07 اغسطس 2024
كم ستطول الأزمة الخليجية؟
تدخل الأزمة الخليجية شهرها الرابع، وقد باتت مفتوحة بلا سقف زمني واضح لنهايتها، بل باتت مرشحةً للاستمرار سنوات، وذلك لأسباب متعدّدة، تعود لمرور الخليج والعالم العربي بفترة إعادة هيكلة لنظمه الإقليمية الحاكمة، نابعة من تضافر عناصر كثيرة، مثل صعود فاعلين جدد بموارد كبيرة، وتغير أهداف هؤلاء الفاعلين وسياساتهم وموازين القوى بينهم، وحالة السيولة التي تعيشها المنطقة بصفة عامة، وتراجع الدور الدولي في العالم العربي.
شهدت السنوات الأخيرة صعود قيادات شابة في دول الخليج الثلاث الرئيسية في الأزمة، وهي السعودية والإمارات من ناحية وقطر من ناحية أخرى، فالسعودية شهدت صعود نجم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وفي الإمارات هيمن الشيخ محمد بن زايد على السياسة الخارجية للبلاد، وتعيش قطر فترة من التغيير السريع والسياسة الخارجية النشطة منذ صعود الأمير حمد بن خليفة للحكم في عام 1995 وتبعه في ذلك نجله الأمير الحاكم الشاب تميم بن حمد.
ومنذ صعود الأمير محمد بن سلمان وسياسات العربية السعودية باتت أكثر توسعية وتدخلاً في القضايا الخارجية، كما ظهر في حرب اليمن وسورية، وكذلك الموقف المستمر تجاه مصر، أما الإمارات فتشهد طفرة في السياسات الخارجية التوسعية في السنوات الأخيرة، كما يظهر في مصر وليبيا واليمن وفي الأزمة الخليجية أخيراً، بل توسّعت الإمارات، أخيراً، في بناء قواعد عسكرية في أكثر من دولة على القرن الأفريقي، كالصومال وجيبوتي ثم إريتريا.
أما قطر فتنتهج سياسة خارجية نشطة وتوسعية منذ 1995، ويبدو أن النظام الحاكم في قطر يجد في هذه السياسة حماية لنفسه من التبعية لدول خليجية أخرى، لم ترض على النظام الجديد منذ بدايته، وتريد تاريخياً احتواء دور قطر وتحويلها دولة تابعة.
والواضح أيضاً أن الدول الثلاث تمتلك من الموارد ما يكفيها لدعم سياساتها التوسعية سنوات مقبلة، والحديث هنا عن الموارد الاقتصادية والعسكرية، فالدول الثلاث نفطية تمتلك فوائض مالية كبيرة، وتشتري أسلحة بكميات ضخمة جعلتها من أكثر دول العالم استيراداً للأسلحة. ويفيد تقرير للحكومة البريطانية، صدر في يوليو/ تموز الماضي، عن أهم مستوردي الأسلحة في العالم خلال العام الماضي 2016-2017، بأن السعودية هي الأولى عالمياً، وقطر الثالثة، والإمارات السابعة. ومنذ اندلاع الأزمة الخليجية، أعلنت قطر عن توقيع اتفاقات لاستيراد طائرات أميركية بقيمة 12 مليار دولار وسفن حربية إيطالية بقيمة 6 مليارات دولار.
وفي ظل توافر الموارد الاقتصادية والعسكرية، وسياسات الدول الثلاث النشطة والتوسعية، يمكن أن تستمر الأزمة الخليجية سنوات، خصوصاً في غياب اتفاقٍ على أسلوبٍ عادل لإدارة العلاقات البينية بين الدول الثلاث ودول المنطقة، فالدول التي تحاصر قطر وتقاطعها تريد إخضاعها بشكل كامل، وتريد القضاء على السياسة القطرية الرافضة الوضع القائم، أما قطر فتدعم الأفكار والسياسات والجماعات المطالبة بنظام عربي بديل، تلعب فيه الشعوب والقوى المعارضة دوراً أكبر في حياة بلادها.
وحالياً، تبدو كل جهة مصرّة على المضي في سياساتها، حيث تتبنّى السعودية والإمارات شخصيات قطرية تقدمها بديلاً للنظام الحاكم في قطر. وتعوّل على إطالة الأزمة، وما قد يترتب عليها من تأثير سلبي على الاقتصاد القطري. وفي المقابل، تعوّل قطر على تحالفاتها الإقليمية بدول، مثل تركيا، وعلى دبلوماسيتها الخارجية النشطة، والتي استطاعت الحصول على دعم دولي كافٍ لمنع تصعيد الأزمة، كما تبدو قطر عازمةً على تنويع مصادر وارداتها وإيجاد طرق بديلة لإيصال تلك الواردات، وخصوصاً عن طريق البحر وميناء حمد الجديد.
ويساعد على طول الأزمة الأوضاع الحالية في المنطقة التي تعيش فترة سيولة هائلة، ستمتد سنوات، فهناك دول أساسية تعاني من حروب مدمرة، مثل سورية والعراق واليمن وليبيا. ودول أخرى تراجع دورها مثل مصر، ودول تعيش فترات تحول ديمقراطي وتغيير سياسي مثل تونس والمغرب، ودول تعيش أزمات سياسية مستمرة مثل السودان والجزائر، ودول إقليمية صاعدة بقوة وبنفوذ كبير مثل تركيا وإيران بالإضافة إلى إسرائيل.
تطيل هذه العوامل الأزمة، لأنها توفر وقوداً لها في صورة فرص وتحديات، فالدول الخليجية تنافس بعضها في ملفات كثيرة سابقة، ولو تراجعت في أيٍّ منها فقد يخل ذلك بالمعادلة الإقليمية ضدها، كما أنها لو انتصرت فستختل الموازين لصالحها. وبسبب تعدد تلك الملفات، وغياب منظومة عربية مستقرة، وتراجع دور فاعلين رئيسيين كثيرين، ودور القوى الدولية، يمكن أن تطول الأزمة كثيراً من دون هزيمة طرف ما أو انتصاره بشكل ساحق.
كما أثبتت خبرة السنوات الأخيرة أن الدور الدولي في المنطقة في تراجع، نظراً لانحسار الدور الأميركي دولياً من ناحية، وتراجع أهمية المنطقة وكثرة مشكلاتها من ناحية أخرى، وتبدو القوى الدولية حريصةً، في الفترة الراهنة، على عدم التدخل بشكل كبير في قضايا المنطقة التي لا تمسّ مصالحها الأساسية، والاكتفاء بلعب دور في قضايا محدودة وحيوية بالنسبة لها، فروسيا مثلاً تتدخل في الإقليم من خلال دور فعال في سورية بالأساس، وتبدو الولايات المتحدة مكتفية بحماية أمن حلفائها العرب وإسرائيل، وتوريد الأسلحة إليهم. أما أوروبا فتبدو حريصة على القضاء على الإرهاب، ووقف موجات الهجرة والحفاظ على علاقات اقتصادية جيدة بمختلف القوى الفاعلة في المنطقة، من دون تحمل أعباء أي دور سياسي أكثر عموميةً وجدية في علاج أزمات الإقليم.
وربما ساهم تراجع الدور الدولي في صعود دور الدول الإقليمية المختلفة، وفي مقدمتها الدول الخليجية الثلاث، في ظل قياداتها الجديدة الشابة ومواردها الاقتصادية والعسكرية الكبيرة وتوجهاتها الخارجية التوسعية، وحالة الفراغ الموجودة في الإقليم. لذا قد لا تعرف الأزمة الخليجية الحل قريباً، وربما تتحول إلى إحدى سمات المنطقة وواحدٍ من معالم نظامها الإقليمي، تنقسم فيه المنطقة إلى محاور أربعة رئيسية، المصري السعودي الإماراتي الداعي إلى الحفاظ على الوضع القائم والرافض للتغيير، في مقابل المحور القطري التركي الداعم للتغيير والرافض للوضع السياسي القائم في المنطقة، ومحور ثالث يضم إيران وحلفاءها في المنطقة، بما في ذلك العراق وسورية وحزب الله في لبنان والحوثيون في اليمن، ومحور دول مثل تونس والمغرب والتي تمر بمرحلة تحول ديمقراطي وتجد صعوبة في الانحياز لطرف بشكل كامل على حساب طرفٍ آخر. وبهذا تستمر الأزمة، حتى يحدث تغيير جاد في النظم الحاكمة أو مواردها أو الوضع الإقليمي أو الدولي، وكلها تطورات تحتاج سنوات لكي تتبلور.
شهدت السنوات الأخيرة صعود قيادات شابة في دول الخليج الثلاث الرئيسية في الأزمة، وهي السعودية والإمارات من ناحية وقطر من ناحية أخرى، فالسعودية شهدت صعود نجم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وفي الإمارات هيمن الشيخ محمد بن زايد على السياسة الخارجية للبلاد، وتعيش قطر فترة من التغيير السريع والسياسة الخارجية النشطة منذ صعود الأمير حمد بن خليفة للحكم في عام 1995 وتبعه في ذلك نجله الأمير الحاكم الشاب تميم بن حمد.
ومنذ صعود الأمير محمد بن سلمان وسياسات العربية السعودية باتت أكثر توسعية وتدخلاً في القضايا الخارجية، كما ظهر في حرب اليمن وسورية، وكذلك الموقف المستمر تجاه مصر، أما الإمارات فتشهد طفرة في السياسات الخارجية التوسعية في السنوات الأخيرة، كما يظهر في مصر وليبيا واليمن وفي الأزمة الخليجية أخيراً، بل توسّعت الإمارات، أخيراً، في بناء قواعد عسكرية في أكثر من دولة على القرن الأفريقي، كالصومال وجيبوتي ثم إريتريا.
أما قطر فتنتهج سياسة خارجية نشطة وتوسعية منذ 1995، ويبدو أن النظام الحاكم في قطر يجد في هذه السياسة حماية لنفسه من التبعية لدول خليجية أخرى، لم ترض على النظام الجديد منذ بدايته، وتريد تاريخياً احتواء دور قطر وتحويلها دولة تابعة.
والواضح أيضاً أن الدول الثلاث تمتلك من الموارد ما يكفيها لدعم سياساتها التوسعية سنوات مقبلة، والحديث هنا عن الموارد الاقتصادية والعسكرية، فالدول الثلاث نفطية تمتلك فوائض مالية كبيرة، وتشتري أسلحة بكميات ضخمة جعلتها من أكثر دول العالم استيراداً للأسلحة. ويفيد تقرير للحكومة البريطانية، صدر في يوليو/ تموز الماضي، عن أهم مستوردي الأسلحة في العالم خلال العام الماضي 2016-2017، بأن السعودية هي الأولى عالمياً، وقطر الثالثة، والإمارات السابعة. ومنذ اندلاع الأزمة الخليجية، أعلنت قطر عن توقيع اتفاقات لاستيراد طائرات أميركية بقيمة 12 مليار دولار وسفن حربية إيطالية بقيمة 6 مليارات دولار.
وفي ظل توافر الموارد الاقتصادية والعسكرية، وسياسات الدول الثلاث النشطة والتوسعية، يمكن أن تستمر الأزمة الخليجية سنوات، خصوصاً في غياب اتفاقٍ على أسلوبٍ عادل لإدارة العلاقات البينية بين الدول الثلاث ودول المنطقة، فالدول التي تحاصر قطر وتقاطعها تريد إخضاعها بشكل كامل، وتريد القضاء على السياسة القطرية الرافضة الوضع القائم، أما قطر فتدعم الأفكار والسياسات والجماعات المطالبة بنظام عربي بديل، تلعب فيه الشعوب والقوى المعارضة دوراً أكبر في حياة بلادها.
وحالياً، تبدو كل جهة مصرّة على المضي في سياساتها، حيث تتبنّى السعودية والإمارات شخصيات قطرية تقدمها بديلاً للنظام الحاكم في قطر. وتعوّل على إطالة الأزمة، وما قد يترتب عليها من تأثير سلبي على الاقتصاد القطري. وفي المقابل، تعوّل قطر على تحالفاتها الإقليمية بدول، مثل تركيا، وعلى دبلوماسيتها الخارجية النشطة، والتي استطاعت الحصول على دعم دولي كافٍ لمنع تصعيد الأزمة، كما تبدو قطر عازمةً على تنويع مصادر وارداتها وإيجاد طرق بديلة لإيصال تلك الواردات، وخصوصاً عن طريق البحر وميناء حمد الجديد.
ويساعد على طول الأزمة الأوضاع الحالية في المنطقة التي تعيش فترة سيولة هائلة، ستمتد سنوات، فهناك دول أساسية تعاني من حروب مدمرة، مثل سورية والعراق واليمن وليبيا. ودول أخرى تراجع دورها مثل مصر، ودول تعيش فترات تحول ديمقراطي وتغيير سياسي مثل تونس والمغرب، ودول تعيش أزمات سياسية مستمرة مثل السودان والجزائر، ودول إقليمية صاعدة بقوة وبنفوذ كبير مثل تركيا وإيران بالإضافة إلى إسرائيل.
تطيل هذه العوامل الأزمة، لأنها توفر وقوداً لها في صورة فرص وتحديات، فالدول الخليجية تنافس بعضها في ملفات كثيرة سابقة، ولو تراجعت في أيٍّ منها فقد يخل ذلك بالمعادلة الإقليمية ضدها، كما أنها لو انتصرت فستختل الموازين لصالحها. وبسبب تعدد تلك الملفات، وغياب منظومة عربية مستقرة، وتراجع دور فاعلين رئيسيين كثيرين، ودور القوى الدولية، يمكن أن تطول الأزمة كثيراً من دون هزيمة طرف ما أو انتصاره بشكل ساحق.
كما أثبتت خبرة السنوات الأخيرة أن الدور الدولي في المنطقة في تراجع، نظراً لانحسار الدور الأميركي دولياً من ناحية، وتراجع أهمية المنطقة وكثرة مشكلاتها من ناحية أخرى، وتبدو القوى الدولية حريصةً، في الفترة الراهنة، على عدم التدخل بشكل كبير في قضايا المنطقة التي لا تمسّ مصالحها الأساسية، والاكتفاء بلعب دور في قضايا محدودة وحيوية بالنسبة لها، فروسيا مثلاً تتدخل في الإقليم من خلال دور فعال في سورية بالأساس، وتبدو الولايات المتحدة مكتفية بحماية أمن حلفائها العرب وإسرائيل، وتوريد الأسلحة إليهم. أما أوروبا فتبدو حريصة على القضاء على الإرهاب، ووقف موجات الهجرة والحفاظ على علاقات اقتصادية جيدة بمختلف القوى الفاعلة في المنطقة، من دون تحمل أعباء أي دور سياسي أكثر عموميةً وجدية في علاج أزمات الإقليم.
وربما ساهم تراجع الدور الدولي في صعود دور الدول الإقليمية المختلفة، وفي مقدمتها الدول الخليجية الثلاث، في ظل قياداتها الجديدة الشابة ومواردها الاقتصادية والعسكرية الكبيرة وتوجهاتها الخارجية التوسعية، وحالة الفراغ الموجودة في الإقليم. لذا قد لا تعرف الأزمة الخليجية الحل قريباً، وربما تتحول إلى إحدى سمات المنطقة وواحدٍ من معالم نظامها الإقليمي، تنقسم فيه المنطقة إلى محاور أربعة رئيسية، المصري السعودي الإماراتي الداعي إلى الحفاظ على الوضع القائم والرافض للتغيير، في مقابل المحور القطري التركي الداعم للتغيير والرافض للوضع السياسي القائم في المنطقة، ومحور ثالث يضم إيران وحلفاءها في المنطقة، بما في ذلك العراق وسورية وحزب الله في لبنان والحوثيون في اليمن، ومحور دول مثل تونس والمغرب والتي تمر بمرحلة تحول ديمقراطي وتجد صعوبة في الانحياز لطرف بشكل كامل على حساب طرفٍ آخر. وبهذا تستمر الأزمة، حتى يحدث تغيير جاد في النظم الحاكمة أو مواردها أو الوضع الإقليمي أو الدولي، وكلها تطورات تحتاج سنوات لكي تتبلور.