كازاخستان: نازارباييف و"حيلة" تقديم الانتخابات الرئاسة

28 فبراير 2015
تعتبر روسيا نفسها مسؤولة عن أمن جاراتها وبينها كازاخستان(Getty)
+ الخط -

تستعدّ كازاخستان لإجراء انتخابات رئاسيّة مبكرة للمرّة الثانية على التوالي، لا نتيجةً لأزمة سياسيّة، إنّما لقطع الطريق على أي أزمة سياسيّة محتملة. فالمهم ألا يتمكّن أحد من الاستعداد للانتخابات، التي يُعلن عنها قبل أوانها، في بلد تبدو تركيبته السكانيّة شديدة التعقيد.
وبات تقديم موعد الانتخابات نهجاً يتّبعه الرئيس نور سلطان نازارباييف، ابن الخامسة والسبعين من عمره، والذي يترأس البلاد منذ أبريل/نيسان 1990، في وقت يخشى فيه أن يعكّر العثور على صهره السابق ميتاً في زنزانته في فيينا، صفوه الأبدي ويشوّش على انتخاباته المرسومة.

وكان قد تمّ العثور على الدبلوماسي السابق الرفيع المستوى، رئيس جهاز الأمن الأسبق، الزوج السابق لابنة نازارباييف، راحات علييف، ميتاً في زنزانة داخل سجن فيينا في النمسا، في الرابع والعشرين من فبراير/شباط الحالي. وتورد وكالة "ريا نوفوستي"، التي نقلت الخبر، أنّ الأخير أنجز الكثير في حياته، بما يؤهله لأن يكون أحد أهم أعداء القيادة الكازاخية، علماً بأنّه تمّ إلقاء القبض عليه في فيينا، في الخامس من يونيو/حزيران الماضي.

اقرأ أيضاً: ملياردير كازاخستاني دوخ القضاء البريطاني: جاء متخفياً بعباءة اللجوء

وفيما تبرّر النيابة العامة الكازاخية اعتقاله، على خلفيّة تورّطه بعمليات خطف وقتل مديري الأعمال الكبيرين، جولداس تامرعلييف وأيبار حسينوف، لم تستجب السلطات النمساوية لطلب تسليمه إلى كازاخستان، مشيرة إلى أنّ من غير المضمون أن يحظى بمحاكمة عادلة في كازاخستان.
ولعلّ موت علييف، كان من شأنه أن يريح السلطات الكازاخية، لولا انشغالها بالترتيب لانتخابات، تُبقي كازاخستان على ما هي عليه، مستقرة بسلطتها السياسية وبتحالفها مع روسيا وبتوازناتها الداخلية، في وقت تستمرّ فيه التحقيقات حول أسباب موته، بعد تساؤلات عن احتمال قتله.

انطلاقاً من هذا الواقع، يُنتظر أن تجري كازاخستان، في ربيع هذا العام، انتخابات رئاسية عاجلة، أو سابقة لأوانها. فالجمعية العامة لشعوب كازاخستان، والتي يترأسها نازارباييف نفسه، طرحت هذه المبادرة في الرابع عشر من الشهر الحالي، أملاً بمنح الرئيس القيّم على السلطة، تفويضاً شعبياً جديداً من شعوب كازاخستان، التي يفوق عددها 130 شعباً. ويبقى المضمر في هذه المبادرة، كما يرى متابعون لآلية الحكم في أستانا، هو قطع الطريق على ظهور شخصيّة، يمكن أن تنافس على كرسي الرئاسة، فيما لو أتيح لها الوقت وحريّة النشاط لتحقيق ذلك.

التضييق على المعارضة
ومن الجدير بالذكر أنّ الانتخابات الرئاسيّة السابقة، أجريت أيضاً قبل أوانها، وأُعلن عنها بصورة عاجلة، وقد تمت في الثالث من أبريل/نيسان2011، حين حصل نازارباييف بنتيجتها على 95.55 في المائة من الأصوات، وفي حين أن هناك من يرى أن نازارباييف يحتاج إلى الانتخابات في هذا التوقيت بالذات، ليظهر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين من هو سيد كازاخستان الحقيقي، على الرغم من انضمام البلاد إلى الاتحاد الأوراسي، يعتبر آخرون أنّ الأوضاع تتدهور بسرعة، وقد تؤدي إلى امتناع الناس عن التصويت لنازارباييف، في حال إجراء الانتخابات في موعدها، أي خلال عام. وفي المقابل، يشير رأي ثالث إلى أنّها "لعبة أولئك الذي يديرون البلاد من وراء ظهر نازارباييف، ولكنهم يتوقعون أنّه سيكون من الصعب على الرئيس إكمال فترة رئاسته، ولذلك فقد يضطر إلى نقل بعض صلاحياته خشية فقدانها كلّها في لحظة ما".

ووفق مقابلة قبل العثور عليه ميتاً، نشرها موقع "س زونا.أورغ"، يرى علييف أنّ "السيناريو عند نازارباييف لنقل السلطة واحد لا ثان له، وهو خيار وسط بين الحالة الروسية لنقل السلطة من يلتسين إلى بوتين، والأذرية من الأب حيدر إلى الابن إلهام علييف ولا خيار ثالث عنده". ويضيف: "يستعدّ نازارباييف عادة للانتخابات قبل عام من إجرائها على الأقل، وهو كثيراً ما قال لي إنّ من المهم إجراؤها بصورة مفاجئة للجميع، وقبل المدة المحددة (دستورياً) بفترة طويلة، كي لا تستطيع المعارضة التحضير لها".

وفي موازاة إشارته إلى أنّ "نازارباييف كثيراً ما أخبرني بأنّه يخشى محيطه القريب أكثر مما يخشى المعارضة"، يقول إنّه "يحتاج إلى إعادة تشكيل السلطة انطلاقاً من الواقع السياسي، وهو يحتاج إلى تأمينٍ ضد حالة مشابهة لأوكرانيا. كما يحتاج، من جهة أخرى، لأن يثبت للغرب ولروسيا بأنه يسيطر على الوضع. وهو، كما أفترض، سيحقّق نواياه، بحيث يبدو كأنّما ينقل السلطة للبرلمان ورئيس الوزراء، ويبقي لنفسه دور ملكة بريطانيا".

اقرأ أيضاً: قمة أستراخان: قوننة وضع بحر قزوين
من جهته، يعرب الباحث السياسي، قسطنطين كالاتشوف، في تصريحات صحافية، عن اعتقاده بأنّ "نازارباييف لا يزداد شباباً والنخبة والسكان قلقون"، مستنتجاً أنّ "إعادة انتخابه رئيساً، تسمح بالتغلب على قلق النخبة الكازاخية إزاء المستقبل، وهي ستقوم بتهدئة السكان حيال هذا الأمر". وفي المقابل، يقول رئيس قسم آسيا الوسطى في معهد بلدان رابطة الدول المستقلة، أندريه غروزين، في تصريحات لقناة "آر بي كا"، إنّ "الانتخابات العاجلة في كازاخستان، تأتي على الأرجح بمثابة اختبار لولاء الطبقة السياسية والمجموعات المالية في البلاد، أكثر مما هي اختبار لمساندة السكان للرئيس".

ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ أحداث أوكرانيا خلخلت الأرضيّة السياسية في كازاخستان. فبعد الميدان الذي أطاح سلطة فيكتور يانوكوفيتش في كييف، ازداد نشاط المعارضين السياسيين لنظام نازارباييف بوتيرة ملحوظة. وكان النشاط الأكثر وضوحاً، في هذا المجال، محاولة تنظيم منتدى مضاد للاتحاد الأوراسي في أستانا، في الثاني عشر من أبريل/نيسان الماضي. ومع أنّ هذه المحاولة فشلت، لكنّها أحدثت صخباً كبيراً هزّ الأرضيّة السياسية التي يرتكز عليها نظام نازارباييف، وتجلى ذلك بنشر كثير من المواد والمناقشات المناهضة لروسيا، والتي وضعت بوتين في موضع المقارنة مع هتلر، ولاقت تفاعلاً كبيراً، فيما يتوقع البعض أنه لا بد من أن يعبر عن نفسه في ظرف ما مناسب.

إلى ذلك الحين، يظهر واقع الحال في المجتمع الكازاخي بغياب حالة مناهضة جدياً لروسيا، وخصوصاً أنّ كازاخستان التي اكتسبت هيكلية الدولة في العهد السوفييتي تحظى بمكانة خاصة في روسيا. وتجد الأخيرة نفسها مسؤولة عن أمن جاراتها التي تربطها معها حدود طويلة وتاريخ طيب من الزمن السوفييتي.
وعلى الرغم من غياب التطرف القومي، ربما نتيجة التعدد الكبير في القوميات التي تقطن البلاد، لكنّ ذلك لا ينفي وجود عدد من الحركات المتطرفة التي تراقبها أستانا وتضبطها بقسوة، مضيّقة هوامش العمل السياسي.
وفي هذه الحاضنة، وجد السياسي الشاب الطامح، مختار تيجان، نفسه مضطراً للانسحاب من حياة البلاد السياسيّة، وخصوصاً أنّه حاول ارتقاء سلم السياسة عبر مناهضة الاتحاد الأوراسي، والدعوة إلى ميدان ينشط فيه الناس ضدّ الاتحاد الذي لكازاخستان مصلحة عليا فيه، كما تقول "صحيفة فزغلياد" الروسية.