وفي غمرة هذه التطورات، يجد "البديل" نفسه يكافح لإيجاد توجه مشترك، إذ ومع تفاقم الصراعات الداخلية وإشارة شبكة "إن تي في" إلى أن نوابا هددوا بترك الكتلة البرلمانية للحزب، هناك اختلاف في تقييم التدابير الحكومية لإبطاء انتشار وباء كورونا، بين من هو ممتعض ومشكك، معتقدا أن البلاد تتعامل مع وباء عادي يشبه الإنفلونزا، وبين من هو راض ويقدر المخاطر التي ستنتج عن الفيروس الجديد (كوفيد 19)، بينهم رئيسة كتلة الحزب في البوندستاغ أليس فايدل.
وبين هذا وذاك، اعتبر الزعيم المشارك للحزب تينو شروبالا، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء الألمانية، أن وزير الصحة الاتحادي ينس شبان قام "برد فعل متأخر للغاية"، الأمر الذي تسبب في السباق على معدات الحماية، ناهيك عن امتناع اليمين أخيرا عن التصويت على الحزمة الاقتصادية عند المصادقة عليها في البوندستاغ، ما يثبت أنه وفي أوقات الأزمات يتضح أن الشعبويين ليس لديهم وصفات وخطط مناسبة، وهم لا يريدون الاعتراف بذلك.
وبدأت تظهر آثار الخلافات السيئة داخل "البديل"، بينها النقاش حول تقسيم محتمل في هذه الأوقات الصعبة، في استطلاعات الرأي التي نشرت أخيرا، وأبرزت تراجع الحزب اليميني الشعبوي لحدود عشرة في المائة على مستوى البلاد، الأمر الذي اعتبره شروبالا "غير صادم، لأنه وفي أوقات الأزمات لا يمكن للمعارضة أن تسجل النقاط، والمسألة لا تتعلق فقط بـ"البديل"".
وفي وقت يعتقد باحثون في الشؤون السياسية الألمانية، بينهم حاجو فونكي، أن هذا الوضع سيضعف "البديل"، وأن مويتن من الممكن أن يستميل مجموعات إضافية من الناخبين.
ويقدر فونكي أنصار مجموعة "الجناح" داخل البديل بما بين الثلث والـ40% من عديده، ويتبعون القيادي في "الجناح" النائب عن ولاية تورينغن بيورن هوكه، علما أن المجلس التنفيذي للحزب طالب بحلها.
وفي هذا السياق، تشير التحليلات إلى أن "البديل" المشغول بإدارة أزمته الخاصة ومجابهة قادته بعضهم للبعض الآخر، بالكاد يكون حاضرا في النقاش السياسي الذي حتمه كورونا للعديد من الخيارات الأساسية في البلاد، رغم محاولة العديد من سياسييه الربط بين حركة اللاجئين لعام 2015 "وفشل" السلطة، بزعامة أنجيلا ميركل، في التعامل مع أزمة الفيروس المستجد، إلا أن الأمر لم يكن له أي تأثير يذكر، بل على العكس يعتبر حزب المستشارة المسيحي الديمقراطي من أكثر المستفيدين، وراكم نقاطا إضافية وفق الاستطلاعات الأخيرة، ويحقق الآن 38% من الأصوات، وفق ما بينت "بيلد" اليوم الثلاثاء، وهو أمر لم يتحقق منذ سنوات.
ويعود كل ذلك إلى التدابير الصارمة التي تم العمل عليها، بينها ضبط الحدود، وحزمة الإنقاذ والمساعدات المالية للأفراد والشركات، ودعم المسشتفيات وتطوير السعة لديها من أسرة العناية المركزة، وأيضا قدرة "التحالف الكبير" على فرض القيود الهائلة، رغم الخروقات، على حركة المواطنين، بينها إغلاق المدارس والمحال والشركات وتقييد الحياة العامة بشكل كامل، حيث بات المواطن يفضل الاتكال على الأحزاب الديمقراطية، التي توقفت عن المشاحنات وتحركت جميعها لمكافحة الوباء، بدلا من تأييد "البديل" في ملفات باتت من الماضي مع المتغيرات التي فرضها كورونا.
وقد حتمت هذه الإجراءات على "البديل" الانصياع للوصفات التي أطلقها الائتلاف الكبير لمواجهة الأزمة، مكتفيا بمراقبة صعود أسهم أحزاب الاتحاد المسيحي والاشتراكي الديمقراطي، أي أحزاب الائتلاف الحاكم، بفعل الخطوات غير المسبوقة التي تم العمل عليها منذ بدء أزمة كورونا، وأهمها الحزمة الاقتصادية التي فاقت 750 مليار يورو، وتعدت ما تم رصده لمواجهة الأزمة المالية العالمية عام 2008.
وعزز اليمين الشعبوي، خلال السنوات الأخيرة، حضوره شعبيا بعدما عمد إلى تصويب هجومه على سياسات المستشارة ميركل، ومستفيدا من نقاط ضعف الأحزاب التقليدية وإهمالها للكثير من مطالب المواطنين، وهم الذين زادت مخاوفهم الاقتصادية مع موجات الهجرة وتبدل المناخ وغيرها.
وقد ذكرت أخيرا "شبيغل أون لاين" أن وباء كورونا شكّل مشكلة لـ"البديل"، وخسر ما يصل إلى أربع نقاط، وهو أدنى مستوى له منذ العام 2017.
وفي السياق، أشار الموقع نفسه، ووفقا لمعهد الاقتصاد الألماني في كولن، إلى أن الأحزاب اليمينية ضعيفة أيضا في العديد من البلدان الأوروبية وراكمت الخسائر، وبالأخص تلك الموجودة في المعارضة، أما من هم في الحكم، كما في المجر وبولندا، فحققوا أرباحا في السياسة خلال الأزمة.
من جهة ثانية، أشار تقرير المعهد إلى أن الأزمة الحالية "من الممكن أن تكون لاحقا أرضا خصبة للأحزاب الشعبوية اليمينية أمام ضعف إدارة الأزمة في الاتحاد الأوروبي، والتي أظهرت مستويات عالية من عدم اليقين، وقد يستغل اليمين الشعبوي ازمة الهجرة، إذا ما تفاقم الوضع مجددا مع تركيا، فضلا عن الاختلافات حول آلية التعامل مع اللاجئين الموجودين في الجزر اليونانية.