بدعم من "بيرد لايف إنترناشونال" (جمعية الطيور العالمية) وشريكتها في لبنان "جمعية حماية الطبيعة"، أعددتُ دراسة في عامَي 2013 و2014 لمصلحة "جمعية الطيور العالمية" بيّنتُ من خلالها أنّ معدّل الطيور التي تُقتَل سنوياً في لبنان بطريقة غير قانونية هو مليونان و600 ألف طائر، مع حدّ أدنى يبلغ مليوناً و500 ألف طائر وحدّ أقصى يبلغ ثلاثة ملايين و700 ألف طائر. وقد نشرت تفاصيل هذه الدراسة في إطار موضوع الصيد غير القانوني في منطقة البحر الأبيض المتوسط في عام 2015. وفي الأعوام التالية، أي منذ عام 2016 وحتى اليوم، أقوم بعمليات رصد للبقع السوداء حيث تكثر أعداد قتلة الطيور في لبنان، خصوصاً في مواسم هجرة الخريفية منها وكذلك الربيعية. ومنذ عام 2017، بدأت ألاحظ انخفاضاً طفيفاً في نسبة الطيور المقتولة بطريقة غير قانونية (إمّا مصطادة في غير موسم الصيد وإمّا من خارج لائحة الطرائد المسموح صيدها، وإمّا مصطادة بأعداد تفوق تلك المسموح بها، وإمّا أُخِذت من الأعشاش، وإمّا مصطادة بوسائل الحيلة مثل الشباك والفخاخ والدخان وما إلى ذلك) وكذلك في تلك التي تُحتجَز للاتّجار بها لاحقاً. وفي عام 2018، وصل التدني في نسبة القتل غير القانوني للطيور إلى 19 في المائة بالمقارنة مع نتائج الدراسة المنشورة في عام 2015. أمّا في عام 2019 الجاري، فقد وصلت نسبة تدنّي أعداد الطيور التي تُقتل بطريقة غير قانونية إلى 38.2 في المائة، الأمر الذي يوحى بضرورة معرفة الأسباب التي تكمن وراءه.
في سياق الأسباب، تأتي بالتأكيد التربية البيئية في المدارس وحملات التوعية على كلّ الصعد ودورات تدريب القوى الأمنية وحرّاس الأحراج وحرّاس المحميات على أنواع الطرائد المسموح صيدها وعلى الأنواع المشابهة للمحظور صيدها وكيفية التمييز في ما بينها من قبل الصيّاد ورجال الأمن والضابطة العدلية. لكنّ الخطوات التربوية والتوعوية والتدريبية كانت تحصل في الأعوام السابقة، علماً أنّنا منذ عام 2011 درّبنا نحو 780 فرداً وضابطاً من القوى الأمنية و42 حارس أحراج للتمييز بين المسموح والممنوع اصطياده وللتعرّف على أضرار الصيد الناجمة عن استخدام مادة الرصاص في الخرطوش. إذا ما هو المستجد في عام 2019 حتى تأتي النتائج كذلك؟ أولاً، لا يمكن لأحد أن ينكر أحجام وفعالية حملات التوعية التراكمية عند الناس لحماية الطيور، والمصحوبة بتبيان أهميتها في تلقيح النباتات ونشر البذور والتهام الآفات الحشرية من قبيل يرقات الحشرات التي تفتك بجذوع الأشجار والبعوض والذباب، بالإضافة الفئران والأفاعي والعقارب وغيرها. ثانياً، لا يمكن لأحد أن ينكر ضرورة حماية البيئة ومكوّناتها، خصوصاً عملية حماية الطيور المقيمة والعابرة، وهي حماية تنمو في النفوس ليس فقط على خلفية التوعية إنّما كنتيجة لتقاليد الآباء الموروثة ولأسباب ثقافية مختلفة وأخرى دينية. وللتأكيد على ذلك، يجب الاطلاع على ثقافات المجتمعات المختلفة، فنحن في لبنان ومعظم الدول العربية نتشاءم عند رؤيتنا البومة أو عند سماعنا صوتها، فنقتلها لأنّنا تبنّينا هذا المعتقد من أهلنا، فيما تُعَدّ البومة في الدول الغربية جالبة للحظ الحسن، فيضع الغربيون مجسّمات لها في منازلهم كفأل خير.
بالعودة إلى أسباب انخفاض أعداد الطيور المصطادة بطريقة غير قانونية، نجد أنّنا في لبنان وبعض الدول العربية أخذنا ننغمس رويداً رويداً في إحياء مناسبات عالمية كيوم الطيور العالمي ويوم الطيور المهاجرة العالمي ويوم الطيور المائية العالمي وما إليها. وهي مناسبات تُنشر أخبارها وتُبثّ في وسائل الإعلام التي تدخل إلى كلّ بيت. كذلك نحن ننغمس في ما يسمّى مراقبة الطيور وتصويرها، وهي هواية تمكّن الإنسان من الإقلاع عن قتل الطيور. وأخيراً نذكّر أنّ عام 2019 في لبنان شهد حالة خاصة وهي التشدّد في تطبيق القانون الناتج عن اتفاق ما بين وزارة الداخلية ووزارة العدل ووزارة البيئة، والتشدّد في ضبط الأوضاع وإلقاء القبض على المخالفين ومعاقبتهم ليكونوا عبرة لمن اعتبر. المهمّة صعبة جداً، لكنّ نتائج الاتفاق المشار إليه بدأت تظهر، وباكورتها هبوط نسبة التفلّت من 100 في المائة إلى 61.8 في المائة أي بانخفاض نسبته 38 في المائة تقريباً.
*متخصص في علم الطيور البرية