لبنان: معركة "سليمان - حزب الله" تطيح البيان الوزاري

03 مارس 2014
محاولات لتطويق الخلاف بين سليمان وحزب الله
+ الخط -

أسابيع قليلة باتت تفصل عن المواعيد الدستورية للانتخابات الرئاسية اللبنانية المقررة في مايو/أيار، إلا أنه من الواضح أنّ هذه الولاية ستنتهي بمعركة وشدّ حبال، عكس بدايتها وانطلاقتها على وقع اتفاق الدوحة (مايو/أيار 2008).
هاجم الرئيس اللبناني، ميشال سليمان، حزب الله يوم السبت الماضي. وصف صيغة "الشعب- الجيش والمقاومة"، التي يصرّ الحزب على تضمينها في البيان الوزاري للحكومة الجديدة، بالخشبية. وأكد على ضرورة تضمين البيان الوزاري للحكومة العتيدة "إعلان بعبدا"، في إشارة إلى الإعلان الصادر عن هيئة الحوار الوطني التي ترأسها رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وبمشاركة وموافقة كل الأطراف السياسية، وأقرّ تحييد لبنان عن الأزمة السورية.
حزب الله لم يتأخر في الرد. خرق تقاليده السياسية وأعرافه التنظيمية وأصدر بياناً للهجوم على سليمان. هذه المرة، لم تعمّم كلمة السرّ على نواب كتلة الحزب "الوفاء للمقاومة" للانقضاض على الخصم، ولم يطلّ الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، على الشاشة ليهدد ويتوعّد. صدر الموقف في بيان مختصر جاء فيه: "مع احترامنا الأكيد لمقام رئاسة الجمهورية وما يمثل، فإن الخطاب الذي سمعناه بالأمس يجعلنا نعتقد بأن قصر بعبدا بات يحتاج في ما تبقى من العهد الحالي إلى عناية خاصة لأن ساكنه (سليمان) أصبح لا يميز بين الذهب والخشب".
بفعل هذه العبارة تحّركت أجهزة الحزب وحلفائه، من صحافيين ومؤسسات إعلامية وهواة شاشات التلفزة، لتدعو سليمان إلى الرحيل وتسأله عن حجمه وعمّا يمثل ومن يمثّل من اللبنانيين.
بدا وكأن حزب الله تخلّى عن جبروته العسكري، ونسي شعاراته الإقليمية ورقمه الصعب في المعادلة، فوضع "المشروع المقاوم" جانباً وتحرّك لإسقاط سليمان دون اعتبارات تذكر.
مطلعون على أجواء الرئاسة أكدوا لـ"العربي الجديد" أنّ سليمان لم يعد طامحاً للبقاء في سدّة الرئاسة من خلال تمديد دستوري له، على غرار ما جرى مع كل من الرئيسين الراحل إلياس الهرواي وإميل لحود.
سليمان سبق وسمع من مسؤولين سعوديين وآخرين فرنسيين أنّ فكرة التمديد واردة وتشكل مخرجاً لأزمة الرئاسة في ظل غياب أسماء توافقية أخرى. إلا أنّ الرئيس لمس في الأسبوعين الماضيين تراجعاً لدى الطرفين، "وبالتالي لم يعد مضطراً إلى مهادنة ما لا يراه مناسباً له وللدولة". ولو أنّ سليمان سيغادر قصر بعبدا بعد أسابيع، إلا أنه تلقى عرضاً من الفرنسيين لتولي منصب الأمين العام للمنظمة الدولية للفرنكوفونية، خلفاً للأمين الحالي عبدو ضيوف. فهل يدخل ذلك في حسابات الرئيس؟
انعكست معركة سليمان وحزب الله، بادئ الأمر، على العلاقة بين فريقي 8 آذار و14 آذار. فعلى رغم الأجواء الإيجابية التي سار فيها الطرفان منتصف فبراير/شباط الماضي مع تشكيل حكومة الشراكة الوطنية، عاد كلّ منهما إلى موقعه. فريق 8 آذار ساند الحزب وهاجم سليمان. أما فريق 14 آذار، فصفّق للرئيس وتبنّى خطابه، حتى أنّ منسّق الأمانة العامة في 14 آذار، النائب فارس سعيد، بات يمازح من حوله بالقول: "الرئيس سليمان أخذ منا عدّة شغلنا، ورفع سقفه السياسي وتخطى حدود فريقنا".
تأثرت العلاقة الإيجابية بين الفريقين، فانعكس ذلك تلقائياً على ملف البيان الوزاري، الذي من المقرر ان يشهد في الساعات القليلة المقبلة تفجيراً من الداخل وسيلاً من العراقيل نتيجة المعادلة السياسية المستجدة.
يؤكد فريق 8 آذار، تحديداً حزب الله وحركة أمل، على ضرورة "ورود عبارة المقاومة بشكل لائق ومرضٍ للمقاومين وعلى حق اللبنانيين في مقاومة إسرائيل، وإلا...". "إلا" ترجمتها الوحيدة عدم صدور بيان وزاري.
مصادر مقرّبة من رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، شدّدت على أنّ الأخير لم يفقد الأمل بعد بإمكانية إعادة إنجاح عملية إنجاز البيان الوزاري. تقول المصادر إنّ الأخير عاتب على حزب الله لإخراجه النقاش في البيان الوزاري إلى العلن ما اضطره إلى الخوض في النقاش أيضاً.
أما فريق 14 آذار فصعّد الموقف أيضاً، إذ أكدت أوساطه الوزارية أنّ "ما تمّ الاتفاق عليه حول صيغة إعلان بعبدا في البيان الوزاري مشروط بصيغة تناول ملف المقاومة". أي أنّ الأمور عادت إلى الصفر، وأنّ الأجواء الإيجابية مهدّدة بالانحسار.
هذه التطورات دفعت رئيس جبهة النضال الوطني، النائب وليد جنبلاط، إلى الاتصال بكل من بري وزعيم تيار المستقبل سعد الحريري، علّه ينجح في تطويق الخلاف بين سليمان وحزب الله عبر منعه من التسرّب إلى داخل لجنة البيان الوزاري. وهي المهمة التي لم تنجح بعد، وربما لن تنجح بفعل مستجدات الساحة الإقليمية.
في ما يخص ملف الحكومة اللبنانية، يشير أحد الوزارء المعنيين إلى تراجع "النوايا الطيبية في انتشال لبنان من مأزقه". تراجع التوافق الدولي وعادت الأزمة لتشتدّ، أكان في الداخلي السوري أو في ساحات أوكرانيا. وبيروت لن تكون بعيدةً عن هذه الأجواء. والحكومة الحالية، بدون بيان وزاري قبل 15 مارس/ آذار، ستلحق بسابقتها باتجاه تصريف الأعمال، ليدخل المشهد اللبناني مجدداً إلى عملية استشارات نيابية لتكليف رئيس جديد للحكومة وأخرى لتشكيل الحكومة.