كورونا مصر: خطر انهيار المنظومة الصحية يتعاظم

30 مايو 2020
شنّت الحكومة حملة مضادة على الأطباء (يحيى ديوار/فرانس برس)
+ الخط -
ربما لا يدلّ شيء على تكريس النظام الحاكم في مصر جلّ جهده لتضليل الرأي العام، وإخفاء قرب انهيار المنظومة الصحية تحت وطأة جائحة كورونا والإدارة السيئة للأزمة منذ بدايتها، والمخالفة لكل ما خططت له وفعلته معظم دول العالم وأوصت به منظمة الصحة العالمية، أكثر من التدوينة التي نشرها رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي أول من أمس الخميس. وبدلاً من التركيز على إعلان قرارات تُخمد غضب وقلق المصريين من الحقيقة التي يلمسونها بعدم وجود أسرّة كافية بالمستشفيات الحكومية، وحتى الخاصة، وتباطؤ تنفيذ خطط زيادة المستشفيات، واختفاء الوعود بتوفير مستشفيات ميدانية تنفذها وتديرها القوات المسلحة، ركّز السيسي على مهاجمة من وصفهم بـ"أعداء الوطن من المتربصين"، واتهمهم بالتشكيك في ما تقوم به الدولة من جهدٍ وإنجاز.

وعاش النظام وقتاً عصيباً، الأسبوع الماضي، في مواجهة انتفاضة واسعة للأطباء على مواقع التواصل الاجتماعي، احتجاجاً بشكلٍ خاص على إهمال حالات لأطباء أصيبوا بعدوى الوباء، حتى توفوا، وعلى عدم تجهيز المستشفيات والتقصير الشديد في الإنفاق على منظومة الرعاية الصحية. ويأتي ذلك في وقت تركّز الدولة على المشروعات الإنشائية، كالعاصمة الإدارية الجديدة والطرق والكباري. وبلغ الأمر حدّ تقديم استقالات فردية وجماعية من مستشفيات عدة، ما دفع النظام إلى فتح جبهات عدة لاحتواء هذه الانتفاضة، من هجوم إعلامي واتهامات للأطباء المستقيلين والذين يفضحون الممارسات الحكومية، بالانتماء لجماعة "الإخوان المسلمين" والعمل لصالحهم، وعلى رأسهم عضو مجلس النقابة العامة سابقاً منى مينا، ونشر موضوعات وتسجيلات، بكثافة، لأطباء يمتدحون إدارة الحكومة للأزمة.

كما زار عدد من ضباط الأمن الوطني المستشفيات التي شهدت مشاكل واستقالات جماعية خلال الأيام الماضية، واجتمعوا بالأطباء حيث حاولوا امتصاص غضبهم تارة وتهديدهم تارة أخرى، لتجاوز الموقف، حيث علمت الحكومة بحجم التهديد الذي يمثله غضب الطواقم الطبية، التي يعتبر مجهودها هو العامل الوحيد الذي يضمن دوام العمل حتى اللحظة في ظل ضعف الإمكانيات.

ويتناقض وصف السيسي لإدارة نظامه للأزمة بـ"الإنجاز"، مع الواقع الذي يعيشه المصريون حالياً في ظلّ الجائحة. فالعثور على سرير للرعاية العادية، غير الفائقة، أصبح مهمةً شبه مستحيلة، خصوصاً في المستشفيات الحكومية، وتحديداً مستشفيات الصدر والحميات الممتلئة عن آخرها بالمصابين من حالات اشتباه وإصابات مؤكدة، على الرغم من أن الحكومة ممثلة في وزارة الصحة تدّعي في بياناتها الرسمية استمرار نقل جميع الإصابات المؤكدة إلى مستشفيات العزل.


وقالت مصادر طبية مختلفة في مديريات الصحة بأربع محافظات، في تصريحات على مدار اليومين الماضيين لـ"العربي الجديد"، إن الإقبال على مستشفيات الحميات والصدر زاد خلال أسبوع عيد الفطر بنسب تتراوح بين 200 و300 في المائة. وانعكس هذا الأمر زيادة غير مسبوقة في عدد المصابين المسجلين هذا الأسبوع، وتسجيل أرقام قياسية يومياً، انتهاء بتجاوز عدد الحالات المسجلة 20 ألفاً أمس، منها 13 ألفاً تقريباً تحت العلاج حالياً. لكن الأخطر من ذلك، عدد الحالات التي تأتي إلى المستشفيات للكشف ولا يكون لها مكان من الأصل، فتلجأ إلى العودة للمنزل واتباع الإجراءات الموصى بها حالياً، والمنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي نقلاً عن أطباء، بحسب المصادر.

والأخطر من الأمرين، كما تؤكد المصادر ذاتها، هو العدد الضخم غير المعروف للمصابين الذين لم يشعروا بأعراض من الأساس، وبالتالي يتحركون في الشوارع والتجمعات ويستعدون للعودة إلى العمل بالتدابير الاحترازية المخففة وفقاً لقرارات الحكومة. وتحذر المصادر من أن هؤلاء "ينقلون العدوى دون علم منهم، وهي ظاهرة موجودة في كل دول العالم حالياً، لكنها تزيد خطورة في مصر نظراً لعدم تطبيق العزل والتباعد الاجتماعي بالشكل المطلوب". في المقابل، تعمد الحكومة إلى تجاهل التوصيات الطبية من داخل البلاد وخارجها، والتراخي الأمني في مواجهة خروقات حظر التجول وغيره من التدابير الوقائية "الضعيفة".

وذكرت المصادر أن هناك عاملين أساسيين في عملية فرز وإحالة وتوجيه المصابين بعد استقبالهم، تأثراً بالزيادة الكبيرة في عدد الحالات، وأديا بالتبعية لارتباك واسع في المستشفيات الحكومية.

ويتمحور العامل الأول حول زيادة المدة بين أخذ المسحات من المشتبه فيهم لإجراء التحاليل، من يومين في المتوسط إلى أكثر من أربعة أيام، وذلك ليس بسبب زيادة الأعداد فقط، بل أيضاً بسبب إصرار الوزارة على إجراء التحاليل حصراً لديها في معاملها المركزية، لتبقى مسيطرة على تسجيل الأعداد على مستوى الجمهورية.

أما العامل الثاني، فهو امتلاء مستشفيات العزل المحددة من الوزارة، وكذلك أنزال ومراكز الشباب المخصصة للحالات ذات الأعراض المتوسطة، والتي هي في طريقها للتعافي، ما أدى إلى إضعاف قدرة الوزارة على نقل حالات الإصابة الأكيدة من مستشفيات الفرز والإحالة إلى العزل، وتأخر النقل لحين إفراغ أسرّة كافية في أقرب مستشفيات العزل. هذه الظاهرة بدأت منتصف شهر مايو/أيار الحالي، وأشار إليها "العربي الجديد" في تقارير سابقة. وبناءً على تفاقمها، بدأت إدارات مستشفيات الصدر والحميات في الانتقال بالتعامل مع الحالات من كونها تحت الاشتباه، إلى التعامل معها كإصابات بعد التأكد بالتحاليل أو بدونها أحياناً في حالات تأخر ظهور النتيجة ووضوح الأعراض.

وأدى هذا الأمر بالتبعية إلى زيادة الأعباء على مستشفيات الصدر والحميات، وكذلك المستشفيات العامة التي تمّ تخصيص بعض أدوارها أو نسبة من أسرتها لاستقبال حالات الاشتباه، لأن كلا منها أصبح يضم نسبة ليست بالقليلة من حالات الإصابة الأكيدة. علماً أن هذه المستشفيات ليست مؤهلة للعب دور مستشفيات العزل، لا من حيث حالتها الإنشائية ولا إمكانياتها اللوجستية والطبية.

فجميع مستشفيات الصدر والحميات، ومعظم المستشفيات العامة في مصر، مكونة من عنابر لاستيعاب عدد كبير من المرضى، وهو ما يتنافى مع القواعد القياسية لإقامة وعلاج مصابي كورونا التي تشترط الوجود في مكان منفصل ومعزول. كما أن تلك المستشفيات التي كانت الوزارة تحاول تحضيرها للعمل، كمستشفيات عزل منذ أسبوعين، لم تحظ بالتحديث أو التجهيز المأمولَين طوال هذه الفترة، بل إن اثنين فقط من المستشفيات البالغ عددها 36، تم تجهيزهما للعمل بالعزل في إطار هذه الخطة، وذلك نظراً لمحدودية التمويل من جهة ولاكتظاظها بالحالات من جهة أخرى.

ومع زيادة اللجوء للعزل المنزلي للحالات الأصغر سناً والأخف من حيث الأعراض، بدأت وزارة الصحة تفقد سيطرتها على بروتوكولات العلاج المتبعة نظراً لعدم اعتراف الكثير من الأطباء بفاعليتها، وكذلك بسبب النقص الشديد في الكثير من الأصناف الدوائية بالصيدليات الحرة. وقال مصدر بديوان الوزارة لـ"العربي الجديد"، إن عدة بروتوكولات، والتي يتبعها المصابون بالعزل المنزلي، وحالات الاشتباه التي اكتفت بإجراء الأشعة دون التحليل وعزلت نفسها بنفسها أو بواسطة أطباء، لا تتطابق مع بروتوكولات العلاج الخاصة بالوزارة، خصوصاً أن بعض العقاقير لم تعد موجودة بالمرة في السوق، وتم قصر بيعها فقط بموجب روشتة الطبيب ونتيجة تحليل كورونا من خلال الصيدليات التابعة للوزارة بالمحافظات.

وذكر المصدر أن الوزارة لا تملك أن تفعل شيئاً إزاء حالة الفوضى هذه بسبب ضعف إمكانياتها الرقابية حتى على المستشفيات الخاصة التي تشارك في علاج الحالات، مرجحاً أن تزداد الأوضاع صعوبة خلال الشهرين المقبلين، إذا أصرت الحكومة على خطة فتح ما كان مغلقاً من مصالح حكومية في منتصف يونيو/حزيران المقبل.

وشددت الحكومة التدابير الاحترازية نسبياً خلال الأسبوع الماضي بمناسبة عيد الفطر، بحظر التجول من الخامسة مساء وحتى السادسة صباحاً، ووقف المواصلات الجماعية، وغلق المحال التجارية والشواطئ والمجمعات التجارية والمتنزهات والحدائق. وستعود الإجراءات مخففة من اليوم السبت 30 مايو ولمدة أسبوعين آخرين، بحظر التجول من الثامنة مساء وحتى السادسة صباحاً، مع الالتزام بارتداء الكمامات في الأماكن العامة والمنشآت الحكومية والخاصة ووسائل النقل الجماعية العامة والخاصة. وتراجعت الحكومة عن فرض تسعيرة جبرية للكمامات والكحوليات لمدة شهرين، بعد ضغط من كبار مستوردي وموزعي ومصنعي تلك السلع وغضبهم من ضعف المردود المالي العائد عليهم.

وحتى الآن، لم تعلن الحكومة رسمياً عن خطتها للتعايش مع الوباء. فبعدما كلفت وزيرة الصحة هالة زايد بإعدادها وطرحتها الوزارة بالفعل، تم سحبها مرة أخرى. وكانت الخطة تتضمن بنوداً عديدة غامضة من حيث إمكانية تطبيقها في مصر، ومن حيث مدى واقعيتها على ضوء الكفاءة الفنية والاقتصادية للدولة.

ومن بنود الخطة التي لم يعلن تاريخ بدئها، الفرز البصري والشفوي وقياس الحرارة لجميع الأشخاص قبل دخولهم المنشآت والمترو والقطارات، وإلزام أصحاب الأعمال والمولات ومحطات المترو بوضع وسائل تطهير الأيدي على أبوابها، والحفاظ على كثافة منخفضة داخل المنشآت والمحال التجارية. كما تتضمن فتح دور السينما والمسارح والكافيهات (المقاهي) أو أي أماكن ترفيهية، وعدم فتح النوادي الرياضية وقاعات الاحتفالات أو الاستراحات المغلقة بالأندية، وتخصيص عربة كاملة لكبار السن والحوامل في المترو، وتخصيص مقاعد خاصة إضافية لكبار السن والحوامل في جميع وسائل النقل الأخرى. كذلك تنص الخطة على تشجيع الدفع الإلكتروني ونشر هذا السلوك بين المواطنين، وتشجيع الشراء الإلكتروني عن بعد، وخفض قوة العمل داخل كل منشأة إلى نسبة تتراوح بين 30 و50 في المائة، وتسيير حافلات أكثر للعمال لتقليل عدد الركاب في كل حافلة، وتشغيلهم على ورديات مختلفة، ووقف سياسة الاسترجاع للبضائع، وتخصيص حجر خاص ووحدات تطهير للسلع المستوردة والمبيعة.

وأعادت الحكومة عمل الفنادق والمنتجعات السياحية بطاقة استيعابية لا تتجاوز 25 في المائة حتى أول يونيو المقبل، وزيادتها إلى 50 في المائة بعد ذلك، مع حظر الحفلات والأفراح والأنشطة الترفيهية الليلية وتخفيض إجازات العاملين إلى مرة كل شهرين. ويشترط ذلك التحليل السريع للأجانب عند الدخول وإجراء تحليل "بي سي آر" حديث قبل السفر، وتخفيض الإشغال في الغرف والمباني والمصاعد.