تزداد ظروف الغزيّين المعيشية صعوبة في ظل الحجر المنزلي الإلزامي الذي تفرضه الأجهزة الأمنية، بعد تفشي فيروس كورونا. ولم يعد في استطاعة المواطنين لقاء بعضهم بعضاً أو حتى الجلوس أمام منازلهم لتنشق الهواء والترفيه عن أنفسهم.
عموماً، يواجه قطاع غزة ظروفاً سياسية واقتصادية صعبة تكاد تختلف عن معظم مدن العالم في ظل الحصار الإسرائيلي. بعض العائلات لا تملك المال لشراء أسطوانات الغاز، أو حتى تأمين الطعام لأفرادها. وتزداد المعاناة في ظل ارتفاع درجات الحرارة، ما دفع البعض إلى النوم على البلاط. ونشر العديد من الغزيين صوراً على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر أطفالهم ينامون على بلاط المنزل كونه أكثر برودة من الفراش. إضافة إلى ما سبق، يواجه سكان القطاع أزمة في مياه الشرب، إذ لا تصل مياه البلدية إلى المنازل بسبب انقطاع التيار الكهربائي. و تقلّص عدد ساعات التغذية إلى نحو أربع ساعات فقط خلال الـ 24 ساعة. هكذا، يعيش معظم السكان أزمات صعبة زاد من حدتها ارتفاع عدد الإصابات بكورونا، وقد وصل خلال 7 أيام (حتى نهاية أغسطس/ آب الماضي) إلى 243 إصابة بحسب وزارة الصحة.
ونشر الغزي أحمد الزيتونية صورة له عبر حسابه على "فيسبوك" تختصر حالته اليومية في منزله من أجل الحصول على مياه للاستخدام اليومي له ولأطفاله في المنزل. في بعض الأيام، يستيقظ مع تشغيل البلدية المياه لتعبئتها ثم نقلها إلى خزانه على السطح ليؤمن حاجته. يقول: "هذا حالنا منذ بدء أزمة الكهرباء. نعمل على نقل المياه من الطابق الأرضي وحتى الطابق الرابع. ما من تنسيق بين البلدية وشركة الكهرباء حتى نتمكن من تعبئة المياه في الخزانات". ويشير إلى أنه خلال الأزمة الحالية، عمد إلى تعبئة الخزان بمياه حلوة وبسعر مرتفع من خلال سيارات التوزيع التابعة لمحطات تحلية المياه.
وفي عدد من الأحياء السكنية في مدينة غزة، يرفض البعض الالتزام بالحجر المنزلي. يجلسون قرب باب المنزل بسبب الحر الشديد داخل بيوتهم "التي تحولت إلى أفران"، كما يصفها أحمد حميد. يقول إنه ملتزم بالحجر المنزلي ولا يخالط الآخرين، لكنه يجلس قرب باب المنزل يومياً بسبب انقطاع التيار الكهربائي معظم الوقت.
يضيف حميد لـ "العربي الجديد: "للأسف، الحجر المنزلي يعد كارثة بالنسبة لسكان غزة. وإذا لم يصابوا بالفيروس، لن يتمكنوا من حماية أنفسهم من الجوع والحر والفقر". يتابع: "لا توجد مياه للاستحمام أو حتى الغسيل، فأضطر إلى شراء المياه وتخزينها في جرادل وعلب بلاستيكية. وفي بعض الأحيان، لا أستطيع شراء المياه أو حتى الخضار لعائلتي، فأنا عاطل من العمل منذ 8 أشهر".
إلى ذلك، كتب الاستشاري النفسي فضل عاشور، عبر حسابه على "فيسبوك"، عن الآثار النفسية التي قد تلحق بالناس في ظل الحجر المنزلي، لافتاً إلى أن الغزيين لن يتحملوا إجراءات العزل وفصل المناطق لأكثر من أيام قليلة. يضيف: "معظم سكان غزة أطفال وصبية لا يستطيعوا المكوث طويلاً فى بيوتهم المكتظة من دون كهرباء تزامناً مع ارتفاع درجات الحرارة، عدا عن الفقر والحرمان".
ويرى كثيرون أن الأزمة الحالية في القطاع تعدّ الأسوأ التي تواجه الناس، وتكاد تكون أصعب من الظروف التي عايشوها خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع في عام 2014، والذي استمر 51 يوماً. في هذا السياق، يقول المواطن جميل أبو فول (55 عاماً) إنه يشعر بأنه مسجون داخل منزله في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، بعدما فرضت الأجهزة الأمنية الحجر المنزلي على سكان المخيم، نتيجة اكتشاف إصابات بكورونا بين أهله. يقول إنه خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، كان يتلقى مساعدات إنسانية من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا". لكن في الوقت الحالي، لا يستطيع تأمين طعام العائلة لمدة ثلاثة أيام متواصلة، هو الذي يعمل حارساً في أحد المصانع شرق مدينة غزة. وما يزيد من مخاوفه أنه مصاب بمرضيّ السكري وضغط الدم.
ويلفت أبو فول إلى أنه "في كل منزل شخص يعاني من أمراض مزمنة. صحيح أن الفيروس يعدّ خطراً على حياة الناس، لكنه جاء فجأة، ما أدى إلى إغلاق المنشآت. وما يزيد من صعوبة الأمر عدم توفر الكهرباء والمياه في منازلنا، فنضطر إلى الخروج من البيت لتأمينها". يضيف: "قد نصاب بالمرض ونواجه الموت. أما في الداخل، فنكاد نختنق في ظل الحر الشديد والجوع".
وكانت وزارة التنمية الاجتماعية في غزة قد أعلنت أن نسبة الفقر والبطالة في القطاع خلال عام 2019 وصلت إلى نحو يقارب 75 في المائة، مضيفة أن 70 في المائة من سكان القطاع غير آمنين غذائياً. وقالت إن الجهود المبذولة من قبل المؤسسات الحكومية والدولية والمحلية يغلب عليها الطابع الإغاثي، ولا تفي إلا بنحو 50 في المائة من الاحتياجات الأساسية للأسر الفقيرة. ويفرض الاحتلال حصاراً مشدداً على غزة منذ نحو 13 عاماً، ما أدى إلى زيادة كبيرة في نسب الفقر والبطالة.