27 يوليو 2020
لا عن التحرش... بل عن العدالة الغائبة دائماً!
تابعت باهتمام فضيحة اتهام المنتج الأميركي هارفي واينستين بعشرات دعاوى التحرش والاغتصاب التي وجهتها له شهيرات في عالم هوليوود، منذ اندلاعها، والتي كان من تداعياتها إطلاق حملة me too التي تحث النساء حول العالم على الحديث والإفصاح عما تعرضن له من حوادث انتهاك جنسي..
تابعت وتعاطفت كامرأة، بل وتفهمت ما لهذه الجريمة من تأثير مدمر على نفسية الإنسان رجلا كان أم امرأة، لكنني أتذكر أنه، وأثناء العصف الحاد لهذه الفضيحة، طاول شرر الغضب الكثيرين ممن أدلوا بدلوهم فيها ولو بحسن نية، فلم يسلم من غلواء الغضب والتعنيف حتى من حاول المساندة..
فأتذكر أن أحد أشهر الممثلين الأميركيين خرج ليعلق على الأحداث معلنا أنه مع النساء في مكافحة هذه الجريمة المسكوت عنها، وأنه كزوج وأب لفتيات لا يقبل مثل هذا السلوك ولا يرضيه أبدا، لأتفاجأ بالنسويات في الإعلام الأميركي لا يحتفين بتصريحه، بل يهاجمنه بعنف يصل للتشريح متهكمات على كلامه بما فحواه: يا سلااااام، تزدري التحرش الجنسي لأن لك زوجة وبنات؟! وماذا لو لم تكن زوجا وأبا، هل كان سيصبح التحرش OK؟! تبا لك ولمساندتك ولأمثالك من الذكوريين ممن لا يروننا إلا بمرآة أنفسهم!
والحقيقة أنني استأت أيامها، وشعرت ببداية اتخاذ الموضوع لمنحى متعصب أعمى لا عقل فيه، وقلت في نفسي: بل تبا للمزايدة والمزايدين فلا يأتي من ورائهم خير أبدا! وربما بررت التعصب وقتها بحُمى وحماس البدايات، وتصورت أن أيدٍ واعية ستمسك بدفة الموضوع لتحركه في الاتجاه الصحيح، فتجني به المستضعفات والضحايا ثمار العدالة في النهاية كما نتمنى.
لكن حتى الآن، وبعدما ظهرت آلاف الدعاوى بالتحرش الجنسي الذي يصل لحد الاغتصاب حول العالم، أجد الباب وقد انفتح على مصراعيه لتقول كل امرأة: "أنا أيضا ضحية"، وهو أمر مطلوب كطلبنا للعدل ولعقاب المعتدي. أمر منطقي ومفهوم لا أستغربه ولا أشجبه بدعوى الستر والذود عن سمعة الضحية كما يروج البعض. إذ كيف بهم والانتهاك قد وقع ووقعت توابعه التدميرية على جسدها وروحها، وكل همهم التغطية على الجرح المفتوح المتقرح حتى لا يقال إن لديهم مرضى بحاجة للعلاج؟!
لا يحتاج المنصف لاحتقار هذا التوجه ومقاومته، ليس فقط لكونه دفنا للرؤوس في الرمال واستهانة بالظلم الذي طاول المظلومين، بل في الأصل لأنه ترسيخ للظلم وتشجيع للظالم على التمادي طالما يخاف الناس الفضيحة والقيل والقال، وسيتركونه يفلت بجريمته بلا عقاب.
لكن وعلى الجانب الآخر، الادعاء بحوادث التحرش الجنسي يلزمه دليل، ولا يحتاج المنصف لشجب تركه مضغة في الأفواه لتدعي من تشاء على من تشاء بمجرد الخروج والحديث للإعلام! ما يحدث ويتم ترويجه حاليا من آلاف الدعاوى عن وقوع اعتداءات جنسية تضرب في التاريخ لعشرين وثلاثين سنة ضد الشخص، فتقوم بها الدنيا عليه ولا تقعد بدون دليل سوى كلمة المدعية هو افتراء على الحق وتجاوز وظلم في الاتجاه المعاكس.
فهذه التهمة ككل التهم الجنسية مدمرة لسمعة الإنسان ولأسرته ولأولاده ولعلاقته بشريكته فضلا عن تدميرها لعمله. وأن يتم قبول إلقائها هكذا ببساطة ووفقا لرواية المدعية فقط هو تدمير لقيمة العدل نفسها. فما بالنا وحملة شعواء تتلقاها وتنشرها في أرجاء المعمورة مشفوعة "بالصاجات" بلا حسيب ولا رقيب؟! وما تطنطن به المهللات من النسويات بأن ذلك يعد عدلا "قسريا" لكفة ميزان العدالة المائلة أبدا لصالح المعتدين من الذكور أصحاب السلطة والنفوذ هو هراء لا يستحق حتى الجدل.
عمري فوق الأربعين سنة عشتها كلها وأنا أسمع وأقرأ عن ضرورة التمييز الإيجابي لصالح النساء، وتبرير ما ينطوي عليه من غبن ومجافاة للحق بأنه مرحلة لازمة حتى نصل لتأصيل العدل والمساواة بين الجنسين. ولم نصل بقلة العدل للعدل أبدا، ولن نصل. وما زلنا ندور في دوائر الشد والشد المضاد بلا تأصيل لأية قيمة طيبة للأسف. والوضع النسوي في كل مكان أكثر تدهورا. والنساء يعانين الظلم الأصلي، وعليه مغبة محاولة دفعه بظلم مضاد.
قبول الاعتداء على سمعة الأفراد وانتهاك حياتهم بسيوف الكلمة الصادرة من أية مدعية هو ظلم فادح، حتى ولو كان الشخص مذنبا وأفلت من العقاب لعدم وجود دليل. وأول نتيجة لهذه الفوضى والغوغائية والتهليل من النسويات هو ضياع الحق الذي يقصدن إثباته. سينقلب الموضوع بالكامل، وسيتم تشويهه تماما، وسيتم الترويج المضاد لحالات التلفيق والاتهام الزور بغية المال أو المركز أو الانتقام، وستنتشر قصص المظلوميات المضادة للرجال المدمرين ضحايا الافتئات والتجني وحمى الانتقام على المشاع، وسنعود لنقطة الصفر وربما تحتها.
وكما أننا لا ندعو للتغطية والطمس وادعاء الطهارة وسلوك الجُبن كالنعام، فنحن أيضا لن نعيد اختراع مبادئ العدالة والمنطق. لا طريقة لمحاربة الظلم إلا بالعدل. وأبسط قواعده أن تكون البينة على المدعي، وأن يظل المتهم بريئا حتى يُقضى بإدانته، وأن نؤمن أن انتهاج غير هذا الطريق لن يصل بالضعيف المظلوم إلا للمزيد من المعاناة. فإما أنه سينتهي متلقيا للمزيد من الظلم لأنه لم يتمسك بالعدل الذي ينادي به، أو سينتهي منتقلا بنفسه لخانة الظالمين، ويا له في الحالين من بؤس!
تابعت وتعاطفت كامرأة، بل وتفهمت ما لهذه الجريمة من تأثير مدمر على نفسية الإنسان رجلا كان أم امرأة، لكنني أتذكر أنه، وأثناء العصف الحاد لهذه الفضيحة، طاول شرر الغضب الكثيرين ممن أدلوا بدلوهم فيها ولو بحسن نية، فلم يسلم من غلواء الغضب والتعنيف حتى من حاول المساندة..
فأتذكر أن أحد أشهر الممثلين الأميركيين خرج ليعلق على الأحداث معلنا أنه مع النساء في مكافحة هذه الجريمة المسكوت عنها، وأنه كزوج وأب لفتيات لا يقبل مثل هذا السلوك ولا يرضيه أبدا، لأتفاجأ بالنسويات في الإعلام الأميركي لا يحتفين بتصريحه، بل يهاجمنه بعنف يصل للتشريح متهكمات على كلامه بما فحواه: يا سلااااام، تزدري التحرش الجنسي لأن لك زوجة وبنات؟! وماذا لو لم تكن زوجا وأبا، هل كان سيصبح التحرش OK؟! تبا لك ولمساندتك ولأمثالك من الذكوريين ممن لا يروننا إلا بمرآة أنفسهم!
والحقيقة أنني استأت أيامها، وشعرت ببداية اتخاذ الموضوع لمنحى متعصب أعمى لا عقل فيه، وقلت في نفسي: بل تبا للمزايدة والمزايدين فلا يأتي من ورائهم خير أبدا! وربما بررت التعصب وقتها بحُمى وحماس البدايات، وتصورت أن أيدٍ واعية ستمسك بدفة الموضوع لتحركه في الاتجاه الصحيح، فتجني به المستضعفات والضحايا ثمار العدالة في النهاية كما نتمنى.
لكن حتى الآن، وبعدما ظهرت آلاف الدعاوى بالتحرش الجنسي الذي يصل لحد الاغتصاب حول العالم، أجد الباب وقد انفتح على مصراعيه لتقول كل امرأة: "أنا أيضا ضحية"، وهو أمر مطلوب كطلبنا للعدل ولعقاب المعتدي. أمر منطقي ومفهوم لا أستغربه ولا أشجبه بدعوى الستر والذود عن سمعة الضحية كما يروج البعض. إذ كيف بهم والانتهاك قد وقع ووقعت توابعه التدميرية على جسدها وروحها، وكل همهم التغطية على الجرح المفتوح المتقرح حتى لا يقال إن لديهم مرضى بحاجة للعلاج؟!
لا يحتاج المنصف لاحتقار هذا التوجه ومقاومته، ليس فقط لكونه دفنا للرؤوس في الرمال واستهانة بالظلم الذي طاول المظلومين، بل في الأصل لأنه ترسيخ للظلم وتشجيع للظالم على التمادي طالما يخاف الناس الفضيحة والقيل والقال، وسيتركونه يفلت بجريمته بلا عقاب.
لكن وعلى الجانب الآخر، الادعاء بحوادث التحرش الجنسي يلزمه دليل، ولا يحتاج المنصف لشجب تركه مضغة في الأفواه لتدعي من تشاء على من تشاء بمجرد الخروج والحديث للإعلام! ما يحدث ويتم ترويجه حاليا من آلاف الدعاوى عن وقوع اعتداءات جنسية تضرب في التاريخ لعشرين وثلاثين سنة ضد الشخص، فتقوم بها الدنيا عليه ولا تقعد بدون دليل سوى كلمة المدعية هو افتراء على الحق وتجاوز وظلم في الاتجاه المعاكس.
فهذه التهمة ككل التهم الجنسية مدمرة لسمعة الإنسان ولأسرته ولأولاده ولعلاقته بشريكته فضلا عن تدميرها لعمله. وأن يتم قبول إلقائها هكذا ببساطة ووفقا لرواية المدعية فقط هو تدمير لقيمة العدل نفسها. فما بالنا وحملة شعواء تتلقاها وتنشرها في أرجاء المعمورة مشفوعة "بالصاجات" بلا حسيب ولا رقيب؟! وما تطنطن به المهللات من النسويات بأن ذلك يعد عدلا "قسريا" لكفة ميزان العدالة المائلة أبدا لصالح المعتدين من الذكور أصحاب السلطة والنفوذ هو هراء لا يستحق حتى الجدل.
عمري فوق الأربعين سنة عشتها كلها وأنا أسمع وأقرأ عن ضرورة التمييز الإيجابي لصالح النساء، وتبرير ما ينطوي عليه من غبن ومجافاة للحق بأنه مرحلة لازمة حتى نصل لتأصيل العدل والمساواة بين الجنسين. ولم نصل بقلة العدل للعدل أبدا، ولن نصل. وما زلنا ندور في دوائر الشد والشد المضاد بلا تأصيل لأية قيمة طيبة للأسف. والوضع النسوي في كل مكان أكثر تدهورا. والنساء يعانين الظلم الأصلي، وعليه مغبة محاولة دفعه بظلم مضاد.
قبول الاعتداء على سمعة الأفراد وانتهاك حياتهم بسيوف الكلمة الصادرة من أية مدعية هو ظلم فادح، حتى ولو كان الشخص مذنبا وأفلت من العقاب لعدم وجود دليل. وأول نتيجة لهذه الفوضى والغوغائية والتهليل من النسويات هو ضياع الحق الذي يقصدن إثباته. سينقلب الموضوع بالكامل، وسيتم تشويهه تماما، وسيتم الترويج المضاد لحالات التلفيق والاتهام الزور بغية المال أو المركز أو الانتقام، وستنتشر قصص المظلوميات المضادة للرجال المدمرين ضحايا الافتئات والتجني وحمى الانتقام على المشاع، وسنعود لنقطة الصفر وربما تحتها.
وكما أننا لا ندعو للتغطية والطمس وادعاء الطهارة وسلوك الجُبن كالنعام، فنحن أيضا لن نعيد اختراع مبادئ العدالة والمنطق. لا طريقة لمحاربة الظلم إلا بالعدل. وأبسط قواعده أن تكون البينة على المدعي، وأن يظل المتهم بريئا حتى يُقضى بإدانته، وأن نؤمن أن انتهاج غير هذا الطريق لن يصل بالضعيف المظلوم إلا للمزيد من المعاناة. فإما أنه سينتهي متلقيا للمزيد من الظلم لأنه لم يتمسك بالعدل الذي ينادي به، أو سينتهي منتقلا بنفسه لخانة الظالمين، ويا له في الحالين من بؤس!