لاقى تقرير فريق الخبراء المكلف بالتحقيق بانتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، بعد الكشف عنه قبل أيام، ردود فعل رافضة من التحالف والحكومة اليمنية، بعد ما تضمّنه من إدانات للتحالف وأطراف في الحكومة بانتهاكات واسعة قد يرقى بعضها إلى جرائم حرب. لكن رئيس فريق الخبراء كمال الجندوبي، يرد في مقابلة مع "العربي الجديد" على هذه الاتهامات، مشدداً على أن الفريق أورد في تقريره كل الانتهاكات التي حصلت من كل الأطراف، بحسب المهمة المكلف بها، متحدثاً عن الصعوبات التي واجهها الفريق. إلى نص المقابلة:
صنّف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في مارس/آذار 2017 اليمن كأكبر أزمة إنسانية في العالم، هل وجد فريق التحقيق هذا الوصف حقيقياً على أرض الواقع بعد الاطلاع على الأوضاع في اليمن؟
يوجد جانبان في هذا الشأن، جانب مقارنة مع أزمات إنسانية أخرى حدثت أو هي موجودة لدى المكتب المختص في هذا المجال، أما إذا أخذنا المسألة لجهة التقديرات المتعلقة بنتائج النزاع المسلح في اليمن، فنلاحظ علاوة على الضحايا المدنيين، حالة الدمار في البنية التحتية، وفي المستشفيات والمراكز الطبية، والتأثير على دخول المواد الأساسية إلى البلاد.
ولا بد أن نذكّر بأن اليمن قبل النزاع المسلح، أي قبل العام 2015، كان يستورد 90 في المائة من المواد الأساسية والأدوية، لكن عمليات التضييق الكبيرة التي حصلت كان لها ارتدادات كبيرة على البلاد، مما انعكس على الحالة الغذائية، فعانى الناس من سوء التغذية ولم تعد الكثير من الأدوية متوفرة، إضافة إلى تفاقم حالة الفقر الموجودة أصلاً. كل هذا كان له انعكاسات بشرية وإنسانية كبيرة على ملايين الناس. اليمن يضم 29 مليون مواطن وحوالي ثلثي السكان يعيشون في حالة تغذية سيئة جداً، فعلى الرغم من أن الأغذية موجودة لكنها باهظة الثمن والإمكانيات غير متوفرة للحصول عليها. كما يوجد أكثر من 10 ملايين طفل في حالة خطيرة، في ظل انتشار الأمراض كالكوليرا، وكل التقديرات تدل على أن هناك أزمة إنسانية كبيرة تمس ملايين البشر، ولكن هذا لم يكن مجالنا الأول في المهمة التي كُلفنا بها، بل كان تركيزنا على الانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان.
قدّمتم أمثلة كثيرة تتعلق باستهداف المدنيين، ماذا عن انعدام مبدأ التمييز الذي ذكرتموه في الضربات الجوية؟
هناك مبادئ التناسب والتمييز والاحتياط، وهي مبادئ في القانون الدولي الإنساني. المبدأ الأساسي يقضي بأخذ كل الاحتياطات الكافية لكي تكون نتائج أي عملية عسكرية أو استهداف أقل ما يمكن تأثيراً على المدنيين. فالتناسب يعني أنه عندما تحصل ضربة عسكرية أو قصف، هل استهدف هدفاً عسكرياً أم لا؟ وإن كان الضحايا مدنيين يصبح هناك تساؤل وبحث عما إذا ما حصل تمييز بين الهدف العسكري والمدني.
أما الاحتياط، فلو فرضنا أنه في مكان ما هناك معطيات تقود إلى عمل عسكري، فيجب التأكد من التسلسل في أخذ القرار، وهذا للأسف لم نتمكّن من تبيانه، لأننا أرسلنا أسئلة محددة لفهم أسس القرارات في العمليات العسكرية ولم نتلقَ رداً. في الاحتياط لو افترضنا أن شخصاً أو هدفاً عسكرياً موجود في محيط مدني أي في حي شعبي مثلاً، فعملية الاستهداف العسكري يجب أن تحتاط، فإذا كانت نتيجة الاستهداف سقوط ضحايا وجرحى مدنيين ودمار، يصبح السؤال مطروحاً حول النيّة المقصودة، هل هي فعلاً هدف عسكري أم لا؟
وبحسب المعطيات التي توفرت لنا، نجد أن المبادئ المتعلقة بالتناسب والاحتياط والتمييز لم يتم احترامها في اليمن، ليس في كل الضربات ونحن لم نقل هذا، ولكن في العديد من عمليات القصف، ولذلك كانت نتائجها كارثية على المدنيين، فالعديد من الضحايا المدنيين في اليمن سقطوا نتيجة القصف، ولكن هذا لا يعني عدم سقوط ضحايا مدنيين جراء عمليات أخرى ومن أطراف أخرى سميناها سلطات الأمر الواقع.
وجّهتم مراسلات خطية إلى الحكومة اليمنية والدول الأعضاء في التحالف في إبريل/نيسان الماضي، وسلطات الأمر الواقع في صنعاء في يوليو/تموز الماضي، ولكن لم تحصلوا على أي رد؟
صحيح، الرد الوحيد الذي حصلنا عليه كان رد قوات التحالف، ولكنه كان عاماً، وللأسف البعض يحاول أن يخلق غموضاً، ولا بد من قراءة نص القرار بتكليف لجنة الخبراء والذي اتفقت عليه جميع الأطراف والذي منحنا الولاية في اليمن، وهذا هام لأن هناك عمليات حصلت خارج اليمن كقصف الحوثيين الذي حصل وأشرنا إليه في التقرير ولكن لم ندرس آثاره لأنه لا يندرج ضمن عملنا (خارج اليمن) ولأنه لم يتم مدّنا بمعطيات تسمح بوضع توصية لدراسة آثار تلك العمليات.
بالنسبة لنا الجهة التي نتعامل معها هي اليمن، والجهة التي تعاملنا معها كانت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وهذه الحكومة هي التي دعت العديد من الدول الأخرى لمساعدتها، ودعتها إلى ما سمته إعادة الشرعية، ولذلك كان هناك التحالف العربي. وفي التحالف هناك أولاً قيادة مشتركة وأطراف رئيسية هي السعودية والإمارات، وأرسلنا إلى هذه الأطراف كلها طلب توضيحات. وأكثر من هذا، هناك تقسيم للمهام بين الأطراف الأساسية، ومنها الطرف السعودي الذي أخذ على عاتقه جلّ العملية تقريباً على المستوى اللوجستي والعسكري، فيما توجّهت السعودية أكثر إلى شمال اليمن والإمارات إلى جنوبه. ووجّهنا للإمارات أيضاً أسئلة لأنها كانت تسيطر على مواقع تحت تصرفها ولديها تواجد عسكري وعلاقات مع السلطات المحلية في عدن ومع جهات مؤثرة بها، وبالتالي وجّهنا لكل هذه الأطراف أسئلة محددة تتعلق بتحقيقنا في اليمن وتندرج ضمن مهامنا، وكانت بحسب القنوات الدبلوماسية المتعارف عليها. كما وجّهنا أسئلة لسلطات الأمر الواقع (الحوثيين) ولكن لم نحصل على أي أجوبة من أي طرف، وما حصلنا عليه فقط من رد من قوات التحالف كان الأسبوع الماضي، على الرغم من أننا حددنا مدة لكن لم تتم الإجابة على الأسئلة الدقيقة والمحددة التي وضعناها، وكان الرد جلّه معلومات عامة ولا يجيب عن
الأسئلة والمبادئ التي ذكرناها وهي التناسب والتمييز والاحتياط.
بيان التحالف انتقد تقريركم ووصفه بعدم الموضوعية والحيادية، من ذلك مثلاً عدم الإشارة إلى دور إيران واعتداءات الحوثيين وغيرها؟
هذا ليس صحيحاً، لأننا ذكرنا في التقرير كل الانتهاكات التي حصلت من كل الأطراف، ولكن بخصوص الدور الإيراني فهذا ليس من مهمتنا كفريق خبراء يبحث في انتهاكات حقوق الإنسان. هناك فرق خبراء وهيئات أخرى للأمم المتحدة تبحث في كل أوجه الأزمة اليمنية.
لم تتمكنوا من الوصول إلى كل المناطق في اليمن، لماذا؟
نحن كفريق خبراء لدينا فريق يعمل معنا، والتنقل إلى أي منطقة كان لا بد من أن يخضع إلى العديد من الإجراءات التي يستوجبها هذا العمل، مثل إعلام السلطات بوصولنا وتنقلنا إلى هذه المنطقة أو تلك لأن ذلك يخضع لإجراءات أمنية، وقوات التحالف مثلاً كانت على علم بكل تحركاتنا حتى لا تستهدف المناطق التي نزورها، بالإضافة إلى شروط أمنية أخرى. ونظراً لمحدودية الوصول والمصادر والوقت المتاح للخبراء من أجل القيام بالمهمة واسعة النطاق، اختار الخبراء الحوادث بناء على مدى خطورة الادعاءات وأهميتها في إظهار أنماط الانتهاكات.
من جهة أخرى، كانت فترة ولايتنا محددة بسنة لتسليم التقرير، ولذلك وضعنا أولويات لبحث الأوضاع وزيارة المناطق، وأحياناً لم نتمكن من ذلك لأسباب أمنية وإدارية ولوجستية كما ذكرنا في التقرير. ونحن وضعنا في التوصيات إشارة إلى التمديد لولاية فريق الخبراء، وضمان بقاء وضع حقوق الإنسان في اليمن على جدول أعمال المجلس من خلال تجديد ولاية فريق الخبراء.
هل تتوقعون التجديد ولاية أخرى لفريقكم؟
الأوضاع معقّدة جداً في اليمن، وهناك فرق خبراء في مناطق نزاع أخرى مثلاً تعمل منذ سنوات، ولكن هذا الأمر متروك لهيئات الأمم المتحدة وفق ما تراه مناسباً بعد تداول تقرير الفريق.
ما هو مسار تقريركم بعد الانتهاء منه؟
نحن سلّمناه للمفوض السامي لحقوق الإنسان، وهو بصفته نائباً للأمين العام للأمم المتحدة سيسلمه لهذا الأخير ولمجلس الأمن الدولي وبقية هيئات الأمم المتحدة، وهناك اجتماع في 26 سبتمبر/أيلول لمناقشة التقرير بعد أن يتم نشره بكل لغات الأمم المتحدة وفق ترجمات رسمية.
تذكرون في التقرير نماذج صادمة لانتهاك حقوق الإنسان في اليمن، مثلاً ورد في الفقرتين 70 و71 أن "المعتقلين تعرضوا للتعذيب وللمعاملة القاسية في عدد من مراكز الاحتجاز ومنها مرفقا الريان والبريقة (تحت سيطرة الإمارات) ومرفق 7 أكتوبر في أبين وسجن لحج المركزي وسجن المنصورة (تحت سيطرة قوات الحزام الأمني) ومرفق احتجاز الأمن السياسي في مأرب (تحت سيطرة الحكومة). كذلك أجرى فريق الخبراء تحقيقاً في العنف الجنسي بما في ذلك اغتصاب معتقلين ذكور بالغين على يد إماراتيين. هل وصل الاستهتار بكرامة وحقوق الإنسان إلى هذا الحد في اليمن؟
نحن لم نذكر هذه الوقائع جزافاً، نحن التقينا بالضحايا وبالمسؤولين وحتى بالقضاة، ووثّقنا كل هذه الانتهاكات وهي موجودة لدينا وتثبّتنا منها، ويمكن للهيئات القضائية المختصة أن تبحث في هذه الانتهاكات والمسؤولين عنها.
هناك قائمة سرية بالمتورطين تم تسليمها للمفوض السامي؟
نعم، كلما كنا نشتبه بضلوع أي شخص وارتباطه بالانتهاكات الجسيمة وضعناه في قائمة سرية تم تسليمها للمفوض العام.