كرة القدم على الثلج: أسلوب حياة في أرض مُتجمدة

"أكيجوك" أو كرة القدم
يُعرّف سكان القطب الشمالي الكندي كرة القدم بكلمة "أكيجوك" أو "Aqijuq". كرة القدم هناك ليست حديثة العهد بل يُمارسها المجتمع منذ القدم. ويوجد الكثير من الإثباتات التي توثق ذلك. بالنسبة للسكان هناك، كرة القدم مختلفة تماماً عما يراه العالم في الملاعب الحديثة، فهناك الكثير من التفاصيل المثيرة.



هناك يلعبون كرة القدم على أرض جليدية واسعة يكسوها اللون الأبيض، ملعب مفتوح في كل الاتجاهات بدون مرمى لتسجيل الأهداف فيه. بالنسبة لهم، يُسجل الهدف عندما يذهب حامل الكرة إلى أبعد نقطة ممكنة، دون أن يتمكن الفريق المنافس من سرقتها منه. والمثير أنه من الممكن قطع مسافة 48 كيلومترا بالكرة، وهذا جنون.

تُلعب كرة القدم في منطقة إيكالويت من إقليم نونافوت الكندي في درجات صقيع تصل إلى 39 درجة مئوية تحت الصفر، وأحياناً مع اشتداد الرياح إلى 50 درجة مئوية تحت الصفر. يعيش السكان هناك حياة طبيعية، هناك متاجر غذائية، مقاهٍ صغيرة ومحلات للتسلية والألعاب.

إنهم يعرفون جيداً صعوبة العيش هناك، بسبب درجات الحرارة المتدنية، لكنهم متعلقون جداً بهذه الأرض ولا يغادرونها مهما اشتدت ظروف العيش. لا مشكلة في ذلك طالما تُعتبر كرة القدم جزءا من ثقافتهم، جزءا من أسلوب حياتهم منذ سنوات طويلة حتى اليوم.

أسلوب حياة ومعدل انتحار مرتفع
يخرجون من منازلهم بالأحذية الرياضية، لا يتوجهون نحو ملاعب عشبية أو ترابية أو حتى خشبية، هي فقط رقعة ثلج كبيرة تتحول إلى ملعبهم الأول والأخير. هناك يمارسون رياضتهم المفضلة "كرة القدم" بكل حُب وشغف. لا يمنحون الطقس البارد أهمية، فمنهم من يرتدي السروال القصير ومنهم من يخلع معطفه، والمهم الكرة فقط.



يقول آدام ماتويسي، أحد لاعبي كرة القدم السابقين في منطقة نونافوت في مقابلة مع قناة "كوبا 90": "هنا الرياضة وكرة القدم شيئان مقدسان، عليك أن تتدرب وتُحافظ على رشاقتك وصحتك، وتُخرج كل السلبيات التي في داخلك. الأمر يجعلنا سعداء، كرة القدم ليست مجرد رياضة، هي جزء من ثقافتنا، أسلوب حياة، نمارسه عندما نشعر بالحزن لكي نفرح مجدداً".



يصل معدل الانتحار في نونافوت إلى حوالي 9,3% وهو معدل مرتفع جداً، ويعتقد ماتويستي أن ممارسة الرياضة تخفف من هذا الرقم كثيراً وخصوصاً عند الصغار. فكرة القدم لا تتوقف هناك طوال العام؛ شباب صغار يركضون خلف كرة على أرض جليدية بسعادة، فهي المُتنفس الوحيد لهم هرباً من الظروف المناخية الصعبة.

أندية مُحترفة أيضاً
شاونا إياك، ابنة منطقة إيكالوت تعرف كرة القدم جيداً، لا بل تحترفها. هي قائدة فريق سيدات إيكالويت للفوتسال تحت 18 سنة. تقود فريقها داخل ملعب خاص بالمدرسة هناك، وهو طبعاً ملعب داخلي خشبي فيه مرمى في كل جهة. ترتدي القميص الأزرق الذي يُمثل وطنها الجليدي، وتحلم بالوصول إلى المنتخب الكندي الأول.



وعندما تتحدث إياك عن تجربتها لقناة "كوبا 90"، يمكن أن يلمس الجميع حُبها الكبير لهذه اللعبة: "عندما ألعب كرة القدم، لا أفكر بأي شيء أخر، أركز على المباراة فقط. نلعب مع بعض، نعيش كعائلة واحدة في التدريبات. أنا أضع كل شيء أملكه من أجل كرة القدم، أضع كل ما أملكه على أرض الملعب، هذا جزء من شخصيتي اليوم".

اتحاد كروي وبطولة
تعتقد داون كوري، المديرة التنفيذية لاتحاد الكرة في نونافوت، أن أكبر تحدٍ يواجهه اللاعبون المحترفون هنا هو السفر وكذلك صعوبة تأمين التكاليف للمشاركة في البطولات الخارجية. فهنا تُساعد العائلات في دعم كرة القدم وبعض الجمعيات الخيرية محدودة الإمكانيات.

المفاجأة أن إيكالويت تستضيف بطولة كبيرة سنوياً والتي يُشارك فيها 16 فريقاً للفوتسال يأتون من مختلف أرجاء إقليم نونافوت. 8 أندية لفئة الشباب (مجموعتان) و8 أندية لفئة الفتيات (مجموعتان). وخلال هذه البطولة، يعيش اللاعبون أفضل لحظات حياتهم، ويعرفون قيمة أن تكون لاعب كرة قدم.

جمهور، حماس وأحلام
يدخل اللاعبون واللاعبات أرض الملعب وكأنهم يدخلون أرض ملعب "كامب نو" أو "أولد ترافورد". جمهور في كل مكان. حماس كبير وتشجيع يُحولانهم إلى أبطال حقيقيين. يحتفلون بالأهداف كما لو فازوا بمباراة في المونديال، يقاتلون على كل كرة كما يقاتلون من أجل حياتهم في الصقيع.

هو مجتمع يُحب كرة القدم كثيراً، لم تمنعه الظروف المناخية الصعبة من ممارسة اللعبة التي يُحبها. ربما يحتاج اللاعبون هناك لتسليط الضوء عليهم قليلاً، لأنهم جزء من اللعبة الشعبية الأولى في العالم. هم جزء جميل من مجتمع كروي يُحب الحياة ويركض خلف كرة مُدورة تُمثل أسلوب حياة.