يكثر الحديث في جنوب اليمن، حول الهدنة التي بدأت أمس الجمعة، وإمكانية تطبيقها. يكاد يكون اليائسون من تحقيقها، أكثر من المتفائلين بها، لا سيما في المحافظات المنكوبة، كعدن ولحج والضالع وأبين، في ظلّ مخاوف من عدم التزام مليشيات الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح بها، خصوصاً أن تجربة الهدنة الماضية غير مشجّعة.
ووفق كثيرين فإن الهدنة غير المشروطة تضع من يتحكّم بالأرض محدّداً لمسارها، وبالتالي فإن الشارع يضع نفسه تحت رحمة المليشيات، لا سيما أنها لا تحتلّ المدن بشكل كامل. وقد سعت المليشيات للسيطرة على مداخل ومخارج المناطق والمدن، للإمساك بالجانب الإنساني، وجعله ورقة تُجبر الشرعية والتحالف والسكان والمقاومة على الخضوع لمطالبها.
ومن أبرز المطالب التي تسعى إليها المليشيات، هو التحكّم بسير الهدنة من دون شروط مسبقة، تُلزمها بتنفيذها، بما يعني أنها قد تسمح للمساعدات أن تصل وقد تسيطر عليها، كما حصل سابقاً، في ظلّ تراجع دور الأمم المتحدة والمنظمات الدولية.
وعلى الرغم من موافقة الشرعية والتحالف على الهدنة، يشهد الشارع الجنوبي غضباً ضد المبعوث الدولي للأمم المتحدة إسماعيل ولد الشيخ أحمد، حيال الدور الذي يقوم فيه في اليمن. ويقول الناشط المدني مراد محمد لـ"العربي الجديد"، إن "هدنة كهذه هي إنقاذ للمليشيات الحوثية، وقوات الرئيس المخلوع، وتم تفصيلها من قبل المبعوث الأممي لصالح المليشيات، بينما لم يكلّف نفسه بزيارة الدمار، والذي تخلّفه المليشيات، والانتهاكات التي يتعرّض لها المدنيون، من قتل جماعي".
اقرأ أيضاً: التحالف يجدد غاراته على صنعاء قبل ساعات من الهدنة
وكانت بعض الفصائل المسلّحة في إطار "المقاومة" قد أعلنت رفضها لأي هدنة، واعتبرتها بمثابة إنقاذ للمليشيات، والتي تتعرّض لخسائر أمام ضربات المقاومة والتحالف، والتي كانت اليومين الماضيين قد بدأت تفقد إمكاناتها العسكرية، ومُحَاصَرة في زاوية ضيقة، وفقاً لما أفاد به مصدر قيادي في مجلس "قيادة المقاومة" في عدن لـ"العربي الجديد".
وأوضح المصدر أن "المقاومة لم تُبَلّغ رسمياً بموضوع الهدنة، من أي طرف كان، وبالتالي فإنها غير مُلزمة، وستفرض خياراتها على الأرض، لحماية المدن والمواطنين من جرائم الإبادة التي تقوم بها المليشيات".
وكانت منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية، قد أكدت أن عدم وجود أي ضمانات أممية واضحة على أرض الواقع، سيجعل الهدنة فاشلة كما سابقتها، لا سيما أن هناك مساعدات إنسانية وإغاثية متواجدة على مداخل عدن، ولم يتم السماح لها بالدخول.
واتهمت منظمات حقوقية، وهيئة الإغاثة اليمنية العليا، المليشيات بـ"نهب مساعدات على مداخل مدينة عدن التي تعيش حالة غير مسبوقة من البؤس طبياً واقتصادياً وأمنياً واجتماعياً، وكانت تنتظر دخول تلك المساعدات". كما اتُهمت المليشيات بـ"منع دخول مساعدات أخرى في انتظار سريان بدء الهدنة". في إشارة إلى أن الآلية الوحيدة المُمكن أن تصل المساعدات الإنسانية عبرها إلى عدن وبقية المدن، هي أن تتواجد المساعدات على مداخل المدن، لتدخل من الساعات الأولى للهدنة، بينما ظلّت المساعدات في الموانئ حين انتهت الهدنة السابقة.
كل ذلك جعل المواطن في عدن والجنوب عموماً، لا يثق بأي هدنة إنسانية، على الرغم من شدّة احتياجه لها، إلا أنه بات متخوّفاً من إمكانية اتخاذ مليشيات الحوثيين والمخلوع الهدنة كسلاح لممارسة المزيد من الحصار والتنكيل ضده، فضلاً عن التزوّد بالسلاح. ويُرجّح بعضهم ألا تُعمّر الهدنة طويلاً في غياب الضمانات من الجميع، لا سيما أن الهدنة لم تشمل المواجهات الدائرة بين "المقاومة" ومليشيات الحوثيين والمخلوع.
واشترطت "المقاومة" في عدن للقبول بهدنة أو الالتزام بها مغادرة المليشيات عدن، فيما تكشف مصادر أن "المقاومة في الضالع رفضت طلباً للمليشيات بالالتزام بهدنة بين الطرفين، طالبة من المليشيات الانسحاب من عدن، لتلتزم المقاومة في الضالع بالهدنة".
ويضيف "من سيستفيد من الهدنة هم أنصار الحوثي وصالح، من خلال الاستيلاء على مواد الإغاثة، ونقل أسلحة إلى الجنوب، مثل ما حصل في المرة السابقة، عندما تمكنت المليشيات، من إدخال راجمات الصواريخ إلى عدن ولحج، وهي الآن تقتل العشرات من السكان المدنيين، وكل ذلك بفضل هدنة فاشلة".
ويُشير إلى أن "مجلس الأمن والمبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ أحمد يتحملان المسؤولية عن فشل الهدنة الفاشلة أصلاً، لأنهما لا ينظران إلى ما يجري في عدن والمحافظات المجاورة، وكأن معاناة المواطنين في هذه المحافظات لا تهمهم. والآن وبعد أكثر من ثلاثة أشهر من الحصار والقصف والنزوح والتهجير القسري، لم يتجرأ أحد على مطالبة المليشيات بتطبيق القرارات الدولية، فكيف سيجبرون المليشيات على احترام الهدنة، وسحب قواتهم من عدن؟".
اقرأ أيضاً: بدء هدنة إنسانية باليمن الجمعة تحت رعاية الأمم المتحدة