وظهر ذلك بشكل واضح مع ملامسة النائب عن التيار، زياد أسود، قضية سلاح "حزب الله"، بصراحة غير معهودة من قبل فريقه السياسي، ملوحاً بأن هذا السلاح هو سبب الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان، والتي يتحمّل مسؤوليتها العهد الذي يقود قاطرته الثنائي الشيعي ("حزب الله" وحركة أمل برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري) و"التيار".
وأكد أسود، في لقاء تلفزيوني، أنّه "لا يمكن حمل البارودة (في إشارة إلى سلاح حزب الله) وشعبك جوعان". وأشار إلى أن حزب الله لا يمكنه أن يصمد بمفرده من دون تضامن وطني "حتى لو كان يتواجد في الضاحية (الجنوبية لبيروت، وهي معقل حزب الله) ومحصناً تحت 100 طابق)". كما تحدث عن ضرورة "اقتناع أهل المقاومة أن المقاومة والفساد لن يمشيا (يمرّا)". واستدرك كل هذه المواقف بالإشارة إلى أن هذا الرأي هو ما تقوله الولايات المتحدة.
وقد عزّز صهر الرئيس، والطامح للوصول إلى القصر الجمهوري، رسائله تجاه "حزب الله"، في كلمته الأخيرة (في 17 مايو/أيار الحالي)، التي أكد فيها استعداده لأي "تضحية وخطوة تجاه الآخرين من أجل إنقاذ البلد، وتحسين العلاقة مع أي طرفٍ خارجي، إذا هذا يساعد لبنان على النهوض ولا يمسّ بسيادتنا". ولا يمكن فصل هذا الموقف عن خشيته من احتمال أن تطاوله العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على حزب الله والمتعاونين معه.
وهو أظهر تغييراً في بعض مواقفه بعد لقائه السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيه، في الفترة الأخيرة، لتُستكمل بعدها انتقادات شخصيات بارزة في "التيار الوطني الحر" لممارسات حليفه الاستراتيجي، أي "حزب الله"، وتسويقهم لطرح الفدرالية السياسية وإعادة اللبنانيين المبعدين (العملاء وأسرهم) من دولة الاحتلال الإسرائيلي وباقي البلدان التي انتقلوا إليها.
كما تطرق هؤلاء إلى ملف المعابر غير الشرعية التي يسيطر عليها "حزب الله"، ويشغّلها للتهريب من وإلى سورية، واستخدامهم مصطلح "قوى الأمر الواقع"، وتمسكهم بمعمل "سلعاتا" (لإنتاج الكهرباء) وتهديدهم بانقطاع الكهرباء في حال عدم السير به، وهو الملف الذي صوّت ضده "حزب الله"، وصولاً إلى تصريح عضو مجلس "التيار" السياسي ناجي حايك، بشأن سيطرة "حزب الله" على طريق المطار وعمليات تهريب البضائع التي تتمّ من خلاله.
هذه المعطيات كلُّها طرحت علامات استفهامٍ حول مصير التحالف بين التيار والحزب، الذي ترجم بورقة تفاهم في 6 فبراير/شباط 2006، ضمنت لـ"حزب الله" الغطاء المسيحي داخلياً، والدفاع الرسمي عن سلاحه في المحافل العربية والدولية، وأوصلت ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، وهو الموقع الذي يدرس صهره جبران باسيل جيداً خارطة الطريق للوصول إليه، وهي مدججة بالتنازلات والتسويات.
ويرى النائب السابق الذي ينتمي إلى "حزب الله"، نوار الساحلي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أنّ "الخلافات قد تحصل في وجهات النظر، وهو الأمر الذي أكّده الأمين العام للحزب حسن نصر الله" في مقابلته الأخيرة بمناسبة الذكرى الـ20 لعيد المقاومة والتحرير. وقال نصر الله بشكلٍ واضح إن "التحالف لا يعني أنه لا يجب أن يكون هناك نقد، والعلاقة بين التيار والحزب متينة وقوية ومبنية على رؤية، ومرّت بظروفٍ صعبة واستمرّت". وقد أشار أيضاً إلى أنّ "هناك من يريد لعلاقتنا بالتيار الوطني الحرّ أن تسوء، لكن مصلحة البلد تقضي أن تبقى العلاقة قوية".
ويشدد الساحلي على أنه "بمجرد أن نتحدّث عن اتفاق، فهذا يعني أن هناك فريقين، وإلا لو اتفقنا على الأمور كلها لكنا فريقاً واحداً، وبالتالي فإنّ التحالف يساعد على تنظيم الخلاف بشكل ألا يؤدي إلى إفساد الودّ بين الطرفين". ويلفت النائب السابق إلى أنه "في بعض الأحيان، قد تصدر بعض المواقف، سواء من فريقنا السياسي أو من التيار الوطني الحر، قد لا تعبّر عن رأي الحزب برمّته أو التيار ككلّ، وما حصل خلال الأسبوعين الأخيرين من تصريحات لبعض المسؤولين في التيار، وردود فعل على مواقع التواصل الاجتماعي بين المناصرين، نضعها في خانة الخلافات البسيطة لا الجوهرية"، مؤكداً أن "الاتفاق الأساسي بين القيادتين لا تفسده مثل هذه المواقف".
ويؤكد الساحلي أن التحالف الاستراتيجي الذي حصل بين "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" في العام 2006، كان الأول من نوعه في تاريخ لبنان، بحيث أصبح بمثابة اتفاق خطّي بين فريقين سياسيين من طائفتين مختلفتين قد يمثلان "أكبر قوتين موجودتين" على الساحة اللبنانية، وهما متحالفان استراتيجياً على الأمور الأساسية في البلد. ويرى النائب السابق أنه "وفقاً لذلك، عندما نتكلّم عن اتفاق، فهو بالعناوين الأساسية منها، تلك التي أوصلت العماد ميشال عون إلى سدة الرئاسة والتحالف في أكثرية المناطق لخوض الانتخابات النيابية، وكذلك الاتفاق على تشكيل الحكومات السابقة وغيرها من الملفات والاستحقاقات"، مشدداً على أنه يجب أن نعترف أن "الاتفاق الذي حصل بين حزب الله والتيار الوطني الحر، غيّر من مفهوم البعض في لبنان، وحوّل الخلافات الطائفية إلى سياسية".
من جهته، يرى النائب في "التيار الوطني الحر" ماريو عون، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "تمنيات بعض الأطراف تصبّ في حصول اهتزاز بالعلاقة بيننا وبين حزب الله، وهذا الأمر لن يحصل، إذ لا يوجد خلاف أو تدهور بين الطرفين، لا بل هناك تفاهم حول الأساس والخط الاستراتيجي الذي يربطنا بالحزب، والذي لا يحرق ولا يغرق"، مشدداً على أن "الاتفاق صلبٌ وعميق". ويضع عون المواقف الأخيرة في إطار "وجود تباينات طبيعية في بعض المواضيع التي لدينا مآخذ عليها، لكن التواصل مستمرّ بين مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله، الحاج وفيق صفا، والنائب جبران باسيل، وهناك خلايا سياسية تبحث في الملفات الخلافية لتقريب وجهات النظر والوصول إلى حلول بشأنها".
من جهته، يرى النائب السابق فارس سعيد (كان منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار) في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ أي تباين في وجهات النظر بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" لن يؤدي إلى خلافٍ. ويعتبر سعيد، من وجهة نظره، أن "لا خلاف بين الطرفين لسببين، الأول لأنّ الخلاف عادة يكون في الخيار السياسي، ولا خلاف في ذلك بينهما، حيث إن المقايضة التي تقوم عليها هذه العلاقة لا تزال قائمة، بمعنى أن التيار يؤمن الغطاء المسيحي لسلاح غير شرعي، وحزب الله يؤمن نفوذاً لرئيس الجمهورية وتياره، وهي معادلة لا تزال محترمة من قبل الجانبين". أما السبب الثاني، برأيه، الذي يؤكد أن لا خلاف بين الطرفين، فهو لأن الأول "يُخيف، فيما التيار الوطني الحر يخاف"، بحسب تعبيره، مستبعداً "أن يكون هناك إمكانية للخلاف، في هذه اللحظة بالذات، فالتيار ولو ضاق صدره من علاقته مع حزب الله في نقاط معينة، فلن يُسمَح له بالخلاف".
من جهة أخرى، يرى النائب السابق، أن التيار دخل معركة رئاسة الجمهورية، ولا نعرف ما هي حالة الرئيس عون الصحية، "ونحن لا نعرف حقيقة الوضع الصحي لمن يدير مجتمعنا والشائعات كثيرة، نحن نريد أن نعرف كيف هي صحته، ويحق لنا في هذه العاصفة الهوجاء أن نعرف من هو قبطان السفينة وكيف يتصرف وممّ يشكو صحياً"؟
وبشأن الأثمان التي يمكن أن يدفعها كلا الطرفين في حال حدوث أي خلاف أو "طلاق" بينهما، يقول سعيد، إن "حزب الله لن يدفع أي ثمن، هو فقط سيخسر حليفاً اساسياً، ولكن أحدا منهما لن يتجرّأ على ذلك. ولا مصلحة للتيار أن يواجه أي شيء كلفته أكبر من مردوده".
بدوره، يشير المحامي والناشط السياسي أنطوان نصر الله (قيادي سابق استقال من "التيار الوطني الحر") إلى أنّ المشكلة تكمن في العلاقة بين الطرفين، إذ إنّ "التيار الوطني الحر زاد من منسوب طموحاته ومطالبه، واتكأ على حزب الله للتدخل فيها، بينما الأخير لم يكن صريحاً مع حليفه، الأمر الذي أوصلهما إلى الجدل الحاصل اليوم على الساحة السياسية". ويعتبر نصر الله أن "لا استراتيجية معينة في هذه العلاقة لناحية الملفات الداخلية لا العامة، إذ نرى أن الاثنين يتحدثان عن محاربة الفساد، لكن هل هناك اتفاق بينهما على خوض هذه المعركة سوياً؟ علماً أنهما يتحملان المسؤولية لأنهما من أصحاب التواقيع (في إشارة إلى مشاركتهما في الحكومة)".
ويشير الناشط السياسي إلى أنّ فكّ التحالف بين الطرفين، سيدفع ثمنه غالياً "التيار"، خصوصاً أنّه بعد عامين، سيكون لبنان أمام ثلاثة استحقاقات مهمة، وهي الانتخابات النيابية والبلدية ورئاسة الجمهورية"، لافتاً إلى أن "الانتخابات النيابية تسبق الرئاسية، وسيخسر فيها التيار إذا أقيم الاستحقاق النيابي وفق القانون الانتخابي الحالي، هو الخاسر أيضاً على الصعيد الشعبي، وهذا أمر لا يمكنه الاستمرار في إنكاره". ويعتبر نصر الله أن "تحصيل التيار لمقاعده النيابية الحالية أتى بعد تحالفات غريبة موسعة شملت كل القوى السياسية، الأمر الذي من الصعب أن يتكرر، علماً أنّ تكتله النيابي ("لبنان القوي") هو غير ثابت أصلاً، ورأينا استقالات فيه". ويلفت إلى أنه "لا يمكن غضّ النظر من جهة ثانية عن التسويات التي ستحصل في المنطقة، والتي لمّح اليها أمين عام حزب الله حسن نصر الله".
وبرأي الناشط السياسي، فإن "حزب الله يعيش إشكاليتين، عبء (الغطاء) المسيحي وتفكك جزء من القاطرة الشيعية بسبب الفساد"، متسائلاً أنه "من هذا المنطلق، هل إن جبران باسيل قادر على تأمين الساحة المسيحية لحسن نصر الله كما فعل ميشال عون"؟ ويعتبر أنطوان نصر الله، أخيراً، أن "ملامح اهتزاز التحالف بين الطرفين موجودة، وكلام النائب زياد أسود يلخص الكثير من الأمور، خصوصاً أن هذا المسار في التفكير ليس جديداً، وقد كان بدأه باسيل بعبارة حق إسرائيل بالوجود والأمن".