09 نوفمبر 2024
لبنان حكاية الأشهر الأخيرة
ماذا حدث في الأشهر السبعة الأخيرة؟ دونالد ترامب بات مرشحاً جدّياً لرئاسة الولايات المتحدة. بابا الفاتيكان فرنسيس زار كوبا مرتين، التقى في الأولى قائدها التاريخي فيدل كاسترو، وفي الثانية دشّن أولى خطوات المصالحة الدينية المسيحية، مع رأس أكبر كنيسة أرثوذكسية، البطريرك كيريل. في هذه الفترة أيضاً، رُفعت العقوبات عن إيران، وأضحى السوق الإيراني ساحة رحبة للاستثمارات الخارجية. بدأ الروس قصفهم في سورية لنجدة النظام، والأوروبيون ينوون العودة عن اتفاقية شينغن، وفنزويلا تنهار تحت وطأة الاقتصاد المتهاوي. حركة "فارك" الكولومبية بدأت أولى خطوات التحوّل إلى حزب سياسي. تركيا تستعدّ لتوسيع استخدامها القوة العسكرية إقليمياً. أيضاً وأيضاً، شرّعت اعتداءات فرنسا الأبواب أمام تدخّل أوروبي عسكري واسع في سورية، لاحقاً في ليبيا. انخفض سعر النفط عالمياً، قبل أن يستعيد بعضاً من بريقه، وكوريا الشمالية أطلقت صاروخين باليستيين على سبيل التجربة، كما انتُخبت ملكة جمال قبل تسليم التاج لأخرى.
أما في لبنان، فلا يجوز أن تُعالج مشكلة النفايات فيه، مهما كان الحلّ صعباً أو سهلاً. لا يُمكن لأيٍّ كان تجاوز مسألة تحوّل البلاد إلى أكبر حاوية نفايات في العالم، ما لم يُرفقها بعبارة "أين المواطنون؟". بعد أيام لن تجد العاصمة بيروت من يرفع النفايات عن شوارعها. المطامر المُستحدثة على جنبات الطرق وفي ما تبقّى من أحراج خضراء وعلى الشواطئ البحرية والنهرية، مُرشحة للنمو والتزايد والتكاثر. انظروا إلى مرفأ بيروت ونهر بيروت والأنهر المجاورة. إنه رعبٌ لم نتخيّله يوماً في أسوأ كوابيسنا. بات للأوبئة والأمراض مرقد عنزة في بلاد الـ10452 كيلومتراً مربّعاً. فليحي الشعراء وكتّاب الأمجاد في لبنان بغيظهم. الواقعية أشدّ تأثيراً من الأوهام. في نهاية المطاف، ستبقى النفايات ونحن من سنرحل، إما إلى بلدان أخرى أو إلى دنيا الحق.
ماذا سيحدث؟ لا شيء. سيقتنع اللبنانيون، عاجلاً أم آجلاً، أن إعادة فتح مطمر الناعمة (غرب بيروت)، وفتح بعض المطامر الأخرى، وتسليم راية رفع النفايات لشركة سوكلين مجدداً، هو "الحلّ الأنجع والأمثل" لطيّ صفحة الملف. بالطبع، لن يسأل أحد عن مئات ممّن ماتوا بسبب الأمراض السرطانية والرئوية الناجمة عن توزّع النفايات في كل مكان، ولا عن معالجة آلاف غيرهم. أبداً. هناك ما هو أفضل. هناك زعماء يتصالحون ويتصادمون ويربطون مصير بديهياتنا بصراعٍ كونيّ لا يُغني ولا يُسمن، ويزيّنون لنا أن انتصار محورٍ على آخر في هذا الصراع، هو انتصار لنا. حتى الآن، لم نفهم هذا الأمر، ربما نحتاج لوقتٍ كثير حتى نُدرك أن التفكير في الفوز بحربٍ إقليمية يُتيح لنا رفع النفايات من أمام منازلنا، ومعالجة مشكلات الإدمان على المخدرات في مدننا وقرانا، وتأمين الطبابة والتعليم الكاملين للجميع في لبنان، وإنهاء مسألة السلاح المتنقل والجرائم الفردية، وتأمين الغذاء السليم والمياه النظيفة والكهرباء وتحسين مستوى المواصلات والنقل العام. كم يبدو مثل هذا التفكير سخيفاً أمام "عظمة" المشاريع السياسية الكبرى في الشرق الأوسط.
الأغرب، أننا جميعاً نعلم أن ملف النفايات في لبنان ممسوك بأيدي سماسرة سياسة واقتصاد وأمراء حرب. كلّ يريد حصة مالية، وكلّ يسعى إلى قمع ما نعتقده حرية حقّة. لبنان لم يكن يوماً بلاد حرية، بل وطن عبودية وأُوحى لنا أننا أحرار. أظهرت الأشهر السبعة الأخيرة حجم قدرتنا كلبنانيين، حين نتصرّف وفقاً لخطوط حمراء، موضوعة حكماً في وعينا ولاوعينا. دائماً ما نتصرّف في موضوعٍ مشترك اجتماعياً على أسس طائفية ـ مناطقية ـ سياسية. الحراك وفقاً لهذه الأسس يُكبّل عقلنا وحرية تفكيرنا، وبعد التكبيل يبدأ الصراع النفسي، ونفقد مصالحتنا مع ذواتنا، ويُسيطر الانفصام الشخصي على تصرّفاتنا. هذا ما يُسمّى "الموت البطيء". لا يهمّ، نموت نحن ويحيا لبنان. أليس كذلك؟
أما في لبنان، فلا يجوز أن تُعالج مشكلة النفايات فيه، مهما كان الحلّ صعباً أو سهلاً. لا يُمكن لأيٍّ كان تجاوز مسألة تحوّل البلاد إلى أكبر حاوية نفايات في العالم، ما لم يُرفقها بعبارة "أين المواطنون؟". بعد أيام لن تجد العاصمة بيروت من يرفع النفايات عن شوارعها. المطامر المُستحدثة على جنبات الطرق وفي ما تبقّى من أحراج خضراء وعلى الشواطئ البحرية والنهرية، مُرشحة للنمو والتزايد والتكاثر. انظروا إلى مرفأ بيروت ونهر بيروت والأنهر المجاورة. إنه رعبٌ لم نتخيّله يوماً في أسوأ كوابيسنا. بات للأوبئة والأمراض مرقد عنزة في بلاد الـ10452 كيلومتراً مربّعاً. فليحي الشعراء وكتّاب الأمجاد في لبنان بغيظهم. الواقعية أشدّ تأثيراً من الأوهام. في نهاية المطاف، ستبقى النفايات ونحن من سنرحل، إما إلى بلدان أخرى أو إلى دنيا الحق.
ماذا سيحدث؟ لا شيء. سيقتنع اللبنانيون، عاجلاً أم آجلاً، أن إعادة فتح مطمر الناعمة (غرب بيروت)، وفتح بعض المطامر الأخرى، وتسليم راية رفع النفايات لشركة سوكلين مجدداً، هو "الحلّ الأنجع والأمثل" لطيّ صفحة الملف. بالطبع، لن يسأل أحد عن مئات ممّن ماتوا بسبب الأمراض السرطانية والرئوية الناجمة عن توزّع النفايات في كل مكان، ولا عن معالجة آلاف غيرهم. أبداً. هناك ما هو أفضل. هناك زعماء يتصالحون ويتصادمون ويربطون مصير بديهياتنا بصراعٍ كونيّ لا يُغني ولا يُسمن، ويزيّنون لنا أن انتصار محورٍ على آخر في هذا الصراع، هو انتصار لنا. حتى الآن، لم نفهم هذا الأمر، ربما نحتاج لوقتٍ كثير حتى نُدرك أن التفكير في الفوز بحربٍ إقليمية يُتيح لنا رفع النفايات من أمام منازلنا، ومعالجة مشكلات الإدمان على المخدرات في مدننا وقرانا، وتأمين الطبابة والتعليم الكاملين للجميع في لبنان، وإنهاء مسألة السلاح المتنقل والجرائم الفردية، وتأمين الغذاء السليم والمياه النظيفة والكهرباء وتحسين مستوى المواصلات والنقل العام. كم يبدو مثل هذا التفكير سخيفاً أمام "عظمة" المشاريع السياسية الكبرى في الشرق الأوسط.
الأغرب، أننا جميعاً نعلم أن ملف النفايات في لبنان ممسوك بأيدي سماسرة سياسة واقتصاد وأمراء حرب. كلّ يريد حصة مالية، وكلّ يسعى إلى قمع ما نعتقده حرية حقّة. لبنان لم يكن يوماً بلاد حرية، بل وطن عبودية وأُوحى لنا أننا أحرار. أظهرت الأشهر السبعة الأخيرة حجم قدرتنا كلبنانيين، حين نتصرّف وفقاً لخطوط حمراء، موضوعة حكماً في وعينا ولاوعينا. دائماً ما نتصرّف في موضوعٍ مشترك اجتماعياً على أسس طائفية ـ مناطقية ـ سياسية. الحراك وفقاً لهذه الأسس يُكبّل عقلنا وحرية تفكيرنا، وبعد التكبيل يبدأ الصراع النفسي، ونفقد مصالحتنا مع ذواتنا، ويُسيطر الانفصام الشخصي على تصرّفاتنا. هذا ما يُسمّى "الموت البطيء". لا يهمّ، نموت نحن ويحيا لبنان. أليس كذلك؟