في 11 مارس/آذار الماضي، انتخب 7.4 ملايين كوبي من أصل 8.9 ملايين، 612 نائباً هو عدد نواب المجلس النيابي. 605 نواب ينتمون إلى الحزب الشيوعي، في مقابل 7 مستقلين، في غياب المعارضة الفعلية، التي لم يُسمح لها باستخدام وسائل الإعلان والإعلام لشرح برنامجها الانتخابي. المرحلة الأولى مرّت بسلاسة، الآن يُمكن لراوول كاسترو، التخلّي اليوم الخميس عن منصبه الرئاسي بهدوء، متراجعاً إلى منصب فخري، وهو "الأمين العام للحزب الشيوعي"، على أن يتبوأ دياز ـ كانيل سدة الرئاسة. عملُ النواب المؤيدين لكاسترو، وبطبيعة الحال دياز ـ كانيل سيكون منصباً في محطات ثلاث:
المحطة الأولى والأساسية لكوبا، هي تسهيل عملية الانتقال في السلطة. ليس من السهل خروج آل كاسترو من الحكم في هافانا، خصوصاً أنهما جاءا بفعل ثورة ولم يخرجا بفعل "ثورة مضادة" أو "انقلاب ما"، بل إن راوول كاسترو كان أكثر وعياً من غيره، في اعتماد سياسة انتقالية تضمن استمرارية النهج الحاكم في كوبا. سيكون أمام دياز ـ كانيل فرصة جيدة لتمرير 5 سنوات مفترضة من الحكم، وهي مدة الولاية الرئاسية، في إطار تكريس المرحلة الجديدة في البلاد. على أنه سيعتمد على الجيش بالدرجة الأولى، كي لا يخسر في أي اضطراب اجتماعي أو اقتصادي قد يواجهه.
المحطة الثانية لكوبا هي الاقتصاد، ففي ظلّ العلاقات التي لم تصطلح بعد مع الولايات المتحدة، فإن لكوبا شركاء غير مستقرين اقتصادياً، فكوبا تصدّر 33.5 في المائة من بضائعها إلى فنزويلا، و15.9 في المائة إلى كندا، و9.5 في المائة إلى الصين، و4.5 في المائة إلى هولندا، و1.4 في المائة إلى إيطاليا. كما تستورد من فنزويلا 38.7 في المائة من احتياجاتها، في مقابل 9.8 في المائة من الصين، و4.7 في المائة من روسيا، و4.4 في المائة من الجزائر، و2.4 في المائة من بولندا. تظهر هذه الأرقام أن الشريك الأساسي لكوبا هي فنزويلا، استيراداً وتصديراً، رغم تقدّم الصين في السنوات الأخيرة. وغنيّ عن التعريف أن كاراكاس تمرّ بأصعب ظروفها الاقتصادية حالياً، ما سينعكس سلباً على كوبا بطبيعة الحال. ويشكّل تصدير الخدمات (إرسال متعاونين طبيين إلى الخارج) المصدر الأول للدخل من العملات الأجنبية لكوبا، متقدماً بفارق كبير على قطاع السياحة الذي جذب 4.5 ملايين شخص في 2017. وبلغت نسبة النمو 1.6 المائة في 2017، بعد 0.5 في المائة في عام 2016. كما ارتفعت مبيعات سيغار "هافانا" 12 في المائة العام الماضي، بفضل زيادة الطلب الصيني.
ويعود كل ذلك إلى راوول كاسترو الذي عمل منذ عام 2006 على إصلاح تدريجي للنموذج الاقتصادي الكوبي، بإعطاء موقع أكبر فيه للمبادرة الخاصة والاستثمار الأجنبي والقطاع الخاص، مع الحفاظ على "مكاسب الاشتراكية"، في اقتصاد لا يزال تحت هيمنة الدولة بنسبة 80 في المائة. لكن الحكومة اعترفت بأنها "ارتكبت أخطاء في اتخاذ إجراءات بتحديث الاقتصاد"، مؤكدة أن "كل الإصلاحات تجري مراجعتها"، حسبما ذكرت الصحيفة الحكومية "غرانما". ومن بين الأولويات، إنهاء العمل بعملتي البيزو الكوبي (للنفقات الداخلية) والبيزو القابل للصرف (للمنتجات والخدمات المستوردة)، وهو نظام فريد في العالم ويقول كثيرون من كوبيين وأجانب إن نتائجه كارثية على الكوبيين الفقراء. وضع سيفسح المجال أمام تحرّكات اجتماعية، قد تصل إلى احتجاجات واسعة النطاق. دياز ـ كانيل ليس كاسترو، وفي ظلّ التقدم العلمي ووسائل التواصل الاجتماعي وفي حال القدرة على تحفيز الشباب لـ"حماية الثورة"، فإن كوبا قد تواجه مشكلة حقيقية ما لم تستعن بشركاء تجاريين أكثر ثقة، أو الاتجاه نحو "أسوأ الخيارات".
"أسوأ الخيارات" هي تلك المتصلة بالمحطة الثالثة في عمل الحكم الجديد، أي العلاقة مع الولايات المتحدة. هناك المشكلة وهناك الحلّ بالنسبة لكوبا. بالطبع لا يريد الحكم الجديد العودة إلى ما قبل الثورة الكوبية، وعهد الجنرال فولخنسيو باتيستا، وأيام سطوة الشركات الأميركية الكبرى من شركات الحديد وشركات الفاكهة على الجزيرة. يريد الحكم الجديد نوعاً من الشراكة، التي تسمح بالاستيراد والتصدير، بما لا يمسّ بالمصالح الكوبية. بصورة أدق: استبدال فنزويلا بالولايات المتحدة تجارياً فقط. فقد قطعت الولايات المتحدة العلاقات مع النظام الكوبي الجديد منذ 1961، ودعمت محاولة فاشلة لإنزال قوات معادية لكاسترو في خليج الخنازير. كما فرضت الولايات المتحدة حظراً اقتصادياً ومالياً صارماً على كوبا منذ عام 1962 ما زال مطبّقاً إلى اليوم.
مع العلم أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، أراد كسر جدران التباعد مع كوبا، وتمّ الإعلان عن تقارب بين البلدين، في 17 ديسمبر/كانون الأول 2014. وفي 20 يوليو/تموز 2015، أعاد البلدان علاقاتهما الدبلوماسية وفتحا السفارتين. وفي 20 مارس/آذار 2016، قام باراك أوباما بزيارة تاريخية إلى هافانا، كانت الأولى لرئيس أميركي مباشر منذ ثورة كاسترو. وفي ظلال مجسّم يحمل صورة غيفارا، صدح النشيد الوطني الأميركي للمرة الأولى منذ أكثر من نصف قرن في هافانا. بعد أوباما، وكعادته في مناقضة كل الخيارات "الأوبامية"، تبنّى الرئيس الحالي دونالد ترامب سياسة أكثر تشدّداً تجاه كوبا، معللاً ذلك بالهجمات الصوتية الغامضة، التي حدثت ضد دبلوماسيين أميركيين العام الماضي، فأوقف ترامب عملية التقارب.
محطات ثلاث ستختصر مسيرة دياز ـ كانيل، وبطبيعة الحال سيُشرف راوول كاسترو، من موقعه أميناً عاماً للحزب الشيوعي، على تلك المرحلة. ومن الأكيد أنها ستكون مرحلة بطيئة لكنها كثيفة. ليس من السهل بالنسبة للكوبيين، الاستيقاظ صباح 19 إبريل/نيسان الحالي في غياب رئيس من آل كاسترو. الأمر متعلق بأجيال وُلدت وعاشت في ظلالهما، وتراث مُشبع بالحراك العالمي من انهيار الاتحاد السوفييتي إلى زمن هوغو تشافيز في فنزويلا، إلى اتفاقات السلام التاريخية بين الحكومة و"فارك" في كولومبيا، إلى تسيّد الولايات المتحدة النظام العالمي الجديد لنحو 20 عاماً، قبل بروز الدورين الصيني والروسي، إلى اختيار الأميركيين دونالد ترامب رئيساً لبلادهم.
في كثافة هذه المحطات وصعوبتها تبرز الحاجة الكوبية إلى تأمين الانتقال في السلطة بأبسط طريقة ممكنة، فما كسبه ثوار اليخت "غرانما" قد يخسرونه بأي خطأ بسيط في الحسابات. مع ذلك، فإن ما تحتاجه كوبا عملياً في الوقت الحالي، ليس وهج فيديل كاسترو، بل براغماتية راوول كاسترو، الذي يفترض أنه تمكن من تأمين ملء مكان شقيقه بين عامي 2007 و2018، ويُفترض أن يُساهم في تأمين المرحلة المقبلة. في الواقع، كان فيديل في الواجهة دوماً، بكل عنفوانه وحماسه، بينما كان راوول الصوت الهادئ الذي سبق له أن تصادم مع تشي غيفارا في بدايات حكم الثورة الكوبية. وبالنسبة إلى دياز ـ كانيل، فإن وجود راوول كاسترو إلى جانبه في تلك المحطات سيكون الحلّ الأمثل لكوبا الجديدة أو المتجددة.