اقرأ أيضاً: تفجيرات ضاحية بيروت تمهّد لتفاهمات سياسية... ومنافسة أمنية بالتحقيقات
بات يمكن القول إنّ الحريري يقوم بورشة سياسية عامة على المستوى المحلي بعد أن قرّر الاستفادة من كل الأجواء السياسية الإيجابية التي تبعت الاعتداء الانتحاري الذي استهدف الضاحية الجنوبية قبل عشرة أيام، واستثمار هذه الأجواء التي أشاعها أولاً الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، بدعوته القوى اللبنانية إلى عدم التعويل على تسويات إقليمية أو انتظار حصولها والعمل على إيجاد تسوية عامة في البلد.
وضع الحريري المقرّبين منه في هذه الأجواء يوم الجمعة الماضي، في لقاء الرياض الذي حضره رئيس كتلة المستقبل النيابية فؤاد السنيورة ووزير الداخلية نهاد المشنوق ونائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري، بالإضافة إلى مستشارين أساسيين، منهم النائب السابق غطاس خوري ونادر الحريري وهاني حمود. وفي هذا الإطار، تمّ التعميم على الجهاز الإعلامي المستقبلي بوقف أي هجوم محتمل على حزب الله أو حليفه تكتل الإصلاح والتغيير، كبادرة لتهدئة الساحة وإفساح المجال أمام الكلام والتشاور والنقاش، بحسب ما تنقل مصادر مستقبلية لـ"العربي الجديد".
اقرأ أيضاً: لبنان: جلسة تشريعية أولى تقر 25 بنداً واعتصامات معارضة
بعد ساعات، انتقل الحريري من السعودية إلى فرنسا، حيث استقبل فرنجية في منزله، في لقاء تسلّطت حوله الأضواء الإعلامية والسياسية. فاجتماع مماثل يمكن أن يمهّد لانعطافات سياسية أو أن يشكل محطة رئيسية، لاعتبارات عديدة منها كون فرنجية أحد أبرز المقرّبين من الرئيس السوري بشار الأسد، وأحد أبرز المرشحين لموقع رئاسة الجمهورية، وأكثر الشخصيات السياسية ثباتاً في دعمه لحزب الله والمحور الذي يمثله الأخير. وما زاد الاهتمام بهذا اللقاء، النفي الخجول الذي حاول الطرفان إصداره، كما لو أنهما يحاولان إخفاء شيء عن حلفائهما مع ضجيج إعلامي نصّب فرنجية رئيساً للجمهورية (المنصب شاغر منذ مايو/أيار 2014) بمباركة الحريري. وأعادت هذه الأخبار إلى الأذهان ما عرف بـ"لقاء روما" الذي جمع الحريري بعون في يناير/كانون الثاني 2014 والذي أصرّ الرجلان على نفي حصوله ليعودا ويستكملا البحث الثنائي في لقاءات باريسية وأوروبية جمعت الحريري بصهر عون، الوزير جبران باسيل.
ويأتي النفي تحديداً من جهة فرنجية الذي يقول مقرّبون منه في معسكر 8 آذار لـ"العربي الجديد" إنّ "تكبير حجم اللقاء قد يحمل معه مجموعة من النقاط السلبية والمؤثرة على مسيرة فرنجية، إن كان لجهة توتير علاقاته بحلفائه أو إحراق ورقته الرئاسية". ويضيف هؤلاء أنّ "فرنجية تلمّس إشارات إيجابية من بعض رموز المستقبل"، فوضعوا الأمر في إطار "إمكانية وجود مؤشرات سعودية إيجابية لحلحلة الأوضاع في لبنان".
اقرأ أيضاً: الحوار اللبناني في جلسته العاشرة: تفاهم وتفاؤل على الورق
من جهة أخرى، يقول عضو كتلة المستقبل، النائب الحالي، الوزير السابق أحمد فتفت، لـ"العربي الجديد" إنّ "لقاء الحريري مع فرنجية يأتي في إطار جولة من اللقاءات التي ينوي الحريري عقدها مع القيادات السياسية اللبنانية من دون استثناء أي طرف". يعتبر فتفت أنّ "هذه أولى الجولات التشاورية ولم تنته بعد أصلاً"، مؤكداً على أنّ موقف الحريري حيال الملف الرئاسي لا يزال على حاله: لا إمكانية سوى لانتخاب رئيس توافقي، والتوافق يجب أن يتمّ أولاً بين الزعماء المسيحيين. ولم يلحظ المتحمّسون والمتفائلون بلقاء الحريري مع فرنجية أنّ اللقاء كاد أن يكون لقاء تعارف، باعتبار أنهما لم يلتقيا ثنائياً سوى مرة واحدة واقتصرت التحيات الشخصية وتبادل الأحاديث بينهما على لقاءات جامعة تمّت على طاولة الحوار الوطني. حتى أنّ مسؤولي المستقبل في بيروت متعجّبون من كيفية اقتناع البعض بإمكانية موافقة فريقهم على وصول فرنجية إلى الرئاسة في ظل استمرار حكم آل الأسد في سورية. موقف عبّر عنه الوزير أشرف ريفي (المحسوب على صقور تيار المستقبل) إذ قال إنّ "من يريد ان يتبوأ مركز رئاسة الجمهورية يجب ألا يكون لا من فريق 14 آذار ولا من 8 آذار، وكل شخص مرتبط بالرئيس السوري بشار الأسد لا يمكن أن نراه نموذجاً لتولي رئاسة الجمهورية في لبنان أبدا".
على صعيد آخر، يضع امين السر العام في حزب التقدمي الاشتراكي، ظافر ناصر، رداً على سؤال "العربي الجديد"، لقاء جنبلاط بالحريري في إطار "التواصل الدائم والمستمر بين الطرفين"، مشيراً إلى أنّ "ملفات عديدة حضرت إلى طاولة اللقاء وأولها ملف الشغور الرئاسي الذي يشكّل أولوية لدى جميع الأطراف السياسية".
بين لقاءي روما (2014) وباريس (2015)، تشابه وحذر من فشل جديد، إلا أنّ التفاؤل ممكن على الأقل في أن تساهم هذه اللقاءات و"جولات الأفق" في تسليك عمل الحكومة ومجلس النواب.