مع بداية الموسم الثاني لكارلو أنشيلوتي (2014-2015) تعرض الفريق لعدد من التغييرات: رحل موراتا نحو يوفنتوس وتشابي ألونسو لبايرن ميونخ وأنخل دي ماريا لمانشستر يونايتد، فيما جلب النادي كلاً من توني كروس وكيلور نافاس وتشيتشاريتو وجيمس رودريغز.
لم يكن رونالدو راضيا عن الأمر وعقب الخسارة أمام ريال سوسييداد في أغسطس/آب أبدى اعتراضه وقال "لو كنت مسؤولا، ربما لفعلت الأمور بشكل مختلف، ولكن لكل شخص رأيه ولديه أيضا الحرية لقول ما يرغب فيه".
بعد أسبوع من الفوز بكأس السوبر الأوروبي على حساب إشبيلية، اضطر لعدم استكمال ذهاب كأس السوبر الإسباني أمام أتلتيكو ولم يشارك سوى في الشوط الثاني من لقاء الاياب الذي توج بسببه الـ"روخيبلانكوس" باللقب.
كانت هذه هي الإصابة التي أثرت على مستواه في المونديال والتي كان يحاول العلاج منها صيفا، ولكنها لم تكن ترغب في الرحيل. خلال ديسمبر/كانون الأول توج الريال بكأس العالم للأندية في المغرب بعد الفوز على سان لورنزو، وعلى الرغم من أن كريستيانو لم يسجل في المسابقة إلا أن الأمر احتسب نجاحا بالنسبة له: خلال خمس سنوات في النادي تمكن من التتوج بكل لقب ممكن.
كانت هذه نهاية مثالية لعام 2014 بالنسبة لرونالدو، ليس فقط بسبب التتوج بأربعة من أصل ستة ألقاب (كأس الملك ودوري الأبطال والسوبر الأوروبي وكأس العالم)، بل لأنه سجل 61 هدفا في 60 مباراة على مدار 12 شهرا، وبخلاف هذا أصبح الهداف التاريخي للبطولات الأوروبية للمنتخبات في مرحلتي التصفيات والنهائيات بـ23 هدفا.
الكرة الذهبية الثالثة
لأول مرة في تاريخ النادي، اضطرت كل الآلة الإعلامية للمؤسسة للعمل لصالح نجم الفريق، ففي نوفمبر/تشرين الثاني أصدر ريال مدريد بيانا على موقعه الإلكتروني يعدد فيه الأسباب التي تجعل رونالدو يستحق جائزة الكرة الذهبية، منتقدا تصريحات ميشيل بلاتيني والتي اعتبر فيها أن لاعبا ألمانيا يستحق الفوز بعد التتويج بكأس العالم.
حينما ظهر ليونيل ميسي على السجادة الحمراء في تلك الليلة بزيورخ هتفت بعض الجماهير "رونالدو. رونالدو". هل تغير الزمن؟ أثناء الحفل أيضا أخبر كريستيانو ليو بأن نجله من ضمن المعجبين به، وحينما أصبح رونالدو على المسرح قال إنه يأمل في اللحاق بميسي والفوز بالكرة الذهبية الرابعة.
ربما كانت تعليقات بلاتيني هي السبب في صراخ رونالدو الشهير، الذي أطلقه في نهاية خطاب تسلمه الكرة الذهبية الثالثة، وربما كان الأمر كما أوضحه رونالدو لاحقا بأن هذه كانت طريقة لإهداء الجائزة لزملاء فريقه لأنهم كانوا يصيحون هكذا في التدريبات معا.
بلا وقود وبدون إرينا
بدأ الوقود في النفاد من كريستيانو والفريق بعد التتويج بكأس العالم للأندية، فقبل التوقف الشتوي كان رونالدو سجل 25 هدفا في أربع شهور من الليغا ولكن من يناير/كانون الثاني لمايو/أيار أضاف فقط 17 بينما سجل ميسي أهدافا أكثر منه في تلك الفترة.
انخفضت دقة تسديدات كريستيانو: 40% منها فقط كانت على المرمى مقابل 74% في العام السابق.. فما السبب وراء هذا؟
"بعد التواعد لمدة خمس سنوات. انتهت علاقتي بإرينا شايك".. هكذا أعلن كريستيانو في 20 يناير/كانون الثاني 2015 نهاية هذه العلاقة التي منحته قدرا كبيرا من الاستقرار، فيما تقول المصادر من داخل غرف الملابس إن رونالدو كان "في حالة يرثى لها"، منذ أخبرته العارضة الروسية بأنها لا ترغب في البقاء معه مجددا.
أثناء مواجهة قرطبة وبعد أسبوعين من الفوز بالكرة الذهبية، بدأت بعض الجماهير في السخرية من كريستيانو عن طريق تكرار صراخ "سيييييييي" الشهير ثم فقد رونالدو أعصابه وتعرض للطرد عقب ركل المدافع اديمار، وأثناء خروجه من الملعب قام بإشارة أخرى كما لو كان ينظف التراب من على شعار الفوز بمونديال الأندية المطبوع على قميصه.
على الرغم من هذا وأثناء عودة الفريق لمدريد نشر كريستيانو الرسالة التالية على حساباته المختلفة بالشبكات الاجتماعية "أعتذر للجميع وبالأخص اديمار عن تصرفاتي".
تواصلت الأزمات في النصف الثاني من الموسم بالخسارة من فالنسيا وأثلتيك بلباو وبرشلونة الذي أصبح متصدرا للمسابقة وكان هناك أيضا الهزيمة من أتلتيكو مدريد برباعية نظيفة في السابع من فبراير/شباط. تلك المباراة التي لم يتمكن كريستيانو فيها من تسديد كرة واحدة نحو المرمى.
سأل أحد الصحفيين بعد تلك المباراة عما حدث أمام قرطبة. ربما كان هذا استفزازا وربما لم يكن كذلك ولكن رونالدو كان يغلي من الداخل لذا أجاب المراسل"بحق الجحيم..هل ترغب في الحديث عن اليوم أم قرطبة؟ الصحفي الذكي سيسألني عن مباراة اليوم. عن مستوانا المنخفض، لذا أنت لست ذكيا. آسف لإخبارك بهذا".
حفل العار
بعد هذه الهزيمة أقام رونالدو حفلا صاخبا لعيد ميلاده وسربت الصور عبر المطرب الكولومبي كيفين رولدان الذي حضره حيث أصاب الأمر الجماهير بغضب شديد لأنه جاء بعد خسارة الدربي الثقيلة وأطلق مستخدمو الشبكات الاجتماعية على الأمر "حفل العار".
بعدها بعشرة أيام واجه ريال مدريد شالكة في ذهاب ثمن نهائي دوري الأبطال وفاز بهدفي رونالدو ومارسيلو ليصرح البرتغالي بعد المباراة "لن أتحدث مع الصحافة مجددا حتى نهاية الموسم". كان كريستيانو يبدو مستاء من اصطياده من قبل الصحافة بسبب عيد ميلاده أكثر من عدم إلغائه للحفل.
في العاشر من مارس/آذار جاء موعد مباراة العودة التي خسرها ريال مدريد بنتيجة 4-3 على ملعب البرنابيو في المباراة التي سجل فيها رونالدو هدفين وظلت الجماهير تطلق فيها صافرات استهجان على الفريق.
وقف كريستيانو بعد المباراة والتقطته الكاميرات يقول "يا للخزي. يا للعار". حينما حاول كاسياس إجباره على الوقوف في دائرة المنتصف وتحمل غضب الجماهير من الهزيمة مع بقية اللاعبين، لم يصمد رونالدو طويلا وقرر المغادرة.
بعدها بعدة أيام أمام ليفانتي عادت الجماهير لتطلق صافرات استهجان ضد الفريق مجددا، ولكن كريستيانو تواجه مع المدرجات وهو يصرخ بألفاظ اعتراضية نابية أثناء هز رأسه.
خلال موسم 2014-2015 سجل كريستيانو سبع ثلاثيات "هاتريك" واجمالي 61 هدفا في 54 مباراة وتوج بلقب هداف الليغا للعام الثاني على التوالي وحصل على الحذاء الذهبي للمرة الرابعة، بخلاف تقاسم لقب هداف دوري الأبطال مع ميسي ونيمار بعشرة أهداف لكل منهم ولكنه خرج من الموسم خالي الوفاض دون أي ألقاب الأمر الذي جعل الجميع يظن أنه يفكر في نفسه فقط. هو وأرقامه داخل عالمه الخاص.
تحليل اجتماعي ونفسي
في مباريات الذهاب دائما يسمع كريستيانو سبابا. وهو ما يعود إلى أن العلاقة بين البرتغاليين والإسبان ليست جيدة للغاية وهي في نفس الوقت ليست سلبية للغاية.
يشعر البرتغاليون دائما بأنهم أقل درجة في المواطنة حينما يزورون إسبانيا، وبالتالي يصعب هناك تقبل وجود فكرة برتغالي متكبر عن أي مكان أخر. الظن السائد أن رونالدو في شهوره بل وربما سنواته الأولى لم يشعر بأنه عومل كأحسن لاعب في الفريق. وضع في نفس مرتبة بنزيمة وكاكا بل وأخبروه بأنه يجب أن يكافح للحصول على التقدير.
من ضمن النقاط الأخرى أن كريستيانو بنى نفسه جسديا وكرويا بصورة مثالية ولكن جورجى مينديش نسي أمرا جوهريا وهو كيفية توجيهه لإدارة صورته العامة بشكل صحيح. كانت عملية تحليل تصرفات رونالدو المنطلقة من الوعي واللاوعي على الملعب مع خبير لغة الجسد الطبيب بيتر كوليت من أكثر عناصر البحث الشيقة في هذا الكتاب.
لا يعرف كوليت، الطبيب النفسي والأستاذ السابق بجامعة أوكسفورد كثيرا عن كرة القدم ولكنه وعد بتقديم تحليل أكاديمي صرف لتصرفات كريستيانو بالملعب بعد البحث عن مجموعة من مقاطع الفيديو وصور الاحتفالات الخاصة بكريستيانو ومشاهدتها بنفسه.
كل ما كان يعرفه كوليت قبل بدء الدراسة هو أنه لاعب تنافسي للغاية. كان أول تعليق قاله كوليت عن رونالدو "لديه أكبر توازن جسدي رائع رأيته في حياتي. إنه مثل الراقصة. يمكنه الالتفاف واقفا على عملة معدنية".
يظن البعض أن رونالدو يجد صعوبة في قبول موهبة الآخرين ولكنه قادر على التعرف على المهارات الفنية التي يمكنه تعلمها، ففي أحد مقاطع الفيديو اكتشف كوليت رونالدو ينظر لأندرسون بإعجاب أثناء قيام البرازيلي بخدعة مهارية بالكرة.
يقول الطبيب "إنها نافذة جديدة. إنه ليس تنافسيا فقط بل إنه إذا ما شاهد شخصا ما يقوم بشيء أفضل منه، فإنه يتعرف على الأمر ويسعى لتحسين نفسه".
اندهش كوليت من بعض اللمحات المسرحية الخاصة برونالدو حيث ينبع الكثير منها من اللاوعي. الأمر هنا يتعلق بحدث يجري أمام كمية كبيرة من الجمهور. كريستيانو في حوار دائم مع المشجعين، سواء أولئك المتواجدون في الملعب أم أمام التلفاز. حركاته المبالغ فيها موجهة للعالم أكثر من كونها موجهة لنفسه أو لزملاء الفريق.
خلال سنواته الأولى ضمن الصفوة كان يحتفل بأهدافه بمد ذراعيه كما لو كان سيطير أو سيهبط أو يصرخ بغضب اعترافا بالعمل الصعب الذي يقف وراء الهدف أو ينظر للمقصورة بوجه يخلو من الخوف.. تصرفات مسرحية صرفة.
حينما يسجل ويحتفل بطريقة "كالما" الشهيرة فإنه يقلد العديد من الخبراء السياسيين. إنها حركة ديماغوجية. إنه يسعى للتحكم في الجموع: مطالبة الجموع بوقف التصفيق مجرد تعبير عن التواضع الزائف. هذا ليس طلبا، بل أمرا.
جمع كوليت عشرات من مقاطع الفيديو التي تخص كريستيانو. في سنواته الأولى مع الريال اعتاد الابتعاد عن الجماهير وزملاء الفريق الذين كانوا يرغبون في الاحتفال معه. في الحقيقة لم يكن يحب أبدا الاتصال الجسدي. يرى كوليت أنه يرغب أن يكون وحيدا. هو ليس في حاجة لتشارك تلك اللحظة أو الحصول على التهنئة من زملائه. يرغب في أن يصبح معبودا للجميع.
يظهر هنا سؤال آخر: لماذا لا يحتفل غالبا بأهداف زملائه؟ يجيب كوليت عن الأمر قائلا "إنها طريقة أخرى لعقاب نفسه ولإظهار غضبه من ذاته لأنه لم يفعل المثل. هذه هي طريقته لتأنيب الذات".
ويعتقد الطبيب النفسي أنه حينما يفقد رونالدو أعصابه حال عدم وصول الكرة إليه، فإن السبب وراء هذا يكون ظنه بأن هذا الأمر يعني غياب الاعتراف بكونه الأفضل، مشيرا أيضا إلى أن كل المحتويات الموجودة في متحف كريستيانو رونالدو ترغب في بث رسالة واحدة: أنه الأفضل.
شاهد كوليت أيضا مجموعة من مقاطع الفيديو لأهداف الويلزي جاريث بيل وكيف كان رونالدو يظهر فيها، حيث يقول إنه اكتشف إشارات كافية على أن كريستيانو لا يظن أن بيل بنفس مستواه، وهو الأمر الذي ربما يخلق نزاعا داخل النادي الذي سيحب أن يكون الثنائي على نفس المستوى.
ولاحظ كوليت أيضا أن رونالدو خارج الملعب كان غالبا يظهر مع ايرينا وحده أو نجله وحده. لم ير الثلاثة معا أبدا، حيث يعتقد أنه لم يرغب في مشاركة ابنه مع أي امرأة أخرى سوى جدته دولوريس، بل وذهب الطبيب أبعد من ذلك حيث أشار إلى أنه يشعر أن علاقة رونالدو مع النساء قائمة على انعدام الثقة، أي اعتقاده بأنهن يتواجدن فقط لاستغلاله.
من ضمن النقاط الأخرى التي تجب اضافتها أن والدة كريستيانو دائما ما تكون حاضرة، لذا فأي علاقة تظهر بين رونالدو وأي من صديقاته لا تكون قائمة على أساس التساوي، حيث تنظر دولوريس دائما لهن على أساس أنهن منافسات لها على قلب ابنها، فيما يكتشف الأخير أنه لا توجد واحد قادرة على تحمل هذه العلاقة.
بالعودة إلى كوليت مرة أخرى يرى الطبيب أن علاقة إرينا وكريستيانو لم تكن أبدا لتكتمل. كانت اصطناعية للغاية أكثر من كونها حقيقية. "اقطع إرينا من أي صورة لهما معا؟ هل يبدو أن هناك أي شيء ناقص في أي نصف؟".