لبنان.. ربع قرن على غياب "الطائف"
كانت لافتةً كلمة رئيس مجلس النواب السابق، حسين الحسيني، الأب الروحي لاتفاق الطائف، لمناسبة مرور ربع قرن على إعلانه، وقد أراد فيها أن يتناول إشكالية مطروحة بقوة في هذه الآونة، وفي المحيط العربي تحديداً، هي مسألة العلاقة بين الدين والدولة، والتي اعتبرها المفتاح في فهم المشكلات والحلول التي وردت في وثيقة الوفاق الوطني. هذه الإشكالية التي جاءت في نص الوثيقة "تأميناً لمبدأ الانسجام بين الدين والدولة، يحق لرؤساء الطوائف اللبنانية مراجعة المجلس الدستوري فيما يتعلق بالأحوال الشخصية، حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية، وحرية التعليم". لم تشكل أولوية في اهتمامات من أشرف على عملية وقف الحرب، وبداية تكوين السلطة السياسية والدستورية طوال الفترة الماضية.
الجدل الذي رافق بداية التوقيع على اتفاق الطائف منذ 25 عاماً لا يزال سارياً، لا بل أسس لمفاهيم مختلفة، تتعلق بممارسة الطوائف دورها، كما في ممارسة الدولة مصالح أبنائها اللبنانيين. وإذا أراد الرئيس الحسيني أن يفسر ما ورد على أنه التسمية المدنية التي يقع في أساسها مبدأ الانسجام بين الدين والدولة، هي تسمية، كما اعتبرها، تتحلى بالوضوح في تبيان المشروع اللبناني، فإنه رأى بذلك خلاصة التجربة اللبنانية بين علمانية القوانين الوضعية وواقع المجتمع التاريخي.
بغض النظر عمن يختلف مع هذا التفسير المدني لمعنى الانسجام بين الدين والدولة، ومن يؤيد هذا المفهوم، إلا أن علامات استفهام عديدة، تطرح حول سبب عدم تطبيق الطائف، والظروف السياسية التي واكبت هذا التطبيق وأعاقته، مرة بسبب أولويات، وأخرى حفاظاً على العيش المشترك والبعد عن البنود الخلافية، ما أوصل البلاد إلى أزمة في النظام، أدت، في مرحلةٍ، إلى الهروب إلى الأمام، كما حصل في اتفاق الدوحة، ولو أنه ارتكز على الطائف، ومن ثم عاد وسقط هذا الاتفاق، لنصل إلى فراغ تدريجي في مؤسسات الدولة، رئاسة الجمهورية من دون رئيس، ومجلس النواب في حالة التمديد، وحكومة تعمل في حدها الأدنى، وأصوات ترتفع بدعواتها، مرة نحو تغيير في صلاحيات رئيس الجمهورية، وأخرى في انتخاب رئيس من الشعب، وهي الدعوة التي أطلقها التيار الوطني الحر، وصولاً إلى الدعوة التي كان أطلقها الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، لعقد مؤتمر تأسيسي، يعيد صياغة آلية جديدة للحكم، بعد الوصول إلى أفق مسدود.
يبدو المشهد الدستوري السياسي الديني متشابكاً، ويبدو، من الممارسة، فإن المؤسسات الدينية تجاوزت دورها، لتتداخل مع السياسي، وأحياناً مع الدستوري، كما أن ممارسات السلطة السياسية تجاوزت دورها، لتتداخل مع الديني، وتكرس نظاماً طائفياً بامتياز، يصعب من بعده تطبيق بنود الطائف التي يمكن أن تحقق الانسجام بين الدين والدولة، مثل فصل السلطات وتوازنها وتعاونها وتطبيق مبدأ العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين من دون تمايز أو تفضيل، وإلغاء الطائفية السياسية واللامركزية الإدارية وانتخاب مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي، واستحداث مجلسٍ للشيوخ، تتمثل فيه جميع العائلات الروحية.
على الرغم من إبداء كل الأطراف السياسية اللبنانية تمسكها باتفاق الطائف، بعد ربع قرن على إعلانه، وتشديدها على مفهوم العيش المشترك، إلا أن الهاجس التقسيمي الذي تعيشه المنطقة، من سورية الى العراق وصولاً إلى اليمن، وحتى ليبيا، والدعوات إلى الفيدرالية التي بدأت تتصاعد، والحرب على الحدود، والتهديد الوجودي مع دخول التطرف الإسلامي، والتوتر الذي يعيشه لبنان منذ العام 2005، إضافة إلى الحديث عن تبدل في الخرائط واستبدال لسايكس بيكو، مع تبدل اللاعبين الدوليين والإقليميين. ذلك كله يشير إلى غياب مفهوم واحد بين اللبنانيين للانسجام بين الدين والدولة، وهو ما يجعل احتفالية العيد الخامس والعشرين أشبه باحتفالية ربع قرن على غياب اتفاق الطائف.