تلتئم الحكومة اللبنانية اليوم لأنّ على أعضائها الاجتماع ولو من باب "رفع العتب"، حتى بدون إيجاد الحلول للأزمات التي تلحق مجلس الوزراء، بدءاً من أزمة آلية عمله ووصولاً إلى ملفي النفايات والتعيينات الأمنية. يشكو مقربون من رئيس الحكومة، تمام سلام، من "عجز سياسي بات شبه مكرّس نتيجة انعدام الاتصالات وعدم القدرة على إقناع أي طرف حكومي بضرورة تذليل العقبات الموضوعة أمام الحكومة". ينقل هؤلاء عن سلام استياءً شديداً من "تمترس كل فريق خلف جبهة"، إذ بات الرئيس يلمس حجم الصراع والاختلاف والأضداد داخل حكومته.
اقرأ أيضاً: نفايات لبنان باقية واستقالة "سلام" مطروحة
حتى أنّ سلام ردّد أمام زوّار له أكثر من مرة أنه لا يملك "عصا سحرية لحلّ الأزمة الحكومية". يترك رئيس الحكومة "الأبواب مشرّعة أمام كل الاحتمالات"، بحسب ما يقول أحد مستشاريه لـ"العربي الجديد"، أي احتمال الاعتكاف أو الاستقالة أو حتى أخذ عطلة اختيارية من العمل الحكومي ولو أنّ الظرف السياسي يفترض بذل جهود إضافية لإنقاذ آخر المؤسسات الدستورية في ظلّ شغور منصب رئاسة الجمهورية وتعطيل جلسات مجلس النواب. ونتيجة هذا الواقع الذي يعبّر عنه سلام، فإنّ الأخير يتلقى منذ أسبوع رسائل الدعم ومواقف التمسك بحكومته، من الخارج والداخل، وكان آخرها من رئيس مجلس النواب، نبيه بري.
ويبدو سياق جلسة اليوم واضحاً بالنسبة للكتل السياسية، بدءاً من مناقشة آلية عمل الحكومة في ظل غياب رئيس الجمهورية، وهو الملف الذي فرضه تكتل عون على الحكومة في جلساته الثلاث الأخيرة. وتؤكد مصادر وزارية أنّ "العقدة لم تحلّ في هذا المجال، وأنّ النقاش سيتكرّر مرة جديدة دون أي نتيجة". أما نقطة التحوّل فستكون في بحث انتهاء ولاية قائد الأركان في الجيش اللبناني، اللواء الركن وليد سلمان، الذي تنتهي ولايته ليل 6-7 أغسطس/آب الجاري. ومع إصرار تكتل عون على مبدأ التعيين وعدم التمديد لقادة الأجهزة الأمنية، سيطرح وزير الدفاع سمير مقبل مجموعة من الأسماء المقترحة لخلافة سلمان. وتتوقع المصادر الحكومية عدم حصول توافق على أي من الأسماء، وبالتالي سيعمد وزير الدفاع إلى إصدار مرسوم لتمديد ولاية سلمان تحت عنوان "عدم الوقوع في الشغور الأمني".
اقرأ أيضاً: لبنان: وزير الدفاع يبحث مع عون ملف التعيينات الأمنية
من شأن قرار مماثل أن يثير حفيظة تكتل عون، باعتبار أنّ الأخير متمسك بعدم إصدار الحكومة لأي قرار كان قبل بتّ آلية اتخاذ القرار داخل الحكومة ملوّحاً بالنزول إلى الشارع. فيمكن اعتبار قرار التمديد لسلمان صفعة سياسية جديدة لعون، لكون هذا التمديد مقدمة لإمكانية التمديد لقائد الجيش، العماد جان قهوجي، في حين يأتي تمسك عون بمبدأ التعيين وعدم التمديد نتيجة سعيه إلى تنصيب صهره، العميد شامل روكز، قائداً للجيش.
بالتالي، فإنّ الملعب السياسي سيكون مرة جديدة تحت وطأة تهديد قرارات عون "الشعبية" ودعوة مناصريه إلى الاعتصام والتنديد بالمس بـ"حقوق المسيحيين" كما سبق له أن فعل مطلع يوليو/تموز الماضي. حينها، حرّك عون عشرات أنصار التيار الوطني الحرّ (الإطار التنظيمي الذي يرأسه عون) أمام مداخل السراي الحكومي لرفع شعارات "حقوق المسيحيين" التي منها أيضاً تعيين روكز في قيادة الجيش!
اقرأ أيضاً: لبنان... ميشال عون وحيداً في حروبه "الكونية"
وفي هذا الإطار، يشير مسؤولون في التيار الوطني لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "قيادة التيار في أجواء تحضيرات وتعبئة للوقوف عند تطورات جلسة مجلس الوزراء". ويضيف هؤلاء أنّ مجريات الجلسة ستحسم "النزول إلى الشارع من عدمه"، لافتين إلى أنّ "الخطوات الاحتجاجية ستسير بمنحى تصاعدي. ومن بين الاحتمالات التي تجري مناقشتها، إمكانية قطع بعض الطرقات لبعض الوقت". يؤكد المسؤولون على أنّ "هذه الخطوات تبقى حتى الساعة في إطار التحركات الرمزية لا أكثر بانتظار ما ستؤول إليه الأزمة داخل الحكومة". الأمر الذي يعني أنّ احتجاج التيار الوطني الحرّ بزعامة عون لن يتخطى هذه الحدود، تحديداً في ظلّ الحرص العلني لجميع القوى السياسية على المحافظة على الحكومة وعدم إسقاطها نظراً لتداعيات خطوة مماثلة. لكن في الوقت عينه، يساهم واقع الحكومة المعطّلة، في استمرار أزمة النفايات التي سيطرحها الرئيس سلام على الوزراء أيضاً، بالإضافة إلى ملفات أخرى أبرزها "حجم الخسائر المالية التي ستلحق بالدولة ومؤسساتها ومشاريعها نتيجة الأزمة الحكومية"، بحسب ما يشير أحد مستشاري سلام لـ"العربي الجديد"، باعتبار أنّ اللبنانيين سيخسرون ما قيمته 743 مليون دولار، هي عبارة عن منح وهبات وقروض واتفاقات، بحاجة إلى مراسيم أو موافقة مجلس الوزراء العاجز عن اتخاذ القرارات نتيجة سياسة عون المدعوم من قبل وزيري حزب الله.