فيما تعدّ المفوضية الأوروبية لعقد اجتماع حاسم مع اليونان، غداً الخميس، لتحديد مدى صلاحية التعديلات التي قدمتها على برنامج الإصلاح المالي والاقتصادي، قال خبراء في لندن إن أزمة اليونان هي أزمة أيديولوجية بالدرجة الأولى، حيث تتشكل حكومة سيريزا من أعضاء الحزب الشيوعي اليوناني الذين يرفضون الرأسمالية ويعتبرون أن تدخل المفوضية الأوروبية أو حتى صندوق النقد الدولي في شؤون اليونان هو تدخل إمبريالي ولا يجب أن يتم السماح به.
ومن هذا المنطلق، يقول محللون إن المماطلة بين الحكومة اليونانية الحالية التي ترفض الانصياع للشروط التي وافقت عليها الحكومة السابقة وبين المفوضية الأوروبية، ربما تقود
تلقائياً إلى سقوط حكومة تسيبراس أو خروج اليونان من منطقة اليورو.
ويشيرون في هذا الصدد إلى أن المفاوضات جارية بين أيديولوجيتين لا تلتقيان في شيء، فالمفوضية والصندوق يتفاوضان من منطلق المبادئ القائمة على النظريات الرأسمالية، فيما يتفاوض حزب سيريزا من منطلق إنشاء اقتصاد شيوعي مبني على مبدأ النظام الشيوعي ونظريات ماركس القائمة على تمليك أدوات الإنتاج للعمال.
وقال خبير بريطاني لصحيفة "فاينانشيال تايمز": "ربما تكون أزمة اليونان الحقيقية تكمن في حزب سيريزا اليساري الراديكالي الذي تتكوّن قياداته من الحزب الشيوعي التي لا تؤمن بالرأسمالية من الأساس".
وأضاف: "وبالتالي ترفض هذه الحكومة أي اقتراحات بشأن تخصيص وبيع مؤسسات الدولة وبرامج التقشف التي وردت في نصوص اتفاق حزمة الإنقاذ المالي التي وقعتها اليونان في العام 2012 مع المفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي.
ويقول خبراء في لندن، في هذا الخصوص، إن معظم أعضاء حكومة أليكسيس تسيبراس، التي تشكلت في نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، هم من أعضاء الحزب الشيوعي اليوناني منذ أن كانوا طلاباً في الجامعات ويعارضون بشدة أية تدخلات رأسمالية في اليونان.
ويشيرون في هذا الصدد إلى أن من بين أعضاء الحكومة اليونانية الحالية بانايوتس لافازانس الذي يشغل حالياً منصب وزير إنعاش الاقتصاد والطاقة والبيئة، وظل عضواً نشطاً في الحزب الشيوعي الستاليني باليونان لمدة 30 عاماً، ولافازانس من الأعضاء المؤسسيين لحزب سيريزا اليوناني اليساري.
اقرأ أيضاً:
أوروبا تطالب اليونان بقائمة إصلاحات قبل 20 أبريل
ويلاحظ أن لافازانس، وبعد ساعات من توليه منصب وزارة إنعاش الاقتصاد والطاقة، ألغى العديد من خطط بيع المشروعات الحكومية التي كان منصوصاً عليها في برنامج الإصلاح المالي الذي منحت بموجبه المفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي حزمة 240 مليار يورو لإنقاذ اليونان من الإفلاس في العام 2012.
كما علّق لافازانس بعض الاستثمارات الأجنبية في اليونان، وعلى رأسها استثمارات قيمتها مليار يورو لشركة "ألدرادو غولد" الكندية للمناجم.
ويذكر أن هذا الوزير هو من الفريق الذي زار موسكو مع تسيبراس في الشهر الماضي وشارك في وضع مقترح شركة غازبروم لتصدير الغاز الروسي إلى أوروبا عبر تركيا إلى اليونان، وذلك ضمن خطة مد أنبوب "تركيش غاز" الذي اقترحه الرئيس فلاديمير بوتين على
الرئيس رجب طيب أردوغان.
وتأمل اليونان عبر هذه الصفقة من الحصول على 5 مليارات يورو مقدماً لحل أزمتها المالية.
وحسب مصادر بريطانية، فإن لافازانس أستاذ رياضيات ويعارض بشدة تقديم اليونان أي تنازلات للمفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي.
وتشير المصادر البريطانية كذلك إلى أن لافازانس يملك نفوذاً قوياً في حزب سيريزا وسيعمل مع كتلته الانتخابية على إسقاط حكومة تسيبراس في حال موافقته على إصلاحات المفوضية الأوروبية.
وتضيف أن لافازانس له نفوذ برلماني وتحبّذ كتلته البرلمانية خروج اليونان من منطقة اليورو والعودة إلى عملة "دراخما" التي كانت متداولة في اليونان قبل انضمامها إلى منطقة اليورو.
أما الشخصية القوية الثانية في حكومة تسيبراس التي تعارض تنفيذ شروط حزمة الإنقاذ المالي، فهو وزير الداخلية وإدارة إعادة الهيكلة نيكوس فوتسس.
وحسب تاريخ فوتسس، فهو سياسي قوي متخصص في تنظيم التظاهرات منذ أن كان طالباً في الجامعة. ومنذ توليه الوزارة، ألغى فوتسس كل الإصلاحات التي نفذها الوزير السابق في حكومة الائتلاف التي وافقت على شروط الإنقاذ.
أما الرجل القوي الثالث فهو وزير التعليم والثقافة البروفسور أرستيدس بالتاس، أحد أهم مؤسسي حزب سيريزا، وهو الذي أشرف على تدريب وتأهيل الرئيس أليكسيس تسيبراس منذ أن كان طالباً في الجامعة.
ولدى هذا البروفسور المشهور أفكار غريبة، من بينها برنامج طرحه للتعليم العالي يلغي بموجبه الامتحانات التي تؤهل الطلاب لدخول الجامعات، كما يسمح للطالب بقضاء المدة التي يريدها في الجامعة للحصول على الشهادة الجامعية.
وسط هذه التعقيدات التي تسيطر عليها الأيديولوجيا السياسية أكثر من المنطق الاقتصادي، تتزايد شكوك المستثمرين حول مستقبل بقاء اليونان في منطقة اليورو، وخصوصاً أن هنالك تسريبات تشير إلى أن منطقة اليورو وضعت خطة سرية لطرد اليونان من منطقة اليورو.
وفي أكبر مؤشر على قناعة المستثمرين بذلك أن قضية إعلان اليونان دولة مفلسة وأن مسألة خروجها من اليورو باتت مسألة وقت، سندات الدين اليونانية التي شهدت عمليات بيع مكثفة، أشبه بالهروب من اليونان والتخلّص من سنداتها بأي ثمن.
وسجلت "العربي الجديد" أن الفائدة على السندات اليونانية التي يحلّ أجلها في يوليو/ تموز
العام 2016 ارتفعت إلى 21.49%، في الأسبوع الماضي، كما أن الفائدة على سندات الخزانة اليونانية التي يحل أجلها في أعوام 2019 و2025 و2027، أي سندات الدين طويلة الأجل، انخفضت بمعدل 14 نقطة أساس إلى 11.40%.
وصاحبت هذا الهبوط في السندات وهروب المستثمرين من أدوات الدين اليونانية، عمليات شراء لسندات الخزينة الألمانية التي تباع حالياً بمعدل فائدة سالب.
وهو ما يعني أن المستثمرين في السندات اليونانية وأثرياء اليونان يبحثون عن ملاذات آمنة لحماية ثرواتهم من قبضة الشيوعية التي ربما تقوم بتأميم البنوك والمؤسسات المهمة في الدولة في حال طرد اليونان من عضوية اليورو.
ومن المؤشرات الخطيرة، عمليات السحب المكثفة من البنوك التجارية اليونانية، حيث يتسابق المودعون لتحويل إيداعاتهم ومدخراتهم المودعة في البنوك الى الخارج، خاصة إلى البنوك البريطانية والسويسرية والألمانية.
اقرأ أيضاً:
هل تصبح اليونان حصان طروادة في أوروبا؟