عدا عن إثارة فيروس كورونا الجديد لمخاوف جادة في صفوف القيادات العسكرية في دولة الاحتلال الإسرائيلي، من تداعياته الإقليمية على الأمن والوضع الاستراتيجي، فإن استمرار الجائحة وما ستسببه من أضرار في الاقتصاد الإسرائيلي قُدرت بـ260 مليار شيقل (نحو 72 مليار دولار)، يهدد باضطرار جيش الاحتلال إلى تأجيل خطط وبرامج لإدخال إصلاحات على مبنى الجيش وهيكله والمهمات الملقاة على عاتقه.
وأشار تقرير نشره موقع "يديعوت أحرونوت"، اليوم الأربعاء، إلى أن تبعات كورونا على الاقتصاد والمجتمع في إسرائيل تهدد البرامج والخطط الرامية إلى إعداد الجيش وضمان جاهزية وقدرة فاعلة على شنّ حرب على جبهتين في الوقت نفسه، وصد فتح جبهة ثالثة، كل ذلك بموازاة عمليات الإنقاذ وإدارة شؤون الجبهة الداخلية للمجتمع المدني.
وبحسب التقرير، فإن سيناريوهات هذه الخطط انقلبت الآن رأساً على عقب، لا لأن الجيش يقود مكافحة جائحة كورونا، لكنه يضطلع بمهمات إسناد كبيرة للمواطنين والأجهزة المدنية، مثل الشرطة وخدمات الإسعاف، وتقديم المساعدات اللوجستية في توزيع الوجبات الغذائية على الناس الموضوعين تحت الحجر الصحي، وتعزيز تطبيق أوامر وتعليمات منع الخروج من البيوت. وبفعل التداعيات والآثار الاقتصادية المترتبة عن الأزمة، من شأن أحداث الشهر الأخير أن تكون لها إسقاطات "خطيرة" على الجيش، بحسب التقرير المذكور.
ويأتي ذلك في ظل استعدادات متزايدة في الجيش، لأن يتولى كلياً وبشكل قاطع مسؤوليات إدارة الحياة المدنية في إسرائيل وفق تعليمات وأنظمة الطوارئ التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية لمنع تفشي الوباء والحد منه. في المقابل، يواصل الجيش العمل على الإبقاء على جاهزية قتالية كاملة في الميادين والساحات الأخرى، إلى حد إعلان حالة التأهب والاستنفار التامتين في سياق مواجهة سيناريوهات اندلاع مواجهة عسكرية مقابل قطاع غزة.
ويؤكد التقرير أنه في غضون ذلك، وبفعل عدم وجود حكومة مستقرة ولا ميزانية سنوية رسمية، فقد تضررت عملية بناء القوة العسكرية وخطط القتال على المدى البعيد، علماً بأن خطة السنوات الخمس التي وضعها رئيس الأركان الحالي، أفيف كوخافي، وللسنوات الخمس المقبلة تحت اسم "تنوفا"، كانت تهدف إلى تعزيز قوة الجيوش البرية القتالية ودورها، وذراع مستقلة للسايبر، وهي الخطة التي تأتي لإكمال ما بدأت به خطة "غدعون" التي كان قد وضعها رئيس الأركان السابق، غادي أيزنكوت.
ووفقاً للتقرير، كانت خطة "تنوفا" تهدف إلى إحداث تغيير حاد في قدرات المناورات الفتاكة للجيوش البرية، سواء في الاحتياط أو الجيش النظامي، وتحسين قدرات الجيش في خوض حرب على عدة جبهات، وترشيد عمليات جمع المعلومات وتحليلها من قبل أضلع الاستخبارات المختلفة، سواء شعبة الاستخبارات العسكرية أو أذرع السايبر الجديدة، وبناء "بنك أهداف كبير" يكون جاهزاً عند الحاجة. ويشير تقرير "يديعوت أحرونوت" إلى أنه كان من المفروض في مسعى بناء القوة العسكرية أن يحصل الجيش على عتاد عسكري جديد ومتطور، بما في ذلك مروحيات عسكرية قتالية من طراز "يسعور"، وطائرات لتزود بالوقود جواً ومقاتلات من طراز "إف 35"، كذلك كان يفترض أن يزود سلاح البحرية بغواصتين جديدتين من طراز "دولفين"، وأربع سفن حربية من طراز "مغين".
وكان يفترض أن يتم ذلك مع إقرار الميزانية الجديدة لعام 2020 على مدار خمس سنوات متتالية عبر الاعتماد أساساً على أموال الدعم العسكري الأميركي، والقسم الآخر الذي يصل حجمه إلى 30 مليار شيقل سنوياً، من الضرائب التي تجبيها الحكومة، فضلاً عن ميزانية إضافية بـ4 مليارات شيقل يعتزم رئيس الوزراء المنتهية ولايته، بنيامين نتنياهو، إقرارها في سياق الاستعدادات لحرب محتملة ضد إيران.
وخلص التقرير إلى أنه في ظل التداعيات المحتملة لأزمة كورونا، سيضطر الجيش حالياً إلى التنازل عن تطبيق أجزاء واسعة من الخطة الخمسية "تنوفا"، وذلك بهدف المحافظة على قدرته وجاهزيته القتالية لمواجهة أي تصعيد عسكري، سواء على الجبهة الجنوبية مع قطاع غزة، أو لاندلاع حرب في الجبهة الشمالية، تندلع بموازاتها النيران على جبهة غزة.
ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى استدعاء القوات البرية المختلفة للانخراط في المواجهة العسكرية بقوة فتك أقل مما يراد لها وبدرجة تدريب أدنى مما كان يمكن أن ينجزه لولا تفشي جائحة كورونا. ونتيجة لذلك، فقد تكون المواجهة العسكرية المقبلة أطول، ما ينذر أيضاً بسقوط عدد أكبر من القتلى في الجبهة الداخلية وفي صفوف الجيش. وحتى في حال انتهاء المواجهة المقبلة بحسم لمصلحة إسرائيل، فإن ذلك لن يمنع مشاعر مرارة في صفوف الجمهور الواسع، ويضر بأثر قوة الردع على العدو.
ويرى التقرير أن إسرائيل قد تجد نفسها وحيدة إذا قررت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانطواء والعزلة لمواجهة تحدياتها داخلياً، ما يعني أنه لن يكون ممكناً بالضرورة الاعتماد عليها عند الضائقة.