المشهد بين سبتمبر الماضي ومايو/أيار الحالي، لم يختلف لناحية الأوضاع الاقتصادية التي تتفاقم حدّتها يومياً، ووصلت إلى حد الانفجار الاجتماعي والمعيشي والمالي الكبير، الذي أعاد المنتفضين إلى الشارع رغم وباء كورونا. لكنه يختلف لناحية حسان دياب "بديل" الحريري والوزراء الجدد، وهم ليسوا إلّا ورثة النهج السياسي نفسه المتبع من الحكومات المتعاقبة، والتي يرعاها "حزب الله"، وعلى صعيد الحضور السياسي لرؤساء الكتل، بعد توصية عون بحضورهم اللقاء شخصياً لا عبر ممثلين عنهم.
الردّ الأول أتى من "تيار المستقبل"، الذي يرأسه سعد الحريري، مع إعلانه مقاطعة اجتماع بعبدا، بذريعة أنّ المكان الطبيعي لمناقشة الخطة هو البرلمان، وتحذيره من ممارسات يقوم بها فريق رئيس الجمهورية وصهره رئيس "التيار الوطني الحرّ" جبران باسيل تتخطى الدستور على حساب النظام الديمقراطي البرلماني. واستدعى هذا الأمر ردّاً من المكتب الإعلامي لقصر بعبدا، بالتشديد على أنّ أهداف اللقاء واضحة ومحددة في الدعوة التي وُجهت إلى رؤساء الكتل النيابية، وهي اطّلاعهم على تفاصيل الخطة الإصلاحية، والاستماع إلى ملاحظاتهم حيالها، وليس التصويت على الخطة أو مصادرة دور مجلس النواب. فما كان من "تيار المستقبل" سوى الردّ على بيان الرئاسة، بالإشارة إلى أنّه لو كان الهدف من وراء اللقاء الأخذ برأي الكتل وملاحظاتها، فكان الأجدى الأخذ بها قبل إقرار الخطة في مجلس الوزراء وليس بعده. وفسّرت أوساط "التيار الوطني الحرّ" خطوة "تيار المستقبل" بمحاولة إفشال اللقاء وإفراغه من مضمونه، وحصره بعدد هزيل من رؤساء الكتل.
الحزب التقدمي الاشتراكي، الذي يرأسه النائب السابق وليد جنبلاط، لن يشارك في لقاء بعبدا لـ"أسباب صحية"، ولن يرسل أي ممثل عنه، على اعتبار أنّ الدعوة تقتصر على رؤساء الكتل شخصياً، وسيكتفي بإرسال الملاحظات خطياً على الخطة الاقتصادية، وذلك بناء لما اتفق عليه عون وجنبلاط، الإثنين الماضي، وفق ما أكده مفوض الإعلام في الحزب التقدمي الاشتراكي صالح حديفة لـ"العربي الجديد". وكان جنبلاط زار الإثنين رئيس الجمهورية بعد "غيبة طويلة"، للبحث في كيفية تحسين العلاقة المتوترة بين "الاشتراكي" و"الوطني الحرّ" وتنظيم الخلاف بينهما. وتمثل الزيارة خطوة لافتة من حيث توقيتها، وما تبعها من مواقف متقلبة من ناحية جنبلاط الذي أكد أن الوضع ليس مناسباً لتغيير الحكومة، وأن زيارته أتت بفعل "ساعي خير" لم يذكر اسمه، نافياً علاقته بأي حلف ثنائي أو ثلاثي (أي بشكل خاص مع "تيار المستقبل" وحزب "القوات اللبنانية" برئاسة سمير جعجع).
ومن التقلبات التي شهدتها أيضاً "ساحة المعارضة"، خصوصاً "لوبي رؤساء الحكومة السابقين" بوجه حكومة حسان دياب، إعلان رئيس "كتلة الوسط المستقل" نجيب ميقاتي مشاركة الكتلة عبر ممثل عنها، وهو لن يحضر شخصياً لارتباطه بمواعيد محددة مسبقاً. أما "القوات اللبنانية"، الذي يحرص على الفصل بين موقع رئاسة الجمهورية وخلافاته مع "التيار الوطني الحرّ"، فسيشارك في الجلسة، انطلاقاً من حرصه على ضرورة الحوار، عبر ممثل "تكتل الجمهورية القوية" النائب جورج عدوان، بحسب مصدر في "القوات".
أما حزب "الكتائب" الذي يرأسه النائب سامي الجميل المعارض لحكومة دياب، والذي امتنع عن تسميته رئيساً للحكومة، فقرر عدم المشاركة لأن اللقاء "أفرغ من مضمونه" وتحول إلى "ساحةٍ لتصفية حسابات سياسية تقف عند احتساب عدد المشاركين من غير المشاركين"، بحسب ما أعلن الجميل في تغريدة على تويتر. وكان مصدر في الحزب قال لـ"العربي الجديد"، إنّ الآراء منقسمة ضمن الحزب، بين الداعي للمشاركة والمعترض عليها، ما أخّر إصدار الجميل موقفه العلني حيال هذه المسألة. علماً أنّه شارك شخصياً في لقاء بعبدا الذي أقيم في سبتمبر الماضي. وأوضح نائب رئيس حزب "الكتائب" سليم الصائغ، لـ"العربي الجديد"، أنّ القرار بالمشاركة يتخذه سامي الجميل، الذي هو حريص على المحافظة على المؤسسات الدستورية رغم هشاشتها، وعدم اتخاذ موقف يضرّ بمشهدية المؤسسات الدستورية، وهو ملتزم في الوقت نفسه بأساس روح الانتفاضة الشاملة التي نطمح من خلالها لحركة تغيير ضمن النظام اللبناني لا الانقلاب عليه. وشدد على أنّ "هناك اشمئزازاً عارماً عند كادرات الكتائب، والمناصرين للحزب، من الطريقة التجميلية التي يتعاطى بها الحكم لإظهار صورته الجميلة أمام المجتمع الدولي"، مشيراً إلى أن "الدعوة أتت من عون بعرض الخطة الاقتصادية، ولم تطرح مسألة مناقشتها أو تعديلها، وهذا ما سجلنا اعتراضنا عليه، لأن المسار القانوني لإقرار أي خطة يكون عبر مجلس النواب بعد استلامها من مجلس الوزراء. كما أننا من المستحيل أن نقبل بالخطة كما عرضت، لأنها ناقصة وتضرب القطاع المصرفي، ولا تشجع على عودة الأموال التي خرجت من لبنان".
وعلى صعيد تحالف "8 آذار"، وبشكل أساسي "تيار المردة"، و"حزب الله"، و"حركة أمل"، و"التيار الوطني الحر"، و"الحزب الديمقراطي اللبناني" برئاسة النائب طلال أرسلان، فقد وجّه إليهم الأمين العام لـ"حزب الله" اللبناني حسن نصرالله رسالة واضحة بالمشاركة في اجتماع بعبدا، وذلك في معرض الكلمة المتلفزة التي ألقاها الإثنين الماضي، والتعاطي بإيجابية مع اللقاء، وهو أمرٌ دفع رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية إلى إعادة حساباته، وبعدما كان سيقاطع الاجتماع أعلن أنه سيرسل ممثلاً عنه هو النائب فريد هيكل الخازن. وعقب ذلك أوضح فرنجية، لـ"مستقبل ويب" المحسوب على الحريري، أن "التكتل الوطني كان قرّر المشاركة في اجتماع بعبدا من خلال الخازن، لكن عندما تبلّغنا اليوم (أمس) أن الدعوة موجهة إلي شخصياً ولا يمكن مشاركة أي شخص غير مدعو اعتذرت عن عدم المشاركة لأنني في حجر صحي بسبب كورونا، ورقمي مفرد"، في إشارة إلى قرار وزارة الداخلية اللبنانية بتقييد حركة السيارات وفقاً للرقم الأخير في اللوحة. ويبدو تصريح فرنجية لافتاً، من خلال "مستقبل ويب" الذي خصّه بهذا التصريح العلني الحاسم، والذي انضم فيه إلى مقاطعة الحريري عن حضور اللقاء، وساخراً، سواء عن قصد أو عن غير قصد، على اعتبار أن يوم الأربعاء يسمح فيه بالسيارات التي تنتهي لوحاتها برقم مفرد بالسير على الطرقات.
وكان نصرالله، الذي يلعب دور الوسيط في الفترة الأخيرة بين فرنجية و"الوطني الحرّ"، ويتدخل عند كل خطوة يقوم بها رئيس "تيار المردة" في وجه الحكومة، وآخرها تهديده بسحب ممثليه منها (حصته وزيران)، حاول أيضاً حث فرنجية على المشاركة شخصياً لمنع الخصوم من إسقاط هيبة العهد وحكومة دياب.
ومن المشاركين شخصياً في اللقاء من تحالف "8 آذار"، رئيس مجلس النواب نبيه بري، والنائب محمد رعد عن "كتلة الوفاء للمقاومة" التابعة إلى "حزب الله"، والنائب طلال إرسلان، ورئيس "التيار الوطني الحرّ" جبران باسيل، الذي زار عين التينة (مقرّ بري) أمس الثلاثاء للبحث في آخر الملفات واجتماع بعبدا. كما سُجل لقاء جمع دياب وبري الإثنين وضع في إطار تصفية الخلافات والاستعداد للقاء الذي دعا إليه عون.
وكان رئيس الحكومة أشار إلى أنّ الخطة تنطلق من ضرورة البدء فوراً بتنفيذ الإصلاحات التي طال انتظارها، وهي على مستوى إدارة الدولة، والسياسة المالية، والقطاع المالي، والمصرف المركزي، والحساب الجاري، وميزان المدفوعات. وقد حدّدت أهدافاً على مدى خمس سنوات، هي: خفض العجز في الحساب الجاري إلى 5.6 في المائة، والحصول على دعم مالي خارجي يفوق 10 مليارات دولار، بالإضافة إلى أموال مؤتمر "سيدر"، والعودة إلى النمو الإيجابي اعتباراً من العام 2022، واعتماد الدعم المباشر وغير المباشر للفئات غير الميسورة، وتنفيذ برامج اجتماعية في هذا المجال. بينما أعلنت جمعية مصارف لبنان، رفضها التام لخطة الإنقاذ الاقتصادي الحكومية، واصفة إياها بـ"الانفرادية". وكان دياب ووزير المالية غازي وزني وقعا، الجمعة الماضي، طلب مساعدة من صندوق النقد الدولي للبنان، الذي حذّر منه نصرالله ومن وضع رقبة لبنان بين يدي الصندوق والتعامل وفق شروط معينة.