بعد أن مثّل "اتحاد كتّاب المغرب" مؤسسة يحلم المثقفون بالتغيير من خلالها، بات على ما يبدو عائقاً بالنسبة لعدد منهم، فراحوا يوقّعون بشكل جماعي ومفاجئ على استقالاتهم ويصدرون البيانات التوضيحية.
ما الذي دفع هؤلاء المثقفين للانسحاب؟ إننا حين ننظر للأمر من زاوية إيجابية سنعتبر أن ما يحدث سيثري الحياة الثقافية المغربية بالنقاش، وربما تدفع هذه السجالات، إلى إعادة النظر في التعاطي مع الشأن الثقافي في المغرب.
أول المنسحبين كان الشاعر عبد الرحيم الخصّار، حيث نقلت الصحف الوطنية استقالته التي نشرها على صفحته في الفيسبوك، والتي قال فيها: "أستقيل من اتحاد كتاب المغرب، ومن مهمتي ككاتب عام لفرع الاتحاد بمدينة آسفي. أحب أن أضع هذه الاستقالة على هذا الفضاء الأزرق قبل أن أرسلها للمكتب المركزي في الرباط".
سبق الهدوءُ الذي أعلن به الخصّار استقالته عاصفةً من الانسحابات، حيث وُقّعت لائحة من طرف خمسة عشر عضواً في عملية انسحاب جماعي، من ضمن أسمائها نائب رئيس الاتحاد السابق عبد الدين حمروش، وعبد الفتاح حجمري، الكاتب العام الأسبق للاتحاد، والشاعر صلاح بوسريف، وآخرون. وجاء في البيان الذي أصدروه: "إننا نرى ما بات عليه "اتحاد كتاب المغرب" من ارتهان بين يدي قلة لا تمثل، في السياق الراهن، رأي أغلبية الكتاب المغاربة".
بعد هذا البيان بوقت قصير، تداولت وسائل الإعلام ردّاً لرئيس الاتحاد، عبد الرحيم العلام، أكد فيه استغرابه من تجديد البعض لانسحابه من الاتحاد، وتساءل أيضاً عن سرّ اختيار هذا التوقيت دون غيره، كما اعتبر أن "النضال يكون من داخل الاتحاد وفي مؤتمراته"، مضيفاً بأنه يحترم في النهاية رغبة المنسحبين.
وعن ملابسات هذا الانسحاب، يقول الشاعر صلاح بوسريف لـ"العربي الجديد": "يعيش اتحاد كتاب المغرب تحريفاً لمساره، وخروجاً عن خطّه التحرُّري والحداثي، وعن التوجُّهات الثقافية التي كانت دائماً نوعاً تعبيراً عن صوت المثقفين، بمختلف انتماءاتهم واختلافاتهم، الفكرية والعقائدية. من يشرفون اليوم على هذه المؤسسة، لم يحفظوا هذه الوديعة، بل إنهم نقلوا الاتحاد من فكرة ومن معنى جماعيّين، إلى غنيمة شخصية، وإلى سلطة فردية، لا مكان فيها للحوار والمعرفة والاختلاف".
وبحسب بوسريف، فإن "قرار الانسحاب جاء أيضاً احتجاجاً على ما يجري في الاتحاد من سفريات الرئيس وأعضاء الهيئة التنفيذية، وعقد صفقات مع مؤسسات وجِهات، لا أحد يعرف ما الذي يستفيده الاتحاد منها".
وفي موجة انسحابات أخرى، التحقت باللائحة السابقة مجموعة جديدة من الكتاب مكوّنة من ثلاثين كاتباً خرجت ببيان جديد جاء فيه: "لا نروم بهذه الخطوة إهانة شخص أو أشخاص في المكتب التنفيذي، ولا جرّ المنظمة إلى نوع من السجال الهابط". وفي موضع آخر يورد البيان: "لا يعني الانسحاب استقالة من المنظمة ولا انشقاقاً، بل رفضاً لتزكية النهج المنحرف والتدبير المختل".
وبخصوص التحاق هذه المجموعة بالمنسحبين من الاتحاد، يقول الشاعر كمال أخلاقي لـ "العربي الجديد": "إن خطوة الانسحاب تعكس الرغبة في أخذ المسافة اللازمة للتفكير والتأمل لتجاوز الإخلالات التي لحقت باتحادنا العتيد كمنظمة لها رصيدها التاريخي القوي".
ويضيف أخلاقي: "ما يحدث داخل الاتحاد وما يصدر من بيانات يعكس صحوة لضمير المثقف المغربي قد يؤدي إلى حراك ثقافي نحن في أمسّ الحاجة إليه لخلق الممارسة أولاً، وإعادة الروح لهذا الجسم الذي بدا شاحباً خلال السنوات الأخيرة". أخلاقي أكّد كذلك "أن ثمة لائحة أخرى ستعلن عن نفسها قريباً".
تلقي هذه التجاذبات بظلالها على مجمل المشهد الثقافي المغربي، فسواء كان المثقفون داخل الاتحاد أو خارجه، فهم منخرطون في فضاء واحد. لا شك بأن الانسحابات ستغيّر من شكل الاتحاد، ولكن في أي اتجاه؟ هل سيسعى المنسحبون لخلق إطار آخر موازٍ لاتحادهم السابق أم يعودون إليه من أجل الإصلاح من الداخل؟