كورونا فلسطين... استثمار تاريخي للوقت في الحجر المنزلي

رام الله

سامر خويرة

سامر خويرة
27 ابريل 2020
59510F49-9E59-4EC2-81C2-0FF4FB77644B
+ الخط -

بعد إعلان الحكومة الفلسطينية، حالة الطوارئ لمنع تفشي كورونا، ثم فرضها الحجر المنزلي الإلزامي، يستثمر الفلسطينيون أوقاتهم، بطرق مختلفة

أخيراً، حظي نبيل شاهين، وهو صاحب استديو تصوير في مدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية، في فلسطين المحتلة، بوقت يتيح له الأخذ بنصيحة زوجته، بالاعتناء بحديقة منزلهما الصغيرة، وزراعتها ببعض الخضروات، مثل الخس والبقدونس وغيرها. وهكذا يمضي، منذ إعلان الحكومة الفلسطينية عن إجراءات مواجهة فيروس كورونا الجديد بما فيها من قرار بحظر التجول إلا للضرورات القصوى، أوقاته في معظمها، بمتابعة المزروعات وريّها، ومشاهدة مقاطع فيديو عبر "يوتيوب" حول الزراعة المنزلية البسيطة. يقول شاهين لـ"العربي الجديد": "بعد إعلان الحكومة الفلسطينية حالة الطوارئ، وفرض الحجر المنزلي، أغلقت استديو التصوير ولزمت بيتي. في البداية وجدت صعوبة في التأقلم، لكن كان لا بد من برنامج يومي حتى استغل وقتي الطويل، فمازحتني زوجتي بقولها: لم تبقَ لك حجة حول عدم إصلاح الحديقة، وبالفعل، فقد وجدت فيها ضالتي، إذ أزحت الأوساخ عنها وأعدت تقليب التراب وتهيئته، واستشرت صديقاً لي يعمل مهندساً زراعياً، كما وجد أطفالي في الزراعة والاعتناء بالحديقة ما يشغلهم عن الألعاب الإلكترونية ومشاهدة التلفزيون". وباتت المشاهدة الأكثر لديهم هي مقاطع "يوتيوب" التي تقدم تعليماً متكاملاً في مختلف أساليب الزراعة والري والحصاد، بالإضافة إلى نصائح حول نوعية التراب والمياه وما يناسب الزرع منها ومختلف الأدوات والتقنيات المستخدمة.



وإذا كانت حديقة شاهين صغيرة، فإنّ الحاج راسم محسن (62 عاماً) من مدينة قلقيلية، شمالي الضفة الغربية، يملك قطعة أرض تزيد مساحتها عن دونم، في محيط منزله الذي يسكنه مع أبنائه المتزوجين، ولم يكونوا جميعاً يهتمون بها نظراً لانشغالهم بأعمال أخرى. يقول محسن لـ"العربي الجديد": "أعمل في البناء، وكنت أنزل في الصباح الباكر ولا أعود إلا متأخراً، وكذلك أبنائي، كلّ في صنعته، وصدقاً كنّا نرى أشجار الزيتون والليمون ودالية العنب تذبل أمام أعيننا ولا نفعل شيئاً، واليوم أعدنا لها بهجتها بعد إصلاحها". محسن في الأصل مزارع بالوراثة، لكنّه بسبب تراجع الاهتمام بالزراعة، وعدم تلبيتها متطلبات الحياة اعتزلها منذ أكثر من ثلاثين عاماً، حيث يقول: "منذ نحو شهر جلست مع العائلة وقررنا أن نركز جهدنا في استصلاح أرضنا، وبهمة أبنائي الشباب، الذين تشجعوا للفكرة تحولت الأرض من مهملة إلى جنة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فقد عملنا على رفع الأعشاب الضارة وتنظيفها، وأحضرنا جراراً لحراثتها، وقلّمنا الأشجار ومددنا أنابيب المياه، وعملنا على رفع دالية العنب، وزرعنا شتولاً متنوعة مثل الملفوف والبندورة والخس والبصل، وبإذن الله سنأكل من منتجاتنا في شهر رمضان".



وأطلقت مؤسسة الإغاثة الزراعية التي تنشط في الضفة الغربية، الحملة الوطنية لزراعة الحدائق المنزلية بشتول الخضار، ضمن حملة "إحنا معكم" بالشراكة مع وزارة الزراعة ومؤسسات الائتلاف الزراعي، إذ ستساهم بزراعة ربع مليون شتلة من أصناف متنوعة من الخضار، تستفيد منها 2500 أسرة تقريباً، موزعة على 70 موقعاً وتجمعاً ريفياً في عدد من المحافظات الفلسطينية، وفق بيان وصل إلى "العربي الجديد".

كذلك، لجأ فلسطينيون إلى التدريب الإلكتروني خلال هذه الأزمة، إذ خصصت طالبة الإعلام، شهد استيتية، جزءا كبيراً من وقتها للدورات الإلكترونية من خلال الانتساب إلى مراكز تدريب إعلامية متخصصة بالتعليم عن بعد. تقول شهد لـ"العربي الجديد": "أتممت عدة دورات مكثفة حتى الآن، في تقديم البرامج التلفزيونية، وتحرير النصوص الإخبارية، وصحافة البيانات بعد انتسابي لمركز تدريب عربي مشهور، ألتزم بالحضور وكأنني في الجامعة، وكانت استفادتي كبيرة جداً". وتمضي شهد يومياً نحو خمس ساعات متفرقة في حضور تلك الدورات، وقد نقلت تجربتها لعدد من زميلاتها، وتقول: "استغلال الوقت أمر بالغ الأهمية، بدلاً من الجلوس من دون فائدة أو فقط في تصفح فيسبوك وإنستغرام، هذه فرصة قد لا تتكرر، لأنّنا في الأيام العادية ننشغل بالامتحانات والزيارات، أما اليوم فالأمر مختلف".



انتسب الشاب ضياء حلبي من إحدى القرى المحيطة بنابلس وهو طالب جامعي في كلية القانون، إلى لجنة الطوارئ التي خصصتها محافظة نابلس لتقديم الخدمات للمواطنين، والتسهيل عليهم في ظل قرار تقييد حركتهم، ويتواجد يومياً في غرفة العمليات لنحو سبع ساعات، يردّ على الاتصالات ويجيب على الاستفسارات. يقول لـ"العربي الجديد": "كم أشعر بالفخر عندما نساعد محتاجاً أو نسهل مهمة طبيب أو نقدم العلاج لمريض في هذه الظروف الصعبة". ويشير حلبي إلى أنّه يحب التطوع منذ صغره، وكان من أوائل المنضمين للجنة الطوارئ نظراً لخبرته السابقة في العمل المجتمعي"، ويقول: "في مقسم الاتصالات على الأرقام المعلنة، نتلقى يومياً مئات المكالمات التي يجري تحويلها إلى الجهات المختصة".

بدورها، تمضي سحر السبع، من جنين، شمالي الضفة الغربية، جلّ وقتها في القراءة، بعدما أعادت ترتيب مكتبتها المنزلية، التي كانت مهملة منذ فترة طويلة، وتقول لـ"العربي الجديد": "منذ إعلان الحجر المنزلي في 22 الماضي، لم أعد أذهب لعملي في وزارة التربية والتعليم، وعلى الفور بدأت منذ صبيحة اليوم التالي في ترتيب مكتبتي التي تضم نحو مائة كتاب". تتابع، "طلبت من شقيقي الذي لديه خبرة في النجارة ترميم المكتبة الخشبية، ونقلناها إلى غرفة شبه فارغة، وجهزناها لتصبح مكاناً مناسباً للقراءة، بعيداً عن ضجيج البيت والأولاد. ثم جمعت كتبي المترامية هنا وهناك، حتى أنّي اتصلت ببعض الجيران وطلبت منهم استرداد الكتب التي استعاروها سابقاً مني". وتهوى سحر قراءة الكتب عموماً لكنّها تفضل تلك المتخصصة في القوانين الجزائية وحقوق الإنسان، كما تقرأ الروايات، وتقول: "لست وحدي من أقرأ، فهناك مجموعة على تطبيق واتساب، فيها عشرات من هواة المطالعة، وأنا أستفيد جداً من خبرتهم، فلديهم مخزون ضخم من الكتب المنوعة، وعندما لا أجد كتاباً مطبوعاً، يرسلونه إليّ بصيغة "بي دي إف".



ولم يكتفِ مئات من الشبان الفلسطينيين في مختلف المناطق بالضفة الغربية، باستغلال وقت الحجر المنزلي لممارسة هوايات مختلفة، بل انتسبوا إلى لجان الأحياء، التي تتولى مساعدة الجهات الرسمية في متابعة مختلف القضايا ذات العلاقة بإعلان الحجر المنزلي، والوصول إلى العائلات المتضررة والمرضى والفقراء.

ذات صلة

الصورة
النائب الأردني السابق عماد العدوان (إكس)

سياسة

حكمت محكمة أمن الدولة الأردنية، اليوم الأربعاء، على النائب السابق عماد العدوان بالسجن لمدة 10 سنوات في قضية تهريب أسلحة إلى الضفة الغربية.
الصورة

سياسة

اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الاثنين، بلدة عزون شرقي قلقيلية في الضفة الغربية المحتلة، وسط انتشار عسكري كثيف
الصورة
ما تركه المستوطنون من أشجار مقطوعة ومحصول مسروق في قرية قريوت (العربي الجديد)

سياسة

تعرضت الأراضي الزراعية في موقع "بطيشة" غربي قرية قريوت إلى الجنوب من مدينة نابلس لهجوم كبير من المستوطنين الذين قطعوا وسرقوا أشجار الزيتون المعمرة
الصورة
آلية عسكرية إسرائيلية قرب حدود قطاع غزة، 6 أكتوبر 2024 (ميناحيم كاهانا/فرانس برس)

سياسة

شهر أكتوبر الحالي هو الأصعب على إسرائيل منذ بداية العام 2024، إذ قُتل فيه 64 إسرائيلياً على الأقل، معظمهم جنود، خلال عمليات الاحتلال في غزة ولبنان والضفة.