لبنان: عون يعوّض خسارته الرئاسة بخطاب طائفي

01 يوليو 2014
عون: إذا قلت كلاماً طائفياً فانبذوني (حسين بيضون)
+ الخط -

في اللحظة التي أدرك فيها رئيس "تكتل التغيير والإصلاح"، النائب اللبناني ميشال عون، أن حظوظه بالوصول إلى الرئاسة اللبنانية الأولى قاربت الصفر، عاد ليلعب لعبته المفضلة. فـ"الجنرال" الذي قال يوم عاد من منفاه الباريسي في 7 مايو/أيار 2005: "إذا قلت كلاماً طائفياً فانبذوني"، استعاد خطابه المذهبي فور تضاؤل حظوظه بتحقيق أمله بالوصول إلى بعبدا عن طريق مجلس النواب.

سعى عون في الأشهر الأخيرة إلى ضبط خطابه وخطاب فريقه السياسي إلى الحد الأقصى، وذلك خلال حواره مع تيار المستقبل وزعيمه سعد الحريري. رفع سقف المديح بالحريري، لدرجة اعتبر نفسه صمام أمان للأخير. واعتبر أن رئاسة الحكومة حق مقدّس

للحريري، رغم أنه قال بعدما أخرجه من رئاسة الحكومة، إنه "قطع له تذكرة ذهاب من دون عودة".

لكن لضياع حلم الرئاسة ثمناً، ولا بد لأحد أن يدفعه. لا يُمكن لعون أن يجعل الحريري أو حزب الله أو الرئيس نبيه بري يدفعون هذا الثمن. ما يستطيع فعله، تحميل البلد مسؤولية فشله بالوصول إلى الرئاسة الأولى. الطريق لذلك سهل. ما على عون، إلا استعادة الخطاب الذي رفعه قبل موعد الانتخابات النيابيّة التي لم تجرِ بسبب تمديد مجلس النواب لولايته، والتي كان مقرراً إجراؤها قبل مايو/أيار 2014. حينها، تبنى عون "مشروع اللقاء الأرثوذكسي" لقانون الانتخاب، والذي يقضي بأن تنتخب كل طائفةٍ ممثليها؛ رغم أن عون عرف تماماً أن مشروع قانون كهذا لا يُمكن أن يمرّ، لا بل سيُعطل الانتخابات النيابيّة، وهذا ما جرى العام الماضي. في ذلك الوقت، كانت الثورة السورية في مجدها. وكان الربيع العربي واضحاً جداً. لم تكن المجموعات المتطرفة قد سيطرت على المشهد الإعلامي بعد. كانت لا تزال "فزاعة" يسعى النظام السوري وحلفاؤه إلى التخويف منها. حينها أيضاً، كانت مشاركة حزب الله في القتال في سورية في بداياتها، وكان عون محرجاً بها. ببساطة لم تكن الانتخابات في صالح عون وحلفائه، فتأجلت.

اليوم وبعد أن خسر عون كل حظوظ الوصول إلى بعبدا، استعاد الخطاب عينه. فأطلق مبادرة، سماها إنقاذية، دعت إلى أن تنتخب كل طائفة نوابها، في استعادة للمشروع الأرثوذكسي. ظهر بوضوح تأثير نائب رئيس مجلس النواب الأسبق إيلي الفرزلي على عون، وهو صاحب المشروع الأرثوذكسي. وسبق للفرزلي أن قال لـ"العربي الجديد" إن عدم حصول المسيحيين على حقوقهم سيؤدي إلى حرب أهلية. في المضمون، تبنى عون الخطاب عينه.

الجديد في مبادرة عون هو الموضوع الرئاسي. قال عون ما حرفيته: "أقترح إجراء تعديل دستوري محدود يهدف إلى جعل انتخاب الرئيس الماروني مباشراً من الشعب، وعلى دورتين، أولى تأهيلية تجرى على مستوى الناخبين المسيحيين، وثانية تجرى على المستوى الوطني، وتكون محصورة بين الفائزين الأول والثاني في دورة الاقتراع التأهيلية، من أجل جعل الدور المسيحي وازناً في عملية الانتخاب، وتبديد الخشية من هيمنة الصوت المسلم عليها".
برر عون موقفه هذا بالرغبة بعدم تكرار "المشهد الحالي في كل انتخابات لا يحوز فيها أي من المرشحين تأييد ثلثَي مجلس النواب، ومن أجل إبعاد عملية الانتخاب عن المساومات والصفقات المحلية والخارجية، وإعادتها إلى صاحب الحق الأصلي، أي الشعب

مصدر السلطات". وبطبيعة الحال، رفض عون اعتبار هذا الخطاب طائفياً.


في المبدأ، يعرف عون تمام المعرفة أن لا إمكانية لإجراء هذا التعديل الدستوري، تماماً مثلما لم يكن هناك مجال لتمرير قانون اللقاء الأرثوذكسي. فتيار المستقبل يرفض هذا الاقتراح بشكلٍ حاسم، مثله مثل النائب وليد جنبلاط والرئيس نبيه بري، الذي يُردد دوماً أنه يرغب في إلغاء الطائفيّة السياسيّة. كما أن عون يعلم أن موافقة حزب الله على المشروع الأرثوذكسي أتت في سياق "المحاباة" السياسيّة، مع إدراك الحزب لعدم إمكانية مرور المشروع حينها. وقد صدرت سلسلة مواقف لنواب ووزراء من تيار المستقبل والقوات اللبنانية وحزب الكتائب وتيار المردة رافضة المبادرة لأسباب مختلفة.
يرفع عون سقف الخطاب المذهبي، في محاولة لشدّ عصب جمهوره، وكسب عطف جزء من المحايدين والمترددين. كما أنه يرفع السقف، لمعرفته التامة، بأنه لم يعد قادراً على الوصول إلى الرئاسة الأولى. يرفع عون السقف عالياً جداً كأنه يقول: عون أو نحرق البلد.