03 مارس 2022
كبرياء كوبر الفلسطينية
أقرأ رواية الراحل حسين البرغوثي "سأكون بين اللوز". ومن خلفية الغرفة يصل إليّ صوتٌ يروي خبر اعتقال الشاب الفلسطيني عاصم البرغوثي. القاسم المشترك بين البرغوثيين قرية كوبر الفلسطينية (نحو 10 كلم شمال غربي رام الله). وكحال كل القرى المجاورة، ظلت كوبر شوكةً في حلق الاحتلال والاستيطان منذ اليوم الأول لاحتلال الضفة الغربية في 1967.
فوق تلالٍ من المجد، تسمو قرية كوبر بكبرياء. تطل على مدينة القدس من بعيد، وكأنما تحرسها بعين، وترصد بالأخرى قطعان مستوطني مغتصبة حلميش التي أقامها الإسرائيلي على صدر حقول الزيتون ما بين قرى كوبر، ودير نظام، والنبي صالح. في ربوع القرية من المسارب إلى الدوار وحتى دير الجواني، ترعرع البراغثة، مروان، ونائل، وتحرير، وعاصم، وعمر العبد، وآخرون من أبناء القرية الذين خلَّدوا أسماءهم في سجلات الكرامة، شهداء وأسرى.
"فرسه معه.. فرسه الأصيلة والبارودة والعباية.. عمره ما طاق الذل بين الأراضي الواطية"، وكأن حسين البرغوثي الذي رحل عنا قبل سنواتٍ قليلة، يعود الى الحياة من جديد، يقفز من بين اللوز، ليصحح تفاصيل الخبر. تمكن العدو من اعتقال الشاب عاصم البرغوثي، بعد أن طارده جيش الاحتلال وكلابه، وعيون استخباراته، وأعوانهم منذ أسابيع بتهمة إطلاق النار على مستعمرتين قرب رام الله في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ما أسفر عن مقتل وجرح جنود ومستوطنين.
وما حكاية المُطارد عاصم، وشقيقه الشهيد صالح، ووالدهما المعتقل، إلا واحدة من أساطير الصمود التي ترويها القرية عن شبانٍ صاروا أيقوناتٍ في تاريخ الشعب الفلسطيني ونضاله. هنا بيت عميد الأسرى، نائل البرغوثي، الذي اعتقله الاحتلال يوم 4/4/1978، وهو في عمر 19 عاما حين كان يدرس الثانوية العامة. وبعد 12 يوما على اعتقاله، اعتقل الاحتلال شقيقه الأكبر عمر وابن عمه فخري، وحوكم ثلاثتهم بتهمة قتل ضابط إسرائيلي شمال رام الله، وحرق مصنع زيوت في الداخل المحتل عام 48، وتفجير مقهى في القدس". ويروي أهل القرية كيف أن محاكمة نائل وعمر وفخري جرت بينما كان أطفال القرية يردّدون أنشودة "ما بنتحوّل ما بنتحوّل يا وطني المحتل.. هذه طريقنا وبنتحمل يا وطني المحتل".
وتشهد حواري القرية كذلك على سيرة مروان البرغوثي، أحد أهم قادة النضال الفلسطيني الميدانيين. انخرط في حركة فتح، عندما كان في سن الخامسة عشرة، واعتقله الجيش الإسرائيلي عام 1976 عندما كان في الثامنة عشرة. وتعرّض للاعتقال الإسرائيلي مرات قبل اعتقاله آخر مرة في العام 2002. سجن عام 1984 أسابيع، واعتقل عام 1985 نحو شهرين، ثم فرضت عليه الإقامة الجبرية في العام نفسه، ليسجن إداريا بعد ذلك ويطلق سراحه في عام 1986، إلى أن تم إبعاده خارج أراضي السلطة الفلسطينية بقرار من وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، إسحق رابين، في إطار سياسة الإبعاد التي طاولت قادة فلسطينيين عديدين. عشرات آخرون من رجال القرية وشبانها يقضون زهرة أعمارهم في معتقلات الاحتلال، بينما تتعرّض القرية يومياً لمداهمات الجيش واعتداءاته على الناس وممتلكاتهم.
لا شيء يُثني أهل كوبر عن متابعة النضال حتى قَلع الاحتلال. "يظنون أنهم يثنوننا بسجننا أو بالتنكيل بنا أو بقتلنا.. لا والله لن نهزم سنبقى في السجون أو نقتل، سنبقى كما أرادنا الله تعالى". هذا ما قاله عاصم البرغوثي، بعد أن أطلق سراحه في إبريل/ نيسان 2018، من سجن قطف من ريعان شبابه 11 عاماً. في مقدمة "سأكون بين اللوز" يكتب الشاعر الفلسطيني أحمد دحبور، كيف أن حسين البرغوثي لم ير فرقاً بين قاتِله، مرض السرطان، وقاتل شعبه، الاحتلال. للفلسطيني في كوبر، وغيرها "المرض كالاحتلال، أو الاحتلال كالسرطان، لا فرق في المفاضلة، فكلاهما يعتدي على السنوات الطبيعية، التي هي من حق أي إنسانٍ مولود تحت الشمس".
فوق تلالٍ من المجد، تسمو قرية كوبر بكبرياء. تطل على مدينة القدس من بعيد، وكأنما تحرسها بعين، وترصد بالأخرى قطعان مستوطني مغتصبة حلميش التي أقامها الإسرائيلي على صدر حقول الزيتون ما بين قرى كوبر، ودير نظام، والنبي صالح. في ربوع القرية من المسارب إلى الدوار وحتى دير الجواني، ترعرع البراغثة، مروان، ونائل، وتحرير، وعاصم، وعمر العبد، وآخرون من أبناء القرية الذين خلَّدوا أسماءهم في سجلات الكرامة، شهداء وأسرى.
"فرسه معه.. فرسه الأصيلة والبارودة والعباية.. عمره ما طاق الذل بين الأراضي الواطية"، وكأن حسين البرغوثي الذي رحل عنا قبل سنواتٍ قليلة، يعود الى الحياة من جديد، يقفز من بين اللوز، ليصحح تفاصيل الخبر. تمكن العدو من اعتقال الشاب عاصم البرغوثي، بعد أن طارده جيش الاحتلال وكلابه، وعيون استخباراته، وأعوانهم منذ أسابيع بتهمة إطلاق النار على مستعمرتين قرب رام الله في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ما أسفر عن مقتل وجرح جنود ومستوطنين.
وما حكاية المُطارد عاصم، وشقيقه الشهيد صالح، ووالدهما المعتقل، إلا واحدة من أساطير الصمود التي ترويها القرية عن شبانٍ صاروا أيقوناتٍ في تاريخ الشعب الفلسطيني ونضاله. هنا بيت عميد الأسرى، نائل البرغوثي، الذي اعتقله الاحتلال يوم 4/4/1978، وهو في عمر 19 عاما حين كان يدرس الثانوية العامة. وبعد 12 يوما على اعتقاله، اعتقل الاحتلال شقيقه الأكبر عمر وابن عمه فخري، وحوكم ثلاثتهم بتهمة قتل ضابط إسرائيلي شمال رام الله، وحرق مصنع زيوت في الداخل المحتل عام 48، وتفجير مقهى في القدس". ويروي أهل القرية كيف أن محاكمة نائل وعمر وفخري جرت بينما كان أطفال القرية يردّدون أنشودة "ما بنتحوّل ما بنتحوّل يا وطني المحتل.. هذه طريقنا وبنتحمل يا وطني المحتل".
وتشهد حواري القرية كذلك على سيرة مروان البرغوثي، أحد أهم قادة النضال الفلسطيني الميدانيين. انخرط في حركة فتح، عندما كان في سن الخامسة عشرة، واعتقله الجيش الإسرائيلي عام 1976 عندما كان في الثامنة عشرة. وتعرّض للاعتقال الإسرائيلي مرات قبل اعتقاله آخر مرة في العام 2002. سجن عام 1984 أسابيع، واعتقل عام 1985 نحو شهرين، ثم فرضت عليه الإقامة الجبرية في العام نفسه، ليسجن إداريا بعد ذلك ويطلق سراحه في عام 1986، إلى أن تم إبعاده خارج أراضي السلطة الفلسطينية بقرار من وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، إسحق رابين، في إطار سياسة الإبعاد التي طاولت قادة فلسطينيين عديدين. عشرات آخرون من رجال القرية وشبانها يقضون زهرة أعمارهم في معتقلات الاحتلال، بينما تتعرّض القرية يومياً لمداهمات الجيش واعتداءاته على الناس وممتلكاتهم.
لا شيء يُثني أهل كوبر عن متابعة النضال حتى قَلع الاحتلال. "يظنون أنهم يثنوننا بسجننا أو بالتنكيل بنا أو بقتلنا.. لا والله لن نهزم سنبقى في السجون أو نقتل، سنبقى كما أرادنا الله تعالى". هذا ما قاله عاصم البرغوثي، بعد أن أطلق سراحه في إبريل/ نيسان 2018، من سجن قطف من ريعان شبابه 11 عاماً. في مقدمة "سأكون بين اللوز" يكتب الشاعر الفلسطيني أحمد دحبور، كيف أن حسين البرغوثي لم ير فرقاً بين قاتِله، مرض السرطان، وقاتل شعبه، الاحتلال. للفلسطيني في كوبر، وغيرها "المرض كالاحتلال، أو الاحتلال كالسرطان، لا فرق في المفاضلة، فكلاهما يعتدي على السنوات الطبيعية، التي هي من حق أي إنسانٍ مولود تحت الشمس".