في مخيّمات اللجوء وفي بلدان الشتات، عموماً، يعيش فلسطينيون شهدوا نكبة 1948، وهربوا من عصابات الصهاينة التي اجتاحت بلداتهم فهجّرتهم منها. في ما يأتي حكاية كل من روقية يوسف أبو ليلى، التي تسكن اليوم منطقة سيروب القريبة من مخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان، وكذلك إبراهيم عبدالله، الذي استقرّ في مدينة صيدا الجنوبية.
يوم خرجت روقية أبو ليلى من فلسطين، كانت تبلغ من العمر 15 عاماً. حدث ذلك "إثر مجزرة دير ياسين، التي ارتكبها الصهاينة بحقّ الشعب الفلسطيني في عام 1948". تحكي اللاجئة الفلسطينيّة عن بلدتها منشية عكا. تقول: "تقع على شاطئ البحر. هي ليست جبلية، لكن وراءها تلاً هو تل الفخار. هناك عند التلّ، كان الثوار يدافعون عن البلدة. كنّا نياماً حين جاء هؤلاء وطرقوا باب بيتنا وطلبوا منا الخروج من البلدة. فالصهاينة كانوا قد استولوا على تلّ الفخار. وكانت مزارع اليهود بالقرب منا. هم كانوا جيراننا ويعيشون بيننا ومعنا. لم يكونوا هم الذين قاموا بأذيتنا. مكثنا في مزارعهم لبعض الوقت في حظيرة".
تضيف: "كان معنا أطفال، هم أولاد عمي. وكان قد مضى على زواجي أسبوع فقط. فذهبت وزوجي إلى بيتنا لإحضار بعض الأطعمة والملابس. لكن عمي لم يدعني أحمل ما جمعته من ثياب، قائلاً: أسبوع واحد فقط ونعود إلى البيت".
تتابع أبو ليلى سردها قائلة: "خرجنا إلى بلدة تدعى كفر يسيف، معظم سكانها من المسيحيين. مكثنا هناك عشرة أيام، لنتوجه بعدها إلى بلدة جولس التي يقطنها دروز وبقينا في مدرسة. وبينما نحن في تلك المدرسة، رأينا الدبابات الصهيونية تدخل البلدة بالتزامن مع مجزرة دير ياسين".
وتتوقّف لتشدّد على أن في تلك المجزرة، "قتل الصهاينة النساء واغتصبوهن وقتلوا الأطفال والشيوخ والشباب بطريقة لا يتصورها عقل إنسان. عندها، صار الصهاينة يدخلون معظم المدن والقرى الفلسطينية، في وقت راحت ذخائر الثوار تنفد. هي في الأساس غير نافعة. عندها قرر أهلنا الخروج من فلسطين خوفاً على العرض. تركنا فلسطين على الرغم من معارضة عمي، الذي لم يكن يحمل مالاً. كل ما كان لدينا تركناه في بيوتنا. بعت المجوهرات التي كانت معي، وخرجنا من جولس إلى بلدة ترشيحا. سرنا على الأقدام، وبعدها استأجرنا حمارَين ليركب الأطفال عليهما. وصلنا ليلاً إلى ترشيحا، فجلسنا في ساحة ورحنا نبكي، من ثم رحنا نبحث عن مكان نبيت فيه".
تكمل: "بعدها انتقلنا إلى جنوب لبنان، وتابعنا سيرنا إلى مدينة صيدا، حيث كانت محطتنا بالقرب من جامع الزعتري. من ثم توجهنا إلى حرش بيروت، حيث مكثنا أياماً عدة. لففنا الحرامات كسياج ونمنا في داخله، قبل أن نقصد سورية. بقينا هناك فترة من الزمن، لنعود إلى لبنان ونستقرّ في مخيّم عين الحلوة في منطقة صيدا". ولأن زوجها راح يعمل في بستان في بلدة الغازية القريبة من المخيّم، انتقلت وعائلتها (تسعة أولاد) للسكن هناك. وتشير إلى أنهم عرفوا "أياماً صعبة جداً، أيام فقر وعوز. يا ليتني أعود إلى فلسطين".
اقرأ أيضاً: يوم خرجنا من فلسطين
إبراهيم عبدالله، أو أبو طالب، من عكا أيضاً. خرج من فلسطين عندما كان يبلغ من العمر 16 عاماً. يقول: "وصلت إلى الصف الخامس أساسي. كان أبي موظفاً في الدولة يعمل كسائق جرار زراعي، وحارب الصهاينة في أثناء احتلالهم فلسطين. أذكر أنه قبض مرتبه واشترى بثمنه بارودة وأربعة أمشاط، في الوقت الذي كان كل رجلين من الصهاينة يحملان صندوق ذخيرة". يضيف: "لم تساندنا الدول العربية ولم تحارب في صفنا. الجميع تآمر علينا وعلى قضيتنا".
يتابع أبو طالب: "كان جيش الإنقاذ في تل الفخار. وعندما هاجمها الصهاينة، هرب جيش الإنقاذ ودخل العدو علينا فهربنا. لم نكن نملك السلاح لا سيما ذاك المناسب. فالصهاينة كانوا متحصنين في دبابات، وكان لديهم جيش وعصابات.. الهاغانا، وشتير وأراغول".
ويكمل سرده: "تركنا فلسطين عن طريق المتن. كان الموسم موسم قمح. لقد ظلمنا. صرنا نبيع ذهب نسائنا لنعيش. أما شبابي، فقضيت معظمه لاجئاً". وكمن يحاول التبرير، يوضح: "هربنا من الصهاينة لأنهم عندما دخلوا بلدتنا صاروا يحرقون كل ما يجدونه أمامهم. حرقوا البشر، لا سيّما كبار السن. كذلك اعتمدوا طريقة القتل بالرصاص. عندما خرجنا، كان ذلك لأربعة أو خمسة أيام. لكن الغياب طال لغاية اليوم". ويبدو جازماً وهو يقول: "لو كان السلاح متوفراً مع الثوار الفلسطينيين، لما استطاع الصهاينة احتلال فلسطين وإخراجنا منها".
اقرأ أيضاً: رحيبة تركت فلسطين في موسم الزيتون