27 أكتوبر 2024
كره الذات في سبيل الشهرة
"اليهودي الكاره للذات"، وصمٌ سلبيٌ متداول يُصاحب وصم "معاداة السامية" في العصر الحالي. ظهر هذا التعبير أول مرة في كتاب تيودور ليسينج سنة 1930 مع العنوان نفسه "اليهودي الكاره للذات". وقد حاول فيه وصف مواقف مثقفين يهود يشجعون على معاداة السامية، من خلال وجهات نظرهم النقدية للدين اليهودي، أو ممارسات محدّدة فيه. واستُخدم هذا الاتهام القاسي أيضاً بين جماعات يهودية متعصّبة ومتناحرة عقائدياً. وحصل ذلك قبل ظهور الصهيونية. وفي الأزمان المعاصرة، صار استخدام هذا التعبير دارجاً من الصهاينة وبعض المتدينين اليهود، في الإشارة إلى بعض التقدميين من اليهود العلمانيين الذين ينتقدون السياسات الإسرائيلية في الاحتلال وفي الاستيطان، كما يدينون الفكر الصهيوني، على اعتبار أنه فكر عنصري وإقصائي وتوسّعي، يمتد ويتفاعل على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.
كثيرةٌ هي الأسماء اليهودية التي تعاني من هذا التوصيف غربياً، إن هي تجرأت وخرجت عن صراط الصهيونية. وبما أن من الصعب نسبياً، وليس المستحيل، اتهام يهودي، علماني أو متدين، بمعاداة السامية، كما هي العادة المستحبة من ظُلماء الفكر الصهيوني، فالأسهل والأكثر تداولاً يكون اتهامه بأنه يهودي كارهٌ للذات. والمكارثية الفكرية التي يمارسها الصهاينة طاولت مثلاً آلن غريش ودومينيك فيدال في فرنسا، كما نعوم تشومسكي في أميركا، وغيرهم كثيرون، حتى في الداخل الإسرائيلي ذاته.
وعلى النقيض من هذه الظاهرة الإيجابية في وجود من يعرّون النظرية الصهيونية، وينتقدون الدولة الإسرائيلية، ويدينون عنصريتها من ضمن المجتمع اليهودي ذاته، تختلف الحالة
الإسلامية جذرياً، وتعتبر أكثر تعقيداً وتشابكاً، فعلى الرغم من صعوبة التوصيف، إلا أن بعض الشيوخ والمتعممين الناطقين باسم المتدينين، رغماً عنهم أو بإرادتهم، يُسيئون عن درايةٍ، أو جهل، إلى الدين الإسلامي. كما أن صمت الكثيرين الآخرين، خوفاً ورهبةً، يُساهم أيضاً في هذه الإساءة، ويمكن أن يُدرج هؤلاء في خانه كارهي الذات بحجم الإساءة التي يُساهمون بها في التعريف سلباً بالدين ونشر الظلامية.
إلى جانب هؤلاء، برزت، في الفترة الأخيرة، أسماء من ينتمون ثقافةً أو ديناً أو جغرافياً إلى المجال الإسلامي، وقد شعروا بنقصٍ ذاتي، أو بموقع هامشي في المشهد العام الغربي، فانبروا إلى الممارسة الأسهل، وهي شتم الإسلام، وليس نقد الظلامية أو ممارسة الفلسفة العقلية، بما أوتوا من جلمود صراخٍ، أو تشويه للمفاهيم، أو تحميلها ما لا تحمله ولا تتحمّله. وقد عرف هؤلاء "من أين تؤكل كتف" الشهرة في بعض المجتمعات الغربية التي يعيش جزءٌ منها وجلاً من الإسلام منذ أحداث "11 سبتمبر" في 2001. فصار الكاتب المغمور، إن بحث عن مكانة له تحت الضباب، يلجأ مثلاً، وبدون أي ذخيرة فكرية تساعده، إلى الاستهزاء (وليس الانتقاد) بالنساء المحجبات، وعزو كل مصائب العرب والمسلمين إلى حجابهن. وبمعزلٍ عن قضية الحجاب ومناقشتها التي يمكن أن تطرح ولها أن تطول، إلا أن الأسلوب هذا يؤتي أُكله لدى إسلاموفوبيي المشهد الثقافي الغربي، وسيصير هذا الشخص "مناضلاً" من أجل الحرية و"علمانياً" مُعتبراً. وبهذا، يُسخّر، من حيث أراد أو لم يرغب، ربط الإلحاد بالعلمانية، ويزيد من الضرر ومن الإساءة إلى عمل وجهد العلمانيين الذين يؤسّسون لقواعد نقدية، تعتمد الفكر والتحليل والتاريخانية، وتبتعد عن الاستخفاف الذي لا يُنتج إلا تطرفاً مقابلاً.
في الآونة الأخيرة، برز شابٌ سوريٌ يبحث عن موطئ شهرة في فرنسا. ويبدو أنه استفاد من
تجربة السلف في هذا الحقل، مهاجماً الإسلام، مع الإشارة التعزيزية منه إلى أنه سليل "عائلة سلفية"، لكسب المصداقية، وولوج باب الشهرة من أوسع فتحاته الضيّقة غالباً، على أبناء الهجرة واللجوء. فصار يخلط الحابل بالنابل، مستنداً إلى سهولة اتهام المسلمين بأنهم حصراً من يؤمن بنظرية المؤامرة، على الرغم من أن الدراسات في فرنسا وحدها أوضحت أن الإيمان بهذه النظرية يشمل 76% من الشباب عموماً. وقد عمّم أحكامه على مثقفي بلده الأم، معتبراً أنهم يؤمنون جلّهم بنظرية المؤامرة. وللإمعان، أشار إلى أنهم أسندوا أحداث "11 سبتمبر" إلى مؤامرة "يهودية ـ أميركية".
وعلى العكس مما كتب أغلب مثقفي فرنسا، منددين بمحكمة التفتيش التي تعرّضت لها صبية فرنسية محجبة نجحت في برنامج غنائي، بسبب تغريداتٍ صبيانية لها تعود إلى سنتين مضت، فقد أحال "شاعرنا" الأمر إلى قربها من تنظيماتٍ متطرفة، نافيا تعرّضها لهذه الهجمة، بسبب حجابها أو غنائها بالعربية، على الرغم من أن مهاجميها من اليمين المتطرّف صرّحوا بذلك جهاراً. وللإمعان في "خالِف، تُعرَفْ"، اعتبر "شاعرنا" أن الصبية من أصل سوري شوّهت في معاني الأغنية الإنكليزية الجميلة، وأضافت إليها تعابير حب "لربّها" كما أورد. وأضاف مستغرباً بأنها تغني، على الرغم من أن الإسلام الذي تعلّمه على أيدي والديه السلفيين ينهى عن الموسيقا. كما عاب عليها أنها تغني في صفحتها لفلسطين، رابطاً ذلك بالأغاني العربية التي تزرع الكراهية ضد إسرائيل، وتدعو إلى الحرب عليها (...).
جمع المجد من طرفيه: كره الذات واللطافة الثقافوية مع إسرائيل.
كثيرةٌ هي الأسماء اليهودية التي تعاني من هذا التوصيف غربياً، إن هي تجرأت وخرجت عن صراط الصهيونية. وبما أن من الصعب نسبياً، وليس المستحيل، اتهام يهودي، علماني أو متدين، بمعاداة السامية، كما هي العادة المستحبة من ظُلماء الفكر الصهيوني، فالأسهل والأكثر تداولاً يكون اتهامه بأنه يهودي كارهٌ للذات. والمكارثية الفكرية التي يمارسها الصهاينة طاولت مثلاً آلن غريش ودومينيك فيدال في فرنسا، كما نعوم تشومسكي في أميركا، وغيرهم كثيرون، حتى في الداخل الإسرائيلي ذاته.
وعلى النقيض من هذه الظاهرة الإيجابية في وجود من يعرّون النظرية الصهيونية، وينتقدون الدولة الإسرائيلية، ويدينون عنصريتها من ضمن المجتمع اليهودي ذاته، تختلف الحالة
إلى جانب هؤلاء، برزت، في الفترة الأخيرة، أسماء من ينتمون ثقافةً أو ديناً أو جغرافياً إلى المجال الإسلامي، وقد شعروا بنقصٍ ذاتي، أو بموقع هامشي في المشهد العام الغربي، فانبروا إلى الممارسة الأسهل، وهي شتم الإسلام، وليس نقد الظلامية أو ممارسة الفلسفة العقلية، بما أوتوا من جلمود صراخٍ، أو تشويه للمفاهيم، أو تحميلها ما لا تحمله ولا تتحمّله. وقد عرف هؤلاء "من أين تؤكل كتف" الشهرة في بعض المجتمعات الغربية التي يعيش جزءٌ منها وجلاً من الإسلام منذ أحداث "11 سبتمبر" في 2001. فصار الكاتب المغمور، إن بحث عن مكانة له تحت الضباب، يلجأ مثلاً، وبدون أي ذخيرة فكرية تساعده، إلى الاستهزاء (وليس الانتقاد) بالنساء المحجبات، وعزو كل مصائب العرب والمسلمين إلى حجابهن. وبمعزلٍ عن قضية الحجاب ومناقشتها التي يمكن أن تطرح ولها أن تطول، إلا أن الأسلوب هذا يؤتي أُكله لدى إسلاموفوبيي المشهد الثقافي الغربي، وسيصير هذا الشخص "مناضلاً" من أجل الحرية و"علمانياً" مُعتبراً. وبهذا، يُسخّر، من حيث أراد أو لم يرغب، ربط الإلحاد بالعلمانية، ويزيد من الضرر ومن الإساءة إلى عمل وجهد العلمانيين الذين يؤسّسون لقواعد نقدية، تعتمد الفكر والتحليل والتاريخانية، وتبتعد عن الاستخفاف الذي لا يُنتج إلا تطرفاً مقابلاً.
في الآونة الأخيرة، برز شابٌ سوريٌ يبحث عن موطئ شهرة في فرنسا. ويبدو أنه استفاد من
وعلى العكس مما كتب أغلب مثقفي فرنسا، منددين بمحكمة التفتيش التي تعرّضت لها صبية فرنسية محجبة نجحت في برنامج غنائي، بسبب تغريداتٍ صبيانية لها تعود إلى سنتين مضت، فقد أحال "شاعرنا" الأمر إلى قربها من تنظيماتٍ متطرفة، نافيا تعرّضها لهذه الهجمة، بسبب حجابها أو غنائها بالعربية، على الرغم من أن مهاجميها من اليمين المتطرّف صرّحوا بذلك جهاراً. وللإمعان في "خالِف، تُعرَفْ"، اعتبر "شاعرنا" أن الصبية من أصل سوري شوّهت في معاني الأغنية الإنكليزية الجميلة، وأضافت إليها تعابير حب "لربّها" كما أورد. وأضاف مستغرباً بأنها تغني، على الرغم من أن الإسلام الذي تعلّمه على أيدي والديه السلفيين ينهى عن الموسيقا. كما عاب عليها أنها تغني في صفحتها لفلسطين، رابطاً ذلك بالأغاني العربية التي تزرع الكراهية ضد إسرائيل، وتدعو إلى الحرب عليها (...).
جمع المجد من طرفيه: كره الذات واللطافة الثقافوية مع إسرائيل.