لا تبدو مشكلة التاريخ في الجزائر متعلّقةً بالحقيقة التاريخية نفسها، بقدر ارتباطها بالتداخل بين التاريخ والسياسة؛ فالنظام السياسي لا يستمدّ شرعيته من نجاحاته الديموقراطية أو التنموية، بل من "الشرعية التاريخية"، وهو ارتباط أفسد التاريخ والسياسة معاً. فقبل أن يُفكّ الارتباط نهائياً بين الثنائيتين، لا مجال للكلام عن أية حقيقة تاريخية، ولا عن أية نجاعة سياسية.
ثمّة من العوائق الإبيستمولوجية التي تحُول دون الحقيقة التاريخية، يمكن تلخيصها في استحواذ النظام السياسي في الجزائر على تاريخ الثورة وما قبلها، واحتكاره بحثاً وتدريساً؛ فقد جرى ترسيخ الرواية الرسمية وإحاطتها بسياج من التابوهات التي يُمنع التساؤل حولها بالقمع وتكميم الأفواه ونفي المؤرّخين النقديين (محمد حربي مثلاً). بل إنه عمد إلى كسب ود بعض المؤرّخين من ذوي السلطة المعرفية (مثل بنجامين ستورا). وقد بقي احتكار الحقيقة التاريخية مُدستَراً إلى غاية 2008، حين أقرّت الجريدة الرسمية بالحق "في فتح البحث في التاريخ وتعليمه للأجيال الجديدة"، ولو فتحاً شكلياً.
يتفق معظم المتخصّصين أن تدريس التاريخ في الجزائر يجري بطريقة متردّية جدّاً، خصوصاً في الجامعة؛ حيث يغيب الحسّ النقدي لمصلحة الدوغمائية في توافق تام مع التاريخ الرسمي، أو ضمن رؤية أيديولوجية ضيقة؛ فالتاريخ، كعلم إنساني، يبقى أقل العلوم الإنسانية موضوعيةً.
أيضاً، هناك بون شاسع بين الروايتين الجزائرية والفرنسية للتاريخ المشترك، سواءً من حيث الرؤى أو من حيث الوسائل والأدوات المعرفية. هكذا، تصطدم كل محاولة لكتابة ذلك التاريخ ضمن رؤية متقاربة بهذا الفرق في الأدوات وقوّة المؤسّسات البحثية والآلة المعرفية التي تُحسَم في كلّ مرّة للطرف الفرنسي الذي يستطيع، بقوّة مؤسّساته والأرشيف المتحكَّم فيه، أن يُرسّخ روايته ورؤيته ويمارس كلّ أنواع التوجيه المعرفي على الطرف الثاني.
ثمّة مشكلة أخرى؛ هي ظاهرة الاصطفاف الأيديولوجي في كتابة التاريخ؛ هناك انقسام واضح بين تيّارين: عروبي إسلامي، وآخر ذو نزعة علمانية وأمازيغية، وكلاهما يمجّد شخصيات على حساب أخرى، بينما تستدعي الحقيقة التاريخية كسر هذه الحلقة المفرغة والخروج عن منطق الاصطفاف.
في السنوات الأخيرة، صدر كتابان متزامنان تقريباً؛ هما: "الأزمة البربرية" لـ عبد النور علي يحي، و"الحركة الوطنية (1945 - 1954)" لـ رابح بلعيد. يختلف الكتابان أيديولوجياً ولغوياً، لكنهما يلتقيان في طبيعة الهدف والحسّ الاصطفافي؛ إذ يسعى كلاهما إلى عادة بناء صورة الزعيم الأوحد (حسين آيت أحمد في الأول ومصالي الحاج في الثاني).