09 نوفمبر 2024
لبنان: الاعتداء على الانتفاضة
يلوم بعضُهم، تحديداً جمهور السلطة في لبنان، المنتفضين في 17 أكتوبر/ تشرين الأول، على ما آلت إليه الأمور، خصوصاً على صعيد الاستعانة بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. برأيهم، كانت الأوضاع على مشارف التحسّن، أو بكل بساطة "لا لزوم لأي تحرّك اجتماعي أو سياسي في بلد لن يتحسّن". ربما يكون هذا الكلام أقرب إلى الواقعية السوداء في مرحلة ما قبل 17 أكتوبر، على اعتبار أن التدجين كان أقوى من أي تحرّكٍ مبنيٍّ على وعيٍ أو فكرة مناقضة لأفكار السلطة وسلوكاتها. يغيب عن بال هؤلاء أن التراكمات التي سادت في مرحلة ما بعد الحرب اللبنانية (1975 – 1990)، خصوصاً لناحية إدخال المليشيات إلى قلب الدولة، وممارسة عناصرها أفعالا مناوئة للقوانين والمصلحة العامة والشعبية، هي أساس كل ما نعاني منه في بيروت. بل يعتبر بعضهم أن "المرحلة الذهبية" ستنطلق فور البدء بمرحلة التنقيب عن النفط والغاز في البحر اللبناني، وأن الناس ليست صبورةً بما فيه الكفاية لانتظار الخلاص. مع العلم أن التنقيب والتصدير سيخضعان لعوامل عدة، منها الزمن، ومنها سعر السوق في حينه، ومنها تطوّر حجم الطاقة البديلة.
حسناً، كيف يمكن لجمهور انتفاضة 17 أكتوبر الاقتناع بأن الطبقة نفسها التي حكمت لبنان بيد حديدية، برعاية إقليمية، من سورية وإيران والسعودية، هي نفسها من ستخلّصه من مشكلاته؟ كيف يمكن لهذه الطبقة، مثلاً، في بلد صغير كلبنان، أن تعجز عن حلّ مشكلة الكهرباء المزمنة، أو مأساة النفايات، أو سوء البنى التحتية؟ في الموصل العراقية، وهي المدينة التي دمّرها تنظيم داعش قبل تحريرها منه منذ عامين ونيّف، تتواصل أعمال إعادة الإعمار بشكل سريع. الصور الواردة من هناك لافتة للغاية. لا نتحدّث عن اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945)، بل عن بلد قريب منا وضمن جغرافيتنا الإقليمية. لماذا مثلاً يعجز المسؤولون عن تشييد جسر صغير على أوتوستراد ساحليّ حيوي، أو نفق بيروتيّ، حتى أن الأعمال الإنشائية فيهما تمتد سنوات طويلة، بينما يمكن الانتهاء منها خلال أسابيع معدودة؟ أين الصعوبة في إقرار القوانين الناظمة للحياة اليومية بسلاسة في البلاد؟ لماذا لا تتمّ محاسبة كبار المسؤولين، لا الاكتفاء بقصاص صغارهم، إذا حصل، في مختلف مرافق الدولة بسبب فسادهم وهدرهم المال العام، أي مال الضرائب اللبنانية؟ لا أحد يردّ. جميع أنصار أحزاب السلطة مقتنعون بأن المنتفضين هم من "أنصار الطرف الآخر".
تخيّلوا أن هؤلاء لا يرون زعماء الأحزاب من أقصى يمينهم إلى أقصى يسارهم موالين ومعارضين ومستقلين، تجاوروا ويتجاورون في حلقات حكومية ونيابية واجتماعية، يتقاسمون الحصص في البلاد، ويتحالفون ويتخاصمون وفقاً لتوزيع الحصص، من دون اكتراث بهموم الناس وأوضاعهم، ثم يأتون ويلومون كل من تحرّك ضدهم جميعاً. وإن واجهتهم بالحقيقة، يلقون اللوم على بعضهم بعضا، أو لوم المنتفضين. ألم يرَ أنصار الأحزاب كيف تمّت الاعتداءات على الناس العزّل، في بيروت والجنوب والبقاع والشمال وجبل لبنان؟ ألم يرَ هؤلاء كيف أن المنظومة الإعلامية التابعة للسلطة خوّنت الناس، واتهمتهم بالعمالة، فيما أركان السلطة هم أولى بالغضب؟ ألم يرَ هؤلاء كيف أن بياناً واحداً من السفارة الأميركية في لبنان، كان كافياً لمنع أي تطوّر أمني بعد حادثة قبرشمون في عاليه (جبل لبنان) الصيف الماضي، ودفع مسؤولي السلطة إلى احتضان بعضهم بعضاً على حساب شخصيْن قضيا في الحادثة؟
طبعاً، لا يرى هؤلاء سوى ما يعنيهم، ويكتفون بالتصرّف، وكأن الانتفاضة لا تعنيهم على مستوى شخصي، أي من أجل تحرير لبنان من الموبقات السائدة منذ عام 1992. لذلك، قد تحمل الاعتداءات التي تكثفت أخيراً، في طياتها، مستقبلاً أخطر، إذا ما بوشرت الاغتيالات تحت عنوان "قُتل على يد مجهولين"، فالعنف بالنسبة لهم أفضل طريقة لإسكات الحقيقة.
تخيّلوا أن هؤلاء لا يرون زعماء الأحزاب من أقصى يمينهم إلى أقصى يسارهم موالين ومعارضين ومستقلين، تجاوروا ويتجاورون في حلقات حكومية ونيابية واجتماعية، يتقاسمون الحصص في البلاد، ويتحالفون ويتخاصمون وفقاً لتوزيع الحصص، من دون اكتراث بهموم الناس وأوضاعهم، ثم يأتون ويلومون كل من تحرّك ضدهم جميعاً. وإن واجهتهم بالحقيقة، يلقون اللوم على بعضهم بعضا، أو لوم المنتفضين. ألم يرَ أنصار الأحزاب كيف تمّت الاعتداءات على الناس العزّل، في بيروت والجنوب والبقاع والشمال وجبل لبنان؟ ألم يرَ هؤلاء كيف أن المنظومة الإعلامية التابعة للسلطة خوّنت الناس، واتهمتهم بالعمالة، فيما أركان السلطة هم أولى بالغضب؟ ألم يرَ هؤلاء كيف أن بياناً واحداً من السفارة الأميركية في لبنان، كان كافياً لمنع أي تطوّر أمني بعد حادثة قبرشمون في عاليه (جبل لبنان) الصيف الماضي، ودفع مسؤولي السلطة إلى احتضان بعضهم بعضاً على حساب شخصيْن قضيا في الحادثة؟
طبعاً، لا يرى هؤلاء سوى ما يعنيهم، ويكتفون بالتصرّف، وكأن الانتفاضة لا تعنيهم على مستوى شخصي، أي من أجل تحرير لبنان من الموبقات السائدة منذ عام 1992. لذلك، قد تحمل الاعتداءات التي تكثفت أخيراً، في طياتها، مستقبلاً أخطر، إذا ما بوشرت الاغتيالات تحت عنوان "قُتل على يد مجهولين"، فالعنف بالنسبة لهم أفضل طريقة لإسكات الحقيقة.