كيف تستقبل هولندا اللاجئين؟

01 أكتوبر 2015
فاتنة محيليه، مندوبة في مؤسسة اللاجئين الهولندية (العربي الجديد)
+ الخط -
فاتنة محيليه، فلسطينية، تحدّثنا عن حال اللاجئين؛ تسكن في هولندا وتعمل مندوبة في مؤسسة اللاجئين الهولندية؛ وهي مؤسسة حكوميّة تتبع للدولة الهولنديّة وقوانينها، تعتمد بالأساس على العمل التطوعيّ، منتشرة في كافة قطاعات الدولة، تعنى بشؤون اللاجئين بعد حصولهم على الإقامة القانونية أو وثائق انتظار الإقامة.


*كيف تستقبل هولندا اللاجئين؟ ما هي الإجراءات والآليات المُفعّلة للتعامل مع هذه الحالات الوافدة ؟
وفقا للمادة الرابعة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: "لكل فرد الحق في أن يلجأ إلى بلاد أخرى أو يحاول الالتجاء إليها هربًا من الاضطهاد". هولندا هي واحدة من الدول الأوروبية التي تمنح اللجوء وتتبع أيضًا "لمعاهدة دبلن، التي وقّعت عليها دول الاتحاد الأوروبي في سبيل تنظيم إجراءات اللجوء وتحديد الدولة المختصة وفقًا لبنود المعاهدة. 
تستقبل هولندا اللاجئين في إحدى الحالات الأساسيّة التالية: أن يكون اللاجئ في حالة من الخوف المبرر من الملاحقة القانونيّة بسبب انتمائه الدينيّ، العرقيّ، أو فكره السيّاسيّ أو جنسيته أو الجماعة التي ينتمي إليها، أو حالة الخوف من التعذيب أو حكم الإعدام أو المعاملة المهينة في البلد الأم، أو الخوف من العنف العشوائي كالنزاع المسلح الذي لا يُمكّن الفرد من العيش بأمان.

بالتّزامن مع وصول اللاجئ إلى الأراضي الهولنديّة، يتوجّب عليه تقديم طلب لجوء في أقرب مركز شرطة -هذا في حالة وصوله برًا-. أما القادم جوًا فعليه القيام بذلك عبر مكتب الهجرة والجوازات في المطار. الإجراءات في المطار سريعة نسبيًا، تستغرق على الأكثر عشرة أيام يتم خلالها تجميع الناس بمساكن مخيم لجوء في سبيل دراسة حالة كل لاجئ على حدة، وإجراء تحقيق أولى معه بوجود محام ومترجم، لتعاد الكرّة بعد ثلاثة أيام بإجراء تحقيق ثانٍ في سبيل المواءمة بين التفاصيل والتحقق من صدق الإفادة. بعد ذلك ترفع أوراقه للقاضي الذي بدورة يصدر قراراً قضائياً بمنحه إقامة. ذات الإجراءات تتم أيضا مع اللاجئين الوافدين برًا حيث يتمّ جمعهم في معسكرات لجوء والتحقيق معهم. إجراءات القادمين برًا تستغرق وقتًا أكبر إلا أن القانون الهولندي حدد فترة ثلاثة عشر أسبوعا كمدّة قصوى لإنهاء الإجراءات والبتّ في الإقامة.

*ماذا يحدث في حال رفض القاضي منح اللاجئ إقامة رسميّة؟
رفض القاضي لمنح إقامة رسميّة يرجح عادة إلى حالتين؛ إمّا أن يكون اللاجئ تابع في إجراءات اللجوء لدولة أخرى في الاتحاد الأوروبي وفقًا لاتفاقية بصمة دبلن، ويتم بهذه الحالة إعادته إلى الدولة صاحبة الاختصاص. أما الحالة الأخرى فتكون على الأرجح نتيجة تضارب في إفادة اللاجئ. القانون الهولندي يسمح بالاستئناف على قرار القاضي ويمنح أحيانا إقامة انتظار في سبيل إتمام الإجراءات والتحقق من ملاءمته لشروط اللجوء.
وفي حال الرفض التام لمنح الإقامة الرسمية يتم ترحيل اللاجئ وإعادته إن أراد عبر الطائرة إلى بلده. جدير بالذكر أن هناك حالات ترفض اقتراح الدولة الهولندية بترحيله عبر الطائرة مدعيًا رغبته بالرحيل بشكل مستقل، ليبقى هناك أو في دولة أوروبية أخرى بطريقة غير شرعية.

*ماذا توفّر مؤسسة اللاجئين الهولنديّة، ما هي الجوانب التي تغطيها في حياة اللاجئ؟
تسعى المؤسسة بالدّرجة الأولى لتوفير الأمن والأمان، القوت والكفاف ثمّ العلاج النفسيّ. حصول اللاجئ على الإقامة الرسميّة يعني حتميّة بقائه تحت رعاية مؤسسة اللاجئين؛ تقوم المؤسسة بالخطوة الأولى بمنح بيت مستأجر وتأمين اللاجئ صحيّا ثم تقديم أوراقه لصرف راتب معونة اجتماعيّة وهي ذات المعونة التي يقبضها المواطن الهولندي الذي لا يعمل. يتم فرز البيوت ورواتب المعونة الاجتماعية بالتوافق مع الحالة الاجتماعية للفرد (أعزب، متزوج، مع أطفال أو بدون).

كما وترافق المؤسسة اللاجئ عبر تأمين بيئة تعليميّة له عبورًا من تعلّم اللغة حتى تعلّم سبل الاندماج في المجتمع الهولندي.

أما بالنسبة للعلاج النفسيّ، فالقانون الهولندي يمنح اللاجئ إرشاداً نفسيّاً واجتماعياً لمدة ثمانية عشر شهرًا، بالإضافة إلى الإرشاد القانونيّ.

*ماذا عن منح الجنسيّة الهولندية؟ ما هي الشروط التي تضعها هولندا أمام اللاجئ في سبيل الحصول على الجنسيّة؟
تشترط الدولة أن يكون السجّل الجنائي لطالب الجنسيّة نظيفًا إلى جانب شرط مرور خمس سنوات على إقامة الفرد فيها، إضافة إلى حتميّة اجتياز امتحان تجريه الدولة الهولنديّة يقوم بفحص جاهزيّة الفرد للانخراط بالمجتمع الهولندي، الامتحان مبني على خمس ركائز: أساسيات اللغة الهولنديّة، التاريخ الهولندي، هولندا حضارة ومعالم، مهارات الانخراط في المجتمع الهولندي والانخراط في سوق العمل الهولندي. عدم اجتياز الامتحان بمركباته الخمسة لا يتيح التجنّس.

*ماذا تضيف الجنسيّة الهولنديّة للإقامة الرسميّة التي يحصل عليها اللاجئ؟
حصول اللاجئ على الإقامة الرسميّة بأمر من القاضي محدد لمدة خمس سنوات، قُبيل انتهاء هذه المدّة يحقّ للاجئ التقدّم بطلب الحصول على الإقامة الدائمة، التي تساوي الحصول على الجنسيّة الهولنديّة باختلاف بسيط؛ لا يحق له حق الانتخاب والترشح. بالإضافة إلى أن الحاصل على الجنسيّة الهولندية تفتح بوجهه أبواب أوروبا.

*برأيك، أيّ الصعوبات يواجهها اللاجئون في هولندا؟
تندرج الصعوبات تحت مستويين: المستوى العمليّ وصعوبة التأقلم والمستوى النفسيّ والعاطفيّ. يحمل اللاجئ على كاهله الاغتراب القصريّ منكشفًا عاريًا أعزل أمام مجتمع جديد يحمل همّ الوطن المصلوب والمستقبل الغائب وراء مخاوف المصير المجهول، والخوف من قذف الغربة لهم نحو الهامش.

صعوبة اللغة الجديدة ومرحلة التأقلم مع المجتمع المختلف تماما، هي الصعوبات الأوليّة التي يواجهها اللاجئون، تليها مع الزّمن صعوبة الفرصة والعمل، الفرصة بالنسبة للاجئ تكاد تكون متلاشيّة وعليه أن يحارب من أجلها أضعاف ما يحارب الأوروبيّ، فالفرصة في أوروبا موزعة على أبناء البلد بالدرجة الأولى وأبناء الاتحاد الأوروبيّ فكم بالحال إذا كان لاجئاً مثقلاً بالهمّ والنقص.

أما على المستوى العاطفيّ فاللاجئ محمّل بالأزمات، أقساها أنّه يحمل الشتات والهزيمة في داخله، إنّ ما يدركه اللاجئ بعد رحلته الشّاقة إلى أوروبا؛ أنّه لم يترك السّجن في وطنه إنّما حمله في داخله مع جدران من الهزيمة والخسارة والشتات، اللاجئ يأتي إلى أوروبا معتقدًا أنّه ظاهرة أو حالة عرضيّة تستدعى الاستهجان لكنّه سرعان ما يصطدم مع حقيقة "تسونامي اللجوء"، ذات التسونامي الذي يُذكّره انّه عربيّ هارب من خوفه، والخوف لم يُفارقه ليكون اللقاء مع الحريّة شكليًّا في غياب الحريّة عن دواخلهم.

*ماذا عن المبادرات العربيّة لسكان هولندا من المواطنين العرب؟
لا شك هناك مبادرات عربيّة لكنّها قليلة، أُرجّح شحّها إلى سببين رئيسيين وهما غياب التمويل الماديّ وغياب المشاركة. العرب في أوروبا وبالأخص اللاجئون يعانون من رهبة اللقاء مع العربي الآخر والوثوق به، لربما هي حالة من الهروب والخوف تشبه حالة الانطواء العربيّ في الأوطان العربيّة.

(فلسطين)