لا نأسف على الإزعاج

16 يوليو 2015
يطرح العمري فكرة"الحياة في سبيل الله،بدلاً من الموت"(العربي الجديد)
+ الخط -
يعد شهر رمضان أحد أهم المواسم التلفزيونية، حيث يزخر بسلاسل ودورات برامجية حد الإغراق، حتى يصاب المشاهد بتخمة الصورة، وسمنة الدراما، وإفراط البرامج الدينية، خصوصاً مع عمليات اجترار وإعادة تدوير باقات من الأفكار وحُزم من الأطروحات المستهلكة، التي لا تقدم جديداً ما عدا القوالب الإخراجية والزركشات المصاحبة لها، ولعل المأزق الحقيقي يتمثل بشكل أدق في طبيعة التصورات والقيم والمبادئ التي يتم ترويجها في البرامج الاجتماعية أو الدينية على حد سواء، وتبقى البرامج الهادفة عملة نادرة، يصعب الحصول عليها والوصول إليها في خضم التيار الهادر وغثاء السيل الهاطل من كل حدب وصوب.


أحد هذه البرامج النوعية التي شكلت تحولاً كبيراً في منظومة الأفكار المعروضة والموضوعات المطروقة، هذا العام، برنامج "لا نأسف على الإزعاج" للدكتور أحمد خيري العمري، الذي استطاع من خلال وجبة دسمة مدتها 10 دقائق هي مدة عرض الحلقات، أن يبث في المشاهد تياراً كهربائياً صادماً يشكل إزعاجاً حقيقياً له، حيث ينشئ نوعاً من التوتر والارتباك في عدد من المسلمات المتكلسة في القيم والمبادئ المرهقة التي باتت عبئاً ثقيلاً وجب تعديلها أو استبدالها، وقديماً قبيل تجدد أو تبدد.

مثلاً يطرح العمري في برنامجه على المشاهد فكرة الاستخلاف في الأرض وإعمارها، والحياة في سبيل الله بدلاً من الموت الذي كثيراً ما نودي به، حتى بتنا نشاهد تأثير فكرة الموت القاتلة في واقعنا المر اليوم. ويخبرنا العمري أن من جد وجد ومن زرع حصد، ومن سار على الدرب وصل، وأن التوكل على الله يعني بالضرورة الأخذ بسننه بعد تأملها ودراستها واستنباطها. وبدلاً من تحريم السؤال وتجريم السائل، يطالبنا العمري بإتقان فن السؤال، والشك المقدم على الثقة العمياء، والطاعة العوراء، وتأجير العقل أو ركنه على الرف! 
وعند الحديث عن التدين يحطم تلك الصورة النمطية المستكينة للمتدين، ويستبدلها بصورة الإنسان المنتج، العامل، الفاعل في المجتمع، الذي يُرى أثر تدينه في أعماله ومساعيه لا في أقواله وهيئته وما يدعيه.

"لا نأسف على الإزعاج" برنامج مزعج بحق، يثير توتراً وارتباكاً في كل من يشاهده، وإن التوتر المحمود والارتباك المنشود، هما انفعالان واجب توفراهما عند المشاهد، حينما يصاب جدار مسلماته وأفكاره الصلد بشروخ نتيجة تفاعلاته مع ما يشاهد، وكل عملية تأمل لا تحدث توتراً وارتباكاً لديه، ليست إلا اجتراراً لما تم هضمه من قبل. لذا علينا أن نبحث دوما عما يقلقنا ويزعجنا، ولا يأسف الدكتور أحمد خيري العمري على ذلك الإزعاج!

(البحرين)
دلالات
المساهمون