يعمل عون والمقرّبون منه، منذ يوم الجمعة، على احتواء هذه الخسارة التي حلّت عليهم كالكارثة وضربت "التيار الوطني الحرّ" (الإطار التنظيمي لعون)، إذ أظهرت قائد التيار في موقع غير القادر على المواجهة وتحقيق النقاط السياسية. ويحاول عدد من هؤلاء المقربين تدارك الأمور، فيشير نائب رئيس مجلس النواب السابق، إيلي الفرزلي، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "عون كان بانتظار خطوة التمديد منذ أشهر وهو في هذه الأجواء، لكنه أكد أكثر من مرة أن هذا الملف يستحق المحاولة وبذل الجهد". ويقول الفرزلي، وهو أحد مستشاري عون وأقرب المقربين منه، إنّ الأخير "غير مصدوم لكنه غير مرتاح"، لافتاً إلى أنّ "المعركة قائمة والانقسام قائم، كما أنّ الاحتجاج مستمر بشتى الأنواع والوسائل".
وفي هذا الإطار، تشير مصادر قيادية في التيار لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "الاجتماعات مفتوحة في مقرّ عون في الرابية (شرقي بيروت)، من أجل التوصل إلى خطة عمل نهائية لمواجهة محاولة كسر الجنرال (لقب عون منذ كان قائداً للجيش قبل انتهاء الحرب الأهلية) والحصار السياسي الذي بات مفروضاً عليه". ويمسك هذا الفريق بورقة "اللجوء إلى الشارع" كما سبق له أن فعل الشهر الماضي، فيجري التحضير لبعض التحركات الشعبية التي ستسبق الجلسة المقررة لمجلس الوزراء يوم الخميس المقبل. وتلفت مصادر التيار إلى أنّ "فكرة التحرك موجودة ويجري العمل على بلورتها"، مع تأكيدها على أنّ "هذه التحركات قد تنطلق عشية الجلسة في بيروت ومجموعة من المناطق اللبنانية، على أن تتزامن وتستمر مع الجلسة في اعتصام مركزي في العاصمة". لكن الحماسة العونية سرعان ما تصطدم بالواقع الشعبي الفاتر نتيجة الكثير من العوامل، أبرزها الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والملفات الحياتية للمواطنين والتي يتحمّل الفريق العوني مسؤوليتها، كغيره من الأطراف المشاركة في الحكومة. بالإضافة إلى عدم الثقة السياسية بمجمل الطاقم السياسي.
دفع هذا الأمر العونيين إلى الاحتكام مجدداً إلى اللغة الطائفية والمذهبية ووضع المعركة في إطار "معركة الوجود المسيحي في لبنان والشرق"، علّ هذه الصيغة تحمّس الشارع المسيحي وتحاكي عقول المسيحيين فتحثّهم على التضامن مع حركة عون. انطلقت موجة دغدغة المشاعر المسيحية في كلام "الجنرال" عن أنّ "المسيحيين مهددون لأن مصيرهم اليوم مثل مصير نينوى"، حيث تمّ إخضاع وتهجير المسيحيين وغيرهم من الأقليات بعد اجتياح تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) للعراق.
اقرأ أيضاً التعيينات الأمنية اللبنانية: هزيمة عونية تنقل الصراع للداخل الحزبي
وتحرّكت الماكينة الإعلامية والسياسية العونية في هذا الاتجاه فأشار صهر عون، وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، إلى أنّ "المعركة هي معركة وجود سياسي وبشري لأن من يلغينا في السياسة يلغي بشرنا ويلغي ناسنا"، مطالباً الكنيسة الكاثوليكية بالتحرك "وعدم الوقوف متفرجة على ما يحصل من عملية إلغاء سياسي للمسيحيين في لبنان". كما اعتبر النائب آلان عون، أنّ ملف التعيينات "ليس خسارة أو محاولة كسر للعماد ميشال عون بقدر ما هي لكل المسيحيين"، مضيفاً أنّ "سابقة كسر إرادة المسيحيين خطيرة وهي تعني جميع القوى السياسية المسيحية من دون استثناء".
تصبّ كل هذه المواقف والتصريحات في إطار المحاولة العونية لشدّ عصب المسيحيين واستمالتهم، في حين لا تلقى دعوات عون إلى الاعتصام والتحرك استجابة من قبل حلفائه. وقد أثبتت التجربة الأخيرة التي نفّذها عون في يوليو/تموز الماضي، أنّ أياً من الحلفاء قادر على دعمه في الشارع، تحديداً حزب الله. ويظهر هذا الأمر جلياً في ما قاله النائب العوني وليد خوري، إذ أشار إلى أنّ "حزب الله متضامن سياسياً مع التكتل، لكنه لن ينزل إلى الشارع لأنّ لديه ضوابط في الحكومة ولا يستغني عنها". أي أنّ التضامن السياسي لا يمكن صرفه على الأرض، ولو أنّ مستشاري عون يذكرون بما سبق أن أعلنه الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في خطاب له في العاشر من يوليو الماضي حين قال: "لن نتخلى عن أي من حلفائنا ولن نتخلى عن تحالفنا وعن حليفنا العماد ميشال عون والتيار الوطني الحر". لكن خلاصة معركة التعيينات تقول أيضاً إنّ هذا التحالف لم ينجح في تحقيق المطالب العونية، أو حتى حمايتها، ما يدفع إلى السؤال عن أهمية ووزن مواقف مماثلة تحديداً، وأنّ عون سيُترك من جديد وحيداً في الشارع.
ويقول عدد من المقربين من حزب الله لـ"العربي الجديد"، إن "الحزب لم يجد التوازن اللازم في ملف التعيينات خصوصاً في موقع قيادة الجيش". ويشير هؤلاء إلى أنّ قيادة الحزب لم تجد أيّ مانع من التمديد للجنرال جان قهوجي "نظراً للتجارب الجيدة التي خاضها في ملف الإرهاب وفي معالجة الأمور على الحدود الشرقية مع سورية من خلال التنسيق والتواصل مع الحزب". كما أنّ الحزب وجد نفسه بغنى عن خوض معركة سياسية بهذا الحجم مع تيار المستقبل وقوى 14 مارس/آذار، "باعتبار أنّ المعادلة القائمة في الجيش جيّدة ومستمرة". وبالتالي فإنّ القرار الوزاري بتمديد ولاية قهوجي تمّ بموافقة حزب الله، أو على الأقل بـ"سكوت من الحزب من دون أي يعلن تأييده أو رفضه"، الأمر الذي فهمته قيادات 14 آذار بالموافقة الضمنية، خصوصاً أنّ قرارا بهذا الحجم لم يكن ليمرّ من دون إشارات إيجابية من الحزب.
حتى أنّ مواقف أعضاء كتلة الوفاء للمقاومة (الكتلة السياسية والوزارية لحزب الله) تجنّبت التطرق إلى ملف التعيينات وتحرك عون، ففضل رئيس الكتلة محمد رعد في لقاء شعبي معه الحديث عن القضية الفلسطينية مشيراً إلى أنّ "فلسطين هي هم دائم تحتاج منا إلى أوسع تضامن جدي". أما وزير الصناعة، حسين الحاج حسن، ففضل الحديث عن ملف سلامة الغذاء معتبراً أنّ "العمل على تأمين سلامة الغذاء يجب أن يكون مستداماً وليس مجرد حملة".
يوضح كل هذا أنّ عون بات وحيداً في الشارع وفي السياسة، ولو أنّ عبارات التأكيد على قوة التحالفات وتعاظمها ستستمرّ في الأيام المقبلة، في حين البحث جدي في أروقة حزب الله وقوى 8 آذار عن جائزة ترضية للعونيين لا ترتقي بالتأكيد إلى مستوى خسارة موقع قيادة الجيش.
اقرأ أيضاً لبنان: أولى هزائم عون في معركة التعيينات العسكرية