ما زال الشارع اللبناني يترقب ما ستسفر عنه المشاورات التي يقودها رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب لتشكيل حكومته، في وقت يسيطر على المشهد خياران، فإمّا "الانفراج" أو "الانفجار"، في ظل الانتقادات الموجهة للطبقة الحاكمة بالتلاعب بمصير اللبنانيين من بوابة الحقائب الوزارية و"الميثاقية المذهبية".
واستطاعت الطبقة الحاكمة الصمود حتى الآن، إذ لم تهزّها مجزرة مرفأ بيروت رغم استقالة الحكومة، ولا أرقام المنظمات الدولية بشأن معدلات الفقر والبطالة والجوع في البلاد، ولم تتأثر بالانهيار المالي والنقدي الذي تتحمّل، وفق منتقديها، مسؤوليته بسياساتها القائمة على المحاصصة والفساد والصفقات، وكذا إهمالها مطالب المنتفضين منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول.
ورغم صعوبة الوضع، فلا جديد حكومياً يسجّل، اليوم الأربعاء، ولم تدون حتى الساعة، في مواعيد قصر بعبدا، حيث مقر الرئاسة، زيارة لأديب، الذي بدوره لم يقدّم بعد تشكيلته الوزارية إلى رئيس الجمهورية ميشال عون.
وينتظر الرئيس المكلف حلّ عقدة وزارة المالية لتطاول المداورة كل الوزارات، في ظلّ تمسّك "حزب الله" و"حركة أمل" برئاسة رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، بموقفيهما بخصوص إسناد الوزارة إلى الطائفة التي ينتميان إليها واستثنائها من مبدأ المداورة.
ويتذرع هؤلاء بأسباب عدّة، منها "عرفية"، وأخرى تتصل بالعقوبات الأميركية التي طاولت "حركة أمل" عبر وزير المال السابق النائب علي حسن خليل، الذي يعتبر الذراع الأيمن لبري، وذلك رداً على محاولات يعتبرها "الثنائي الشيعي" في إطار الاستهداف السياسي.
وقال مصدرٌ مطلعٌ على نشاط رئيس الحكومة المكلف اشترط عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إنّ أمام أديب خيارين:الأول هو التوجه، غداً الخميس، إلى قصر بعبدا لتقديم تشكيلته الوزارية إلى رئيس الجمهورية، ورمي الكرة في ملعب عون، الذي لا يعارض المداورة الشاملة ولكنه يفضل حكومة تضمّ أكثر من 14 وزيراً بعكس رغبة أديب بمجلسٍ مصغر، والثاني، وهو مرجح جداً، الاعتذار عن التكليف ودخول لبنان مرحلة العقوبات القاضية التي قد تكون شبه جماعية، أميركياً وحتى فرنسياً.
بدوره، أكد مصدر دبلوماسي فرنسي رفض كشف اسمه، لـ"العربي الجديد"، أنّ "مبادرة باريس دخلت غرفة العناية الفائقة، بعد ظهر أمس، الثلاثاء"، مضيفاً أنّ "هناك شبه مقاطعة فرنسية رسمية للقادة السياسيين في لبنان، في ظلّ الغضب الفرنسي من طريقة تعاطي القوى السياسية مع الجهود التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شخصياً، رغم تلويحه بالعقوبات، وتداعيات عدم الإيفاء بالتعهدات".
وفي الإطار، أعربت الرئاسة الفرنسية اليوم عن "أسفها" لعدم احترام السياسيين اللبنانيين للتعهدات التي قطعوها خلال زيارة ماكرون، بتشكيل الحكومة "خلال 15 يوما".
وقال الإليزيه "لم يفت الأوان بعد: يجب على الجميع تحمل مسؤولياتهم والعمل أخيرا لمصلحة لبنان وحدها عبر السماح" لرئيس الوزراء مصطفى أديب "بتشكيل حكومة بمستوى خطورة الوضع"، وفق ما أوردته "فرانس برس".
ومن المرتقب أن تتكثف الاتصالات داخلياً، في محاولة لإيجاد صيغة ترضي "حركة أمل" ولا تحاصرها، قد يدخل على خطّها كما العادة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، ما يبقي المفاجآت متروكة للربع ساعة الأخير، مثلما جرت العادة بشأن غالبية القرارات في لبنان.
ويترقّب اللبنانيون التطوّرات ويعبّرون عن استيائهم من تقرير الدول العظمى مصيرهم، في وقتٍ يخشون من تداعيات سقوط المبادرة الفرنسية، سواء على "عداد الدولار في السوق السوداء"، أو أمنياً، وقد بدأت التحذيرات من سيناريوهات أمنية خطرة تطفو على الواجهة، وسط تلويح أميركي بعقوبات لا مثيل لها وغير مسبوقة، سواء لناحية الشخصيات التي ستطاولها أو قساوتها، علماً أنّ العقوبات الأميركية مستقلّة وغير مرتبطة بالمبادرة الفرنسية.
في المقابل، شدّد رئيس "تيار المستقبل" النائب سعد الحريري، في تغريدة، اليوم الأربعاء، على حسابه في "تويتر"، على أنّ وزارة المال وسائر الحقائب الوزارية "ليست حقاً حصرياً لأي طائفة"، معلناً أنّ "رفض المداورة إحباط، وانتهاك موصوف بحق الفرصة الأخيرة لإنقاذ لبنان واللبنانيين".
وزارة المال وسائر الحقائب الوزارية ليست حقا حصريا لأي طائفة، ورفض المداورة إحباط وانتهاك موصوف بحق الفرصة الأخيرة لإنقاذ لبنان واللبنانيين.
— Saad Hariri (@saadhariri) September 16, 2020
وترى "حركة أمل" أنّ رؤساء الحكومات السابقين، ومن بينهم الحريري، هم الذين يتشاورون فقط مع رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب، فيما هناك تغييب لباقي الأفرقاء السياسيين في المشاورات. وأكدت أوساط بالحركة، لـ"العربي الجديد"، وجود انزعاج لديها من طريقة تعاطي أديب، واستمراره في عدم التواصل معها حتى بشأن حلّ مسألة وزارة المال.
من جهته، قال رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، في تغريدة على حسابه في "تويتر"، إنّ "البعض لم يفهم أو لا يريد أن يفهم أنّ المبادرة الفرنسية هي آخر فرصة من أجل إنقاذ لبنان ومنع زواله كما قال وزير خارجيتها بكل وضوح".
وأضاف: "وعاد كبار الفرقاء إلى لعبة المحاصصة مع إدخال أعراف جديدة من دون الاتصال بأحد، يقودها هواة جدد على الساحة"، شاكراً وزير الخارجية الأميركي "السيد بومبيو على لزوم ما لا يلزم".
يبدو أن البعض لم يفهم أو لا يريد أن يفهم بأن المبادرة الفرنسية هي آخر فرصة لإنقاذ لبنان ومنع زواله كما قال وزير خارجيتها بكل وضوح .وعاد كبار الفرقاء إلى لعبة المحاصصة مع إدخال أعراف جديدة دون الاتصال بأحد يقودها هواة جدد على الساحة .وشكرا للسيد بومبييو على لزوم ما لا يلزم pic.twitter.com/ydwY9S36IL
— Walid Joumblatt (@walidjoumblatt) September 16, 2020
وغادر جنبلاط إلى باريس، نهاية الأسبوع الماضي، وقاطع فريقه المشاورات التي أجراها رئيس الجمهورية ميشال عون، يومي الإثنين والثلاثاء، في قصر بعبدا.
ويأتي هذا بالتزامن مع تحذير وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو فرنسا، الثلاثاء، من أنّ جهودها لحلّ الأزمة في لبنان قد تضيع سدى إذا لم يتم التعامل على الفور مع مسألة تسلّح "حزب الله" المدعوم من إيران.
وقال بومبيو، لإذاعة "فرانس إنتر": "الولايات المتحدة اضطلعت بمسؤوليتها، وسنمنع إيران من شراء دبابات صينية ونظم دفاع جوي روسية ثم بيع السلاح لحزب الله ونسف جهود الرئيس ماكرون في لبنان". وأضاف "لا يمكن أن تدع إيران تحصل على المزيد من المال والنفوذ والسلاح، وفي الوقت نفسه تحاول فصل حزب الله عن الكوارث التي تسبب فيها بلبنان".