أعطت كلينتون لساندرز كل ما يريد سوى تقاسم القيادة والسلطة في الحزب. فتحت له الأبواب لتعديل برنامج الحزب وقواعد تصويت المندوبين الكبار في الانتخابات التمهيدية، لكن لا شراكة تشبه تلك التي حصلت بين آل كلينتون وآل أوباما. تركت حملة كلينتون الساحة لساندرز ومؤيديه خلال اليوم الأول والثاني من المؤتمر. على عكس تصرف المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب مع منافسه السيناتور تيد كروز حصل ساندرز على خروج مشرف من خسارته في الانتخابات التمهيدية.
في المقابل، وكما فعلت كلينتون قبله في عام 2008 لتكريس زعامة أوباما، أعلن ساندرز بنفسه تأييده لترشيح كلينتون عن الحزب الديمقراطي وخرج بهدوء من القاعة بدون أي إفراط في التعبير عن هذا الدعم. غايته كانت ضمان الحد الأدنى من وحدة الحزب والتأكد أن ترامب لن يصل إلى البيت الأبيض.
ساندرز بالنسبة إلى المؤسسة الحزبية حالة طارئة ومستقلة دخلت على التنظيم الديمقراطي. كان هذا الأمر واضحاً في اللغة التي اعتمدتها المؤسسة الحزبية ضده في الرسائل الإلكترونية التي سربها موقع "ويكيليكس".
ينتقد أحد المندوبين من مؤيدي كلينتون في حديث لـ"العربي الجديد" إفراط زملائه من ولاية واشنطن في دعم ساندرز، قائلاً إنهم "لا يعرفون كيف يعمل الحزب الديمقراطي".
بالفعل تمكن ساندرز من جلب أصوات جديدة إلى الحزب الديمقراطي. كريستينا، المؤيدة لساندرز، تعرّف عن نفسها أنها متظاهرة قبل أن تكون مندوبة، فهي تقضي وقتها بين الشارع وقاعات المؤتمر. تقول إنها قرأت هذا الأسبوع لأول مرة برنامج الحزب الديمقراطي وأحبت اللغة التي استخدمها. كما تؤكد أنها ليست غاضبة من تصرف المؤسسة الحزبية لكنها لا تعرف بعد إذا ما كانت ستدلي بصوتها في الانتخابات العامة، فالدافع الوحيد لوجودها في فيلادلفيا هو ساندرز.
هذه الشريحة الجديدة، والتي أدخلها ساندرز إلى الحزب، هواجسها اقتصادية بالدرجة الأولى، لكنها ترفض أيضاً كل أشكال التدخل الأميركي حول العالم، وبالتالي تتقاطع مع مواقف ترامب. هذه الشريحة بالذات، والتي عبّر عنها نحو 200 مندوب لساندرز خرجوا من القاعة بعد ترشيح هيلاري كلينتون رسمياً للتظاهر في المركز الإعلامي، ستبقى على الأرجح في المنزل يوم الانتخابات العامة في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل ولن تصوت لا لكلينتون ولا لترامب.
ما كان لافتاً أيضاً في اليوم الثاني من المؤتمر هو كيف حرصت هيلاري كلينتون على أن يكون زوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون خارج الأضواء. الخطاب الذي ألقاه كان أكثر عن حياته الشخصية معها بدون أي توجه سياسي يوحي بأنه سيكون حالة متوازية لرئاسة كلينتون المحتملة في البيت الأبيض. هذا الترويض الذاتي لبيل كلينتون جعله يخسر رونقه، فهو يدرك تماماً أنها لحظة هيلاري كلينتون في الحزب الديمقراطي.
أما الخطاب الذي كان منتظراً في اليوم الثالث من المؤتمر فهو كلمة الرئيس باراك أوباما الذي تمكن خلال ولايته من الجمع بين دعم المؤسسة الحزبية والقاعدة اليسارية، وهي مهمة لم تنجح المرشحة الديمقراطية فيها بعد. أوباما يفكر بإرثه السياسي ويريد من هيلاري كلينتون أن تكون رئيسة تستكمل مشروعه السياسي، وهو يشارك في فيلادلفيا بكل ثقله ليرد الجميل لـ"آل كلينتون" الذين دعموه خلال رئاسته وساعدوه على ضمان وحدة الحزب.
أوباما، والذي انتقد بشكل مبطن كلام ساندرز عن "الثورة السياسية" التي يقودها، يرى أن السيناتور اليساري وعد مناصريه أكثر مما يمكن تقديمه. مع العلم أن أوباما نفسه قام بالأمر نفسه قبل ثماني سنوات. لكن أوباما وحده قادر على تشجيع القاعدة اليسارية على التصويت لهيلاري كلينتون والمساعدة على مصالحتها مع بعض مناصري ساندرز. الرئيس الأميركي الحالي، والذي أعلن في عام 2008 أنه يخوض معركة ضد "سلطة الأمر الواقع" في الحزب الديمقراطي، أي آل كلينتون، يستعد الآن لتسليم زعامة الحزب لهيلاري كلينتون حيث نائبها السيناتور تيم كاين من أبرز حلفائه والكثير من مؤيديه يعملون في فريق كلينتون الآن.
على الرغم من ذلك، فإن حاجة كلينتون إلى ساندرز خلال الأشهر الثلاثة المقبلة التي تسبق موعد الانتخابات الرئاسية العامة ستبقى أكبر من حاجتها إلى أوباما. يمثل ساندرز الآن الحركة الاعتراضية والقاعدة الشعبية في الحزب، ولن يكون سهلاً على المرشحة الديمقراطية قيادة الحزب في هذه المرحلة الانتقالية بدون حد أدنى من دعم ساندرز. وسيبقى السيناتور اليساري يراقب أداءها حتى في حال فازت بالرئاسة، وسيكون على الأرجح جاهزاً للانتقاد إذا ابتعدت عن السياسات الليبرالية أو قررت أن تحكم من الوسط. ولا تبدو مشكلة كلينتون مع القاعدة اليسارية عابرة، وعلى الحزب الديمقراطي أن يتأقلم مع هذا الانفصام في السنوات المقبلة.