كلاسيكو عين العرب

03 ديسمبر 2014
جمّع هذا الكلاسيكو "محترفين" من كل أصقاع العالم (أ.ف.ب)
+ الخط -

منذ قرابة شهرٍ كانت عيون الملايين حول العالم مشدودةً لمتابعة مجريات "الكلاسيكو"، واللفظة تدلُّ على المباراة الأشهر بين غريمين تقليديين، في عالم الساحرة المستديرة (كرة القدم)، تلك السهرة الكرويّة تتميّزُ بأجواء حماسيّة وتشهدُ بذل اللاعبين لأقصى جهودهم وإمكانياتهم ويستخدم فيها اللاعبون كلّ اللمحات الفنيّة التي بحوزتهم لسحر الجماهير التي تنتظر هذا الحدث الذي يتكرر مرتين في كلّ عام، وتبدأ الحرب الاستباقيّة بين الجماهير التي تباهي كل منها بالإنجازات السابقة لكلا الفريقين والانتصارات التي أحرزها كل طرف ضد الآخر.

في مكان آخر من المعمورة، كانت كوباني (عين العرب) المدينة الحدودية السورية، تشهدُ منذ شهر ونيّف ما يمكننا تسميته بـ(كلاسيكو حربي) بين القوى المتصارعة في المنطقة، هجوم تنظيم (داعش) وتقدمه باتجاه المدينة ذات الغالبية الكردية ودخوله لعدد من أحيائها، ثم تقهقره لاحقاً بعد ضربات التحالف الدولي، فتّح أبواب الصراع الخفيّة وأجاز لكل محترفي الحروب دخول أَتُون جديد من أُتُن الصراع السوري المأزوم أصلاً، وكادت المدينة تسقط في أيدي الجهاديين لولا المقاومة الشرسة التي أبداها مقاتلو الوحدات الشعبية الكردية (YPG) وبعض التشكيلات العسكرية السورية من بقايا الجيش الحر في الرقة وعدد من الكتائب المجاورة من مدينة جرابلس التي استولى عليها داعش في وقت سابق.

قد لا نستطيع أن نطلق على هذه المعركة الحامية الوطيس لقب الكلاسيكو الدامي، لأنّ المتقاتلين في هذه البقعة ليسوا من أبناء المدينة الواحدة كما حدث في مرات متعددة داخل بلدات سورية كثيرة، وخصوصاً في بدايات العمل العسكري ضد النظام السوري، حيث كان المتقاتلون سورييّن وينتمون للمدينة ذاتها التي تدور فيها المعركة. إلاّ أنّ معركة كوباني جمّعت "محترفين" من كل أصقاع العالم، فداعش تبث فيديوهات لمقاتليها الأجانب وهم داخل أحياء كوباني وأحدهم شيشاني يتكلّم بعربية ركيكة قائلاً إنّه جاء لتحرير المدينة من رجس "الملاحدة"، على حد زعمه، وفي المقلب الآخر تضم القوات  الكردية في صفوفها مقاتلين أجانب أيضاً هم مقاتلو قوات الدفاع الشعبي الكردستاني، وتضم قسماً من مقاتلي البيشمركة.

ومثلما يوجد لمباريات الكلاسيكو نجوم بارزين، فإنّ لهذه المعركة نجومها أيضاً، فالمقاتلة الكردية التركية (بيريفان ساسون)، التي انتحرت بآخر طلقة من سلاحها لئلا تقع فريسةً في أيدي مقاتلي داعش، صارت رمزاً للبطولة والشجاعة، وسجلّت هدفاً قاتلاً في مرمى الجهاديين، بينما في الطرف الآخر تبرز الملامح الباسمة الواثقة للجهادي الذي فجّر نفسه في المربع الأمني لحزب الاتحاد الديمقراطي داخل المدينة، ليسجل هو الآخر بدوره هدفاً مضاداً في مرمى الخصوم من القوات الكردية والحلفاء. وككلِّ مباريات الكلاسيكو، تتقاطر الجماهير على مسرح الحدث وتكتظ ُ بهم المدرجات.

بينما يتسمَّرُ ملايين المشاهدين وراء الشاشات الصغيرة والكبيرة للاستمتاع بهذا الحدث الاستثنائي. لكنّ أبرز ما يميّز الكلاسيكو الدموي في كوباني هو مغادرة السكان (الجماهير) لقراهم ومدينتهم بعد اشتداد المعارك واكتفاء القليل منهم بالمشاهدة الحيّة من فوق التلال التركية المُشرفة على مدينتهم ورؤيتهم بأمّ العين لطائرات التحالف وهي تقصف مواقع داعش في المدينة وسحب اللهب التي تنجم عن غاراتها، بينما يصطفّ جيشٌ من الإعلاميين بكاميراتهم لقنص المشاهد الأكثر سخونة والأكثر حماسة وتأثيراً في قلب المتلقّي.

في هذا الكلاسيكو السوريّ المصغَّر، لا وجود لحكّام أو قوانين تنظم سير اللعب فيه، بل تتحكم مصالح ورغبات اللاعبين الإقليمين والدوليين في مجرياته، ولا وقت محدد يعلن نهايته ويسدلُ الستار على الفصل الأخير فيه، بل تبقى الصافرةُ الأخيرة معلّقةً بانتظار استنزاف طاقات اللاعبين فيه وزجِّ كل الاحتياط الذي يخبؤهُ الطرفان المتصارعان.

*سورية

المساهمون