06 نوفمبر 2024
كلام عراقي خارج النص
ما أكتبه اليوم عملية "نقل مباشر" لكلام سمعته بالهاتف من ناشط سياسي مستقل من ناشطي "الانتفاضة" العراقية التي ما تزال، وهي في شهرها الثاني، ثابتة في مكانها في ساحة التحرير، وقد يبدو كلامه خروجاً على النص، لكن فضيلته أنه يثير أسئلة من النوع الجارح، وبعضها غارق في المرارة.
يقول الناشط المستقل: إننا نعيش أوقاتا صعبة مليئة بالمتاعب، قد لا يستطيع المراقب من الخارج أن يراها على حقيقتها، والذين يريدون من انتفاضتنا أن تحقق كل ما يطمحون له من تغيير، دفعة واحدة، يخطئون الحساب. إننا نسبح ضد التيار، نبحث عن كوة أمل، نسعى إلى أن نشعل شمعة في آخر النفق. ندرك جيدا أن غالبية العراقيين يريدون التغيير، إلا أن معظمنا، للأسف، فقد بوصلته التي قد تهديه إلى تحديد التغيير المطلوب، أو لنقل، بعبارة أوضح، التغيير الممكن في ظل سبطرة القوى المواجهة لنا، والتي تملك القوة، والمال، والسلطة الفعلية، والنفوذ. إننا نواجه أخطبوطا من تجار المصالح، نما وتطور على مدى اثني عشر عاماً، وهذا الأخطبوط الجبار ينظر إلينا بشزر وحقد، ويسعى إلى قتل انتفاضتنا وهي في المهد، وأفراد الطبقة الحاكمة الذين يشكلون هذا الأخطبوط شرعوا يدبرون لنا المكائد، إنهم يدافعون عن مصالحهم، لا يريدون لسلطتهم أن تنتهي، لا يريدون لنفوذهم أن يتراجع، لا يريدون لأموال الشعب التي سرقوها أن تعاد لأهلها، ويريدون أن يظلوا في مأمن من الحساب والعقاب.
يضيف الناشط المستقل: ابتكروا طريقة جديدة لمواجهتنا، عندما زجوا بأفراد من الميليشيات في تظاهراتنا، مدّعين مناصرتهم لنا، ودعمهم مطالبنا، قام بعضهم بتهديدنا، وضربنا بالعصي والهراوات تحت أنظار رجال الأمن الذين لم يحرّكوا ساكناً. وفي البصرة والنجف ومدن أخرى، تعرض بعض ناشطينا للاغتيال، واكتفت الجهات الرسمية بالقول إنها سوف تحقق في الأمر.
وتابع: حالنا في الانتفاضة أصعب مما تتصور، إننا نعاني من غياب خطة واضحة وفاعلة. إننا نرفع شعارات مختلفة، ونتحدث عن مطالب متناقضة، ثمة اختلافات داخلنا بدأت تظهر على السطح، والانقسام بدا واضحاً، والدعم الشعبي الذي أعطي لنا، في البداية، من قطاعات واسعة بدأ ينحسر بسبب حملات التخويف والإرهاب، وأساليب الإغراء والإغواء التي مارستها المليشيات السوداء ضدنا، لكننا لا نزال نثق بقدرتنا على اختراق جدار الخوف والخنوع، ومواصلة انتفاضتنا وتصعيدها.
إليك بعض ما يدور بيننا، يعتقد بعضنا أن سياسة "الخطوة خطوة" هي الكفيلة بتحقيق الإصلاح المطلوب، ويطرح هؤلاء مسألة "الاحتكام إلى الدستور والقانون"، وعدم تجاوز أية جهة صلاحياتها، و"أن تكون المطالب واقعية"، أي لا تستهدف حيتان الفساد والطائفية الذين يصعب الوصول إليهم، ويريد بعضنا أن يذهب بالحراك الى آخر مدى له، ناسياً أن تكلفة ذلك قد لا تكون هيّنة. الذين يطالبون بذلك ينقصهم وضوح الرؤية، إذ كيف يتم "التغيير الشامل" من دون إسقاط العملية السياسية الماثلة، وإرساء عملية سياسية وطنية وجذرية محلها، وكيف يمكن مواجهة مواقف القوى المؤسسة لهذه العملية والراعية لها، وبينها إيران التي تضع ثقلها كله في مواجهتنا، ثم ما هو شكل الانتقال للتغيير، هل هو في عقد "مؤتمر تأسيسي" يؤسس لمصالحة، ومراجعة، أم هو في إعلان حالة طوارئ، و"تشكيل حكومة إنقاذ"، ومن أين تأتي هذه الحكومة وكيف؟
وهناك من ينقل لنا دعم ممثل المرجعية الشيعية في النجف ما يسميها "دولة مدنية ديمقراطية"، وهو دعم يذكّرنا بنكتة راجت إبّان قيام الجبهة بين البعثيين والشيوعيين، في منتصف السبعينيات، تقول إن الحزب الشيوعي رفع على مقره لافتة باسم "الحزب الشيوعي العراقي"، وجاء أحد الخبثاء فأضاف إليها "لصاحبه حزب البعث العربي الاشتراكي". وأخشى أن نصحو من نومنا يوما لنجد أنفسنا مواطنين في دولة كهذه، "مدنية ديمقراطية لصاحبها المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني".
تقتلنا بعض المبالغات أيضاً. هناك من يدغدغ طموحنا، يزعم من على منبره أننا نعيش "ثورة كبرى"، لكننا نعرف أن ليس هناك ثمة "ثورة" ولا "كبرى"، إننا ننشط في صفوف "انتفاضة"، ربما أقل من انتفاضة، إنها موجات غضب، واحتجاجات، ومطالبات قد تصل، وهذا أملنا، إلى مستوى عصيان مدني سلمي وشامل، وهذا ما يخشاه خصومنا.
هذا بعض ما يدور بيننا، أنقله لك بأمانة، وهو يعكس درجة الحمّى التي تنتابنا، وجعلت العراقي المقهور والمغلوب على أمره يعيش في الجحيم الذي صورته "كوميديا دانتي"، يعيش ولا يموت، ولا يعرف كيف يخرج من محنته.