كما وعد كاميرون النواب بالعودة، يوم غد الخميس، وتقديم استراتيجية متكاملة لا تقتصر على ملامح التدخل العسكرية المرتقب في سورية والعراق، وإنما تتعلق باستراتيجية شاملة وطويلة المدى تشمل توفير 178 مليار جنيه استرليني في العشر سنوات المقبلة، وزيادة عدد القوات البريطانية إلى 30 ألف مقاتل، وبحلول 2020 إلى 50 ألفا، وإنشاء كتبيتين لتكونا جاهزتين للتدخل السريع. واعتبر كاميرون أنه "لا بد من تمتع بريطانيا بالمرونة الكافية للرد على التهديدات التي يمكن أن تظهر في المستقبل". وضمن الإجراءات المتعلقة بالأمن الداخلي في بريطانيا، أعلن كاميرون عن إنشاء قوة عسكرية قوامها 10 آلاف جندي، تقدم الدعم للشرطة، في حال حدوث هجوم شبيه باعتداءات باريس الأخيرة.
اقرأ أيضاً: %68 من البريطانيين يؤيدون ضرب "داعش" بغطاء أممي
وقد وصف مراقبون خطاب كاميرون بـ"خطاب تمهيد الأرضية أمام توسيع التدخل العسكري في العراق إلى الأجواء السورية"، بعدما تهيأت الكثير من الظروف والأسباب التي باتت تستدعي مثل هذا التدخل دفاعاً عن أوروبا وبريطانيا، على حد تعبير رئيس الوزراء البريطاني خلال مؤتمره الصحافي مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند.
ويُحاول كاميرون، منذ سبتمبر/أيلول 2014، توسيع نطاق مهمة الطائرات البريطانية التي تقصف "داعش" في العراق لتشمل مواقع التنظيم في سورية، لكنه كان يواجه دائماً بمعارضة من داخل حزبه وأحزاب المعارضة الأخرى التي تعتبر أن تصعيد التدخل العسكري في سورية، على النحو الذي اقترحه كاميرون، قد يضع بريطانيا في نهاية المطاف في موقع التحالف مع نظام بشار الأسد الذي سبق لحكومة لندن أن وصفته بغير الشرعي. ويرى منتقدو الحكومة البريطانية أن التغيير في أولويات الاستراتيجية البريطانية، وتقديم هزيمة "داعش" على أولوية إسقاط نظام الأسد، ينطوي على مغامرة وعواقب سلبية، ولا سيما إذا ما فشلت هذه الاستراتيجية في إلحاق هزيمة بـ"داعش"، وبدلاً من ذلك ساعدت نظام الأسد على البقاء. وتخشى بعض الأوساط البريطانية أن يؤدي توسيع التدخل العسكري البريطاني في سورية والعراق إلى تأجيج مشاعر الجالية المسلمة، ودفع المزيد من الشباب البريطاني المسلم نحو التطرف، ما يعني ضربة قوية لكل الإجراءات الوقائية التي اتخذتها الحكومة البريطانية في السنوات الأخيرة. كما يخشى بعض معارضي توسيع التدخل البريطاني من غرق القوات البريطانية في وحل حرب أخرى في الشرق الأوسط، وهي لم تكد تخرج من تداعيات مشاركتها العسكرية في العراق وأفغانستان. وتتجلى هذه المخاوف في صفوف حزب المحافظين الحاكم أكثر من غيره، إذ تُبدي أوساط حزبية خشيتها من انجرار كاميرون وحكومة حزب المحافظين إلى حرب خاسرة ومُكلفة تؤدي إلى خسارة الحزب لموقعه الحكومي، تماماً كما خسر توني بلير وحكومة العمال موقع الحكومة بعد التورط في حربي أفغانستان والعراق.
ويبدو أن اعتداءات باريس، وما سبقها من عمليات إرهابية تبنتها التنظيمات المتشددة، من تفجير الطائرة الروسية في مصر والاعتداءات الإرهابية في لبنان ومالي وحتى الاعتداءات في تونس التي قُتل فيها 30 بريطانياً، جميعها عوامل شجعت كاميرون، بعد أن كان قد تردد طيلة الأشهر الماضية في التوجّه لمجلس العموم البريطاني، للحصول على تفويض بتوسيع عمليات سلاح الجو البريطاني من الأجواء العراقية إلى الأجواء السورية، خشية عدم الحصول على الأغلبية البرلمانية اللازمة لصالح التفويض المطلوب، ولا سيما مع رفض زعيم حزب "العمال" المعارض، جيريمي كوربين، توسيع العمليات الجوية البريطانية إلى الأجواء السورية، من دون قرار من مجلس الأمن الدولي، وما لم يكن ذلك ضمن حل شامل للملف السوري، تشارك فيه الدول الكبرى، الدائمة العضوية في مجلس الأمن. وقد تحقق الشرطان لكاميرون مع دعوة قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2249، الدول الأعضاء إلى القيام بكل ما في وسعها لمضاعفة وتنسيق جهودها لمنع وإيقاف الأعمال الإرهابية التي يرتكبها على وجه التحديد تنظيم "داعش" والكيانات المرتبطة بتنظيم القاعدة". ويضاف إلى ذلك حصول فرنسا على تفعيل بند "التضامن المتبادل" ضمن الاتحاد الأوروبي، وهو ما يعني أن جميع دول الاتحاد الأوروبي تتحمل واجب منع وقوع كارثة، وذلك من خلال دعم استراتيجية تكاملية لضمان أمن واستقرار واستمرارية كيان الاتحاد الأوروبي.
على الرغم من كل هذه التطورات، فإن عودة كاميرون غداً الخميس إلى مجلس العموم البريطاني، لا تعني ضمان الحصول على تفويض الأغلبية البرلمانية، إذ إن لدى معارضي توسيع التدخل البريطاني إلى الأجواء السورية ما يكفي من المخاوف التي لم تبددها حماسة كاميرون ولا الاندفاعة الأوروبية بعد.
اقرأ أيضاً بريطانيا: "ألوية سترايك" أبرز نقاط "استراتيجية الدفاع والأمن" الجديدة