا وضعه المعيشي على ما يبدو، حتى وإن تحرك المجتمع المدني وبعض النقابات العمالية في الأيام المقبلة.
إذا لم يع المواطن اللبناني العادي الطريق الذي يسير فيه واقعه المعيشي والصحي والسياسي، سيظل يشترك مع سياسييه في أنه يحلم، لكن أحلامه كوابيس يستعيذ بها، وأحلامهم رؤى يحققونها.
أرصد حالياً كل ما يتعلق بهؤلاء النواب والوزراء وأصحاب الرؤى، أتمنى أن لا يزوروني في كابوس ما قريباً، كما فعلوا مع صديقة لي.