كاميرات القدس: حصار إلكتروني لطرد الفلسطينيين

14 نوفمبر 2017
محاصرة البلدة القديمة من جانب الاحتلال (توماس كوكس/فرانس برس)
+ الخط -
توجّه المسنّ المقدسي نعمان الياسيني من سكان شارع الواد بالبلدة القديمة من القدس المحتلة، إلى ضابط كبير في شرطة الاحتلال الإسرائيلي، ووقف إلى جوانب طواقم هندسية تابعة لقواته، طالباً منه إزاحة كاميرا المراقبة التي كانت منصوبة قريبة من نافذة غرفة نومه المطلة على الشارع المذكور المتاخم للمسجد الأقصى. حاول الضابط إقناع المسنّ بأن "تلك الكاميرات ستوفر الأمن له ولجيرانه من اللصوص وتحفظ أمن الزائرين إلى البلدة القديمة في القدس"، لكن الياسيني كرر طلبه من الضابط المذكور، والذي انصاع أخيراً لطلبه، فأزاحها مسافة قليلة، في وقت كانت طواقم أخرى ركّبت كاميرات أكثر تطوراً من تلك التي كانت منصوبة منذ أكثر من عشر سنوات. وأشار الياسيني، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "اللصوص الوحيدين الذين يقضون مضاجع عائلته وجميع سكان البلدة القديمة هم المستوطنون الذين يعربدون ليل نهار ويعتدون على ممتلكات المواطنين ومنازلهم". وأضاف أنه "وجدت هذه الكاميرات لمنح المستوطنين مزيداً من الحماية والتغطية على اعتداءاتهم، وغالباً ما كانت هذه الكاميرات تتعطل حين ترصد اعتداءات تعرض لها مواطنون وممتلكاتهم وأغلقت ملفات التحقيق فيها لعدم وجود أدلة".

من جهته، علّق الباحث في مجال حقوق الإنسان، سليمان قوس، على قرار وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي نصب منصات وكاميرات تصوير حديثة في البلدة القديمة ومحيطها، بالقول إن "هذه الخطة الإسرائيلية الجديدة بأبعادها الأمنية والشرطية ستجعل شوارع البلدة القديمة وحتى منازلها مكشوفة على مدار 24 ساعة لغرف المراقبة في مقرات قيادة شرطة الاحتلال سواء داخل أسوار المدينة المقدسة أو خارجها، لأن ذلك يعني أن المواطن المقدسي ستتحول حياته إلى كابوس، وسيظل يعيش تحت هاجس المراقبة الدائمة له حتى في غرفة نومه أو معيشته".

ولفت قوس إلى أن "الخطة بمقتضى تنفيذها، وحال الانتهاء من تركيب مئات جديدة من كاميرات المراقبة، سترفع عددها إلى أكثر من ألف، تتوزع في جميع المحاور والأزقة وفي الأسواق والشوارع الرئيسية وعلى مداخل بوابات البلدة القديمة". وأوضح أن "خطة الاحتلال، قبل أشهر، بنصب بوابات إلكترونية على أبواب المسجد الأقصى توسعت إلى أكبر من ذلك بكثير، أي أنهم سيحولون البلدة القديمة إلى ما يشبه الفنجان بمعالم واضحة وبالغة الدقة".

في المقابل، رأى مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية، زياد الحموري، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "من شأن خطة تشديد الخناق على القدس العتيقة تعزيز التواجد الاستيطاني فيها، وسيتضح لاحقاً أن الهدف الحقيقي من تركيبها هو جلب مزيد من الأمن للمستوطنين فيها، وتحفيز آخرين للسكن فيها، إذ توجد أكثر من 80 بؤرة استيطانية هناك، بينما هم يتحدثون الآن عن عقارات أخرى قد يتم الاستيلاء عليها في غضون العام المقبل، وفق ما يعلنه رؤساء جمعيات استيطانية".


ومع ذلك، أشار الحموري إلى "وجود تأثيرات أخرى سيعاني منها المقدسيون على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، تتمثل في احتكاكات مع المستوطنين القاطنين في البؤر الاستيطانية والذين يستغلون وجود هذه الكاميرات لمزيد من الاعتداءات على المواطنين وممتلكاتهم، ومراقبة المواطنين في منازلهم خاصة الواقعة في مسارات البؤر الاستيطانية".

أما اقتصادياً، فإن وجود الكاميرات مع نشر نحو 600 عنصر جديد من شرطة الاحتلال داخل البلدة القديمة، وافتتاح 15 مركزاً شرطياً جديد سيحول البلدة القديمة إلى ثكنة عسكرية تؤدي إلى عزوف المواطنين عن التوجه إليها بسبب التدابير الأمنية الاحتلالية والتفتيش المهين. بالتالي سيرتفع أعداد المستوطنين الوافدين للبلدة القديمة يومياً سواء إلى البؤر الاستيطانية والمعاهد التلمودية، أو بذريعة الصلاة في ساحة البراق.

بدوره، حذّر أمين سر غرفة تجارة القدس، حجازي الرشق، من أن "الخطة الجديدة، ستفضي إلى إغلاق مزيد من المحال التجارية في المدينة المقدسة، علماً بأنه منذ هبة القدس قبل عامين وحتى الآن ارتفعت أعداد المحلات التي أغلقها أصحابها بسبب إجراءات الاحتلال الأمنية المشددة إلى أكثر من 300 محل، أي بزيادة وصلت إلى نحو 7 في المائة عما كانت عليه في الأعوام السابقة".


وأشار الرشق، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "أحداث العامين الأخيرين وإقامة قوات الاحتلال لمنصات مراقبة وتفتيش على أبواب البلدة القديمة وإخضاع الداخلين إليها لتفتيش مهين كان سبباً في التراجع الحاد في أعداد المتسوقين، ما ألحق خسائر كبيرة بالتجار".

واشتكى تجار البلدة القديمة في القدس من غياب دعم السلطة الفلسطينية لهم بالرغم من اقتطاع 25 مليون دولار من رواتب موظفيها لصالح سكان البلدة القديمة خاصة التجار. ونفى العديد منهم تلقيهم ما وعدوا به من مساعدات مالية بقيمة ثلاثة آلاف دولار لكل تاجر، كانت قد وعدت بها حكومة رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله عقب هبة الأقصى الأخيرة "هبة باب الأسباط" التي اندلعت في 14 يوليو/تموز الماضي، عقب محاولة الاحتلال فرض إجراءات جديدة في الأقصى.

في هذا السياق، قال مسؤول فلسطيني، لـ"العربي الجديد"، إن "نحو 120 تاجراً فقط من أصل خمسة آلاف تاجر تلقوا مساعدات مالية من السلطة". والمبلغ ضئيل حسبما أفاد التاجر سعيد الصالحي، من سوق السلسلة القريب من الأقصى، لـ"العربي الجديد".

وكان المقدسيون قد أحبطوا في يوليو الماضي، فيما عرف بهبة الأقصى، مخططاً مشابهاً حاولت سلطات الاحتلال فرضه على المسجد الأقصى من خلال نصب بوابات إلكترونية على بواباته، لكن اندفاع المقدسيين إلى الشوارع في حينه وبعشرات الآلاف أحبط هذا المخطط، وأسقط بيد الاحتلال الذي خضع لإرادة المقدسيين وتراجع عن مخططه المذكور. لكنّ ما حدث أشعل الضوء الأحمر لدى سلطات الاحتلال التي رأت فيما جرى بأنه انتصار فلسطيني ونكوص احتلالي لم يسبق أن سجل على مدى سنوات الاحتلال.


من هنا اعتبر كثير من المقدسيين، ومن بينهم مرجعيات دينية، بأن المخططات الجديدة التي اقترحها وزير الأمن الداخلي الذي مني بانتكاسة في هبة الأقصى، جاءت بديلاً عن خطة الحصار الأولى للمسجد الأقصى إلى حصار ومراقبة على مدار الساعة للبلدة القديمة برمتها.

هذا ما ذهب إليه المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين في حديث لـ"العربي الجديد"، مؤكداً أن "حصار الاحتلال للمسجد الأقصى الذي أفشلته الهبة المباركة في يوليو الماضي، تحول إلى حصار إلكتروني شامل للبلدة القديمة برمتها". وأضاف أن "ما تخطط له سلطات الاحتلال بهذا الشأن يضاعف من شعور عدم الأمن لدى المواطنين، ويمنح الاحتلال سيطرة بوليسية أشد على مرافق الحياة كلها داخل أسوار المدينة المقدسة، لذا نتوقع مزيداً من التصعيد المترافق مع تشديد الخناق ليس على الأماكن العبادة فقط، بل على كل مناحي الحياة".

وليس واضحاً بعد، ما إذا كانت هذه المخططات الجديدة لحصار البلدة القديمة ومراقبتها إلكترونيا ستقود إلى هبة أخرى مماثلة لهبة الأقصى الأخيرة. لكن من الواضح أن الأوضاع على الأرض تقود إلى مزيد من التصعيد، وليس مستبعداً أن تعود ساحات باب الأسباط والغزالي والواد وباب الناظر لتزدحم بآلاف المقدسيين مجدداً، خصوصاً مع اكتشافهم بأن الأقصى عاد محاصراً من جديد، لا على بواباته مباشرة بل على مسارات الأزقة والحارات والشوارع المؤدية إليه.

لهذا، فإن المتابعين للشأن المقدسي بهذا الخصوص، ومنهم خبير القدس والاستيطان والمقدسات جمال عمرو، اعتبروا في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المخططات الاحتلالية الجديدة هي الأخطر على مستقبل الوجود العربي والإسلامي في المدينة المقدسة". وأضاف: "هم لا يريدون تحقيق أمن آني لجنودهم ومستوطنيهم فقط، هم يريدون تفريغ البلدة القديمة من مواطنيها وقطاعاتها الاقتصادية المختلفة، وتحويل القدس العتيقة إلى قدس يهودية خالصة لهم".

ولا يقتصر الأمر على حيز البلدة القديمة وحدها بل في محيطها القريب والبعيد سواء بنصب منصات وكاميرات التصوير الأحدث تطوراً في العالم، أو من خلال ما يطرح من مخططات لسلخ أحياء مقدسية بأكملها عن المدينة المقدسة للتخلص ديمغرافياً من أكثر من مائة وخمسين ألفاً من سكان هذه الأحياء، بالتزامن مع تكثيف عمليات الاستيلاء على عقارات المواطنين في البلدة القديمة والشيخ جراح وسلوان.