09 نوفمبر 2024
لبنان: حين تُحاصر المصارف وطناً
لا يحتاج المرء إلى كثيرٍ من الذكاء لإدراك أن سلوك المصارف اللبنانية، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في العامين الأخيرين كان أقرب إلى سلوك من يريد كسب الوقت. لا حاجة لتكرار أن الخطوات المصرفية المتلاحقة، لناحية التضييق على موجودات المودعين، وتقنين سحوباتهم من المصارف، وصولاً إلى تحديد العملة المسموح التداول بها، لم تكن خطواتٍ عشوائية أو "رد فعل" على "فعل" ما. كان ذلك كله أقرب إلى خطواتٍ مدوّنة في وقتٍ سابق، انتظاراً لمثل هذه الأيام، ثم بوشر بتطبيقها. لا يمكن تصديق أن الخطوات المتّخذة لمنع التداول بالدولار الأميركي وحصره بالليرة اللبنانية اعتُمدت على عجل، بل مؤكّد أنه تمّ الاتفاق فيما بين أركان السلطة السياسيين والمصرفيين على هذا التحوّل المالي سابقاً، ما سمح بتهريب أموال كل من يرتبط بالنظام اللبناني، موالياً أو معارضاً أو مستقلاً، من المصارف اللبنانية إلى المصارف الخارجية، تحت أسماء عدة، بما يعني تعذّر استردادها تحت أي قانون ومهما كانت قوته. وبطبيعة الحال، أدّت هذه الخطوة إلى انخفاض القيمة الفعلية لودائع المواطنين، خصوصاً أن سعر صرف الليرة اللبنانية في مقابل الدولار الأميركي بات يتراوح بين 1800و2400 ليرة للدولار فعلياً، ما شكّل ارتفاعاً حادّاً في أسعار السلة الغذائية بنسبة تتراوح بين 30% و50%، وذلك في مقابل تثبيت سعر الصرف الرسمي لدى مصرف لبنان بنحو 1500 ليرة للدولار.
بالإضافة إلى ذلك، أدّى تقنين سحوبات المودعين في المصارف إلى إحجام الناس عن دفع أقساطهم الشهرية، سواء كانت أقساط بيت أو سيارة أو حتى أقساطا مدرسية، فانعدام السيولة دفع إلى انعدام الحركة، وبالتالي ترسيخ الجماد في الدورة الاقتصادية. والجماد هنا يؤدّي حكماً إلى تخفيف الطلب على المواد الغذائية والطبية المستوردة من الخارج، لا بسبب الاكتفاء الذاتي، بل بسبب إفراغ جيوب الناس من أموالهم، وبالتالي ارتفاع مخاطر الأمن الاجتماعي بما يفضي إلى تفلّت أمني، لن تتمكّن أي جهة أمنيةٍ من حسمه، طالما أن جوهر المشكلة لم يُعالج بالأساس.
في هذا السياق، ماذا تفعل السلطات؟ لا شيء، سوى اختلاق حروبٍ طوائفيةٍ وهمية، كما يحصل بين رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ووزير الخارجية السابق جبران باسيل. وهذا النوع من الحروب كان ينجح نسبياً في الماضي، خصوصاً في الانتخابات النيابية التي يخوضها كل طرفٍ ضد الآخر على قاعدة "كل شيء أو لا شيء"، ثم بعد الانتخابات يعود الجميع إلى طاولة واحدة، كعودة عصابات نيويورك أو شيكاغو إلى الحوار بعد حرب شوارع على نفوذ توزيع المخدّرات والأسلحة وأندية القمار وغيرها. طبعاً، لا بدّ للسلطة من تسخير إعلامها القادر على "شيطنة" منتفضي 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي من جهة، وإسباغ الطابع الملائكي على زعيم أو حزب من جهة أخرى.
ربما، علم الاجتماع اللبناني عموماً قدّم، في السابق، صورة محدّدة أو نمطية عن سلوك المواطنين اللبنانيين، في ظلّ خضوعهم لعملية غسل أدمغة واسعة النطاق، أثّرت على تصرّفاتهم، مرفقة بتهويل طائفي وتخويف من الآخر. وكان هذا النوع من السلوك ناجحاً حتى ليلة 16 / 17 أكتوبر الماضي. بعد ذلك، لا يمكن التعويل على أن ما حصل سيكون عابراً، والدليل أن السلطات، السياسية والمصرفية، بدأت حملة لإلقاء المسؤولية على انتفاضة 17 أكتوبر في تدهور الوضع المالي والاقتصادي والاجتماعي، فلو لم تشكّل هذه الانتفاضة خطراً عليهم لما رموا موبقاتهم عليها. من الطبيعي جداً أن يقفز أنصار الأحزاب لملاقاة هذا الطرح، على قاعدة أن "القطّ يحب خنّاقه"، وأن الخدمات التي قدمتها تلك الأحزاب لأنصارها جعلتهم مرتبطين بها إلى حدّ الدفاع عنها ولو في أثناء سقوطها الحرّ الذي سيتزايد تباعاً. ماذا سيحصل لاحقاً في لبنان؟ تابعوا صدامات المصارف اليومية، وستعرفون ذلك.
في هذا السياق، ماذا تفعل السلطات؟ لا شيء، سوى اختلاق حروبٍ طوائفيةٍ وهمية، كما يحصل بين رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ووزير الخارجية السابق جبران باسيل. وهذا النوع من الحروب كان ينجح نسبياً في الماضي، خصوصاً في الانتخابات النيابية التي يخوضها كل طرفٍ ضد الآخر على قاعدة "كل شيء أو لا شيء"، ثم بعد الانتخابات يعود الجميع إلى طاولة واحدة، كعودة عصابات نيويورك أو شيكاغو إلى الحوار بعد حرب شوارع على نفوذ توزيع المخدّرات والأسلحة وأندية القمار وغيرها. طبعاً، لا بدّ للسلطة من تسخير إعلامها القادر على "شيطنة" منتفضي 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي من جهة، وإسباغ الطابع الملائكي على زعيم أو حزب من جهة أخرى.
ربما، علم الاجتماع اللبناني عموماً قدّم، في السابق، صورة محدّدة أو نمطية عن سلوك المواطنين اللبنانيين، في ظلّ خضوعهم لعملية غسل أدمغة واسعة النطاق، أثّرت على تصرّفاتهم، مرفقة بتهويل طائفي وتخويف من الآخر. وكان هذا النوع من السلوك ناجحاً حتى ليلة 16 / 17 أكتوبر الماضي. بعد ذلك، لا يمكن التعويل على أن ما حصل سيكون عابراً، والدليل أن السلطات، السياسية والمصرفية، بدأت حملة لإلقاء المسؤولية على انتفاضة 17 أكتوبر في تدهور الوضع المالي والاقتصادي والاجتماعي، فلو لم تشكّل هذه الانتفاضة خطراً عليهم لما رموا موبقاتهم عليها. من الطبيعي جداً أن يقفز أنصار الأحزاب لملاقاة هذا الطرح، على قاعدة أن "القطّ يحب خنّاقه"، وأن الخدمات التي قدمتها تلك الأحزاب لأنصارها جعلتهم مرتبطين بها إلى حدّ الدفاع عنها ولو في أثناء سقوطها الحرّ الذي سيتزايد تباعاً. ماذا سيحصل لاحقاً في لبنان؟ تابعوا صدامات المصارف اليومية، وستعرفون ذلك.