من مراثي نيوتن
أغلقَت الصخورُ مجرى النهر
لأُمسكَ السمكَ بيدي
ضمنَ حركةِ الأجسادِ
وفوضى الإناءِ الذي يُسحَبُ للأعلى
نحوَ بركةِ صمتٍ تُراقبُها القططُ المشتاقة.
الحجارةُ هي عيناكِ
السمكُ هو غزلي بكِ
الغزلُ الذي في سنةِ الزلزالِ ارتبطَ بالعناصرِ الأربعة
غطت الحجارةُ شعرَ نيوتن
الشعرَ المتسخَ ببخارِ الزئبق
سمّمَ الأوراقَ وقتلَ الملوك
نيوتن، هذا هو تُسارعُ السمكِ المتخبطِ في الإناء
أرادَ أنْ يزيلَ حجارةَ النهر، لكن الأرضَ ثقيلة
كلماتُه صارَت سمكاً وشَعرُه سمّاً.
العيونُ الحزينة
العيونُ المازحة
مغطاةٌ بالطحالب
جنباً إلى جنب
يعطيانِ شكلاً لجدرانِ سجن
هناك حيثُ عُذب القانونُ الثاني لنيوتن
بالقانونِ الأولِ صرتُ منفياً
هناك حيث لم يصل إليه صوتُ الأنفاسِ من سماعةِ هاتف
ولا الإنباتُ الهادئُ للطحالبِ تحتَ العدساتِ "في المخابر"
فقط تجمدَ صوتُ نيوتن
والدمُ العاري على أسطحِ السجن
كتبنا نحن
الزئبقُ هو تحدي الأبدية
الحجر، هو عمرُ الأرضِ في قانونِ نيوتنَ الثاني
لكنه خاضعٌ لنظريةِ النسبيةِ في عينيك
عودةٌ لمخيمِ "داخائو"
الذي تبعثرَ مع جدارِ برلين في المجرة
عيونٌ يلفُها الحزن
أو يلفُها الفرح
معلقتانِ بشعرِ نيوتن الداكن
بهاويتي
بلغتي "لساني".
ومع أولِ قبلة
لغة
تُكتشفُ أبعادُ الكون
قبلاتٌ تعتمدُ قانونَ نيوتنَ الثالث
فيُبنى معبدٌ
لكنه يتحطمٌ في هيروشيما
شفاهُ الحروبِ الباردة
شفاهُ الجغرافيا
ارتجافُ الزئبقِ في المرآة
إناءُ الماءِ الذي يقعُ على صورتي
وتمسكُ السمكَ بمغناطيس جسدي
السمكُ المفترسُ في الحوضِ الصغير
يسبحُ على حدودي
العيونُ على المرآةِ الحجرية
جفونُ الفراغ
جفونُ النسيان.
يا وحدةَ نيوتن على شفاه النساء
يا بخارَ الزئبقِ على تنهدِ الأمهات
يا حجرَ الفلاسفةِ والغازَ المسيلَ للدموع
ليلٌ يقعُ على المدارسِ وصخورِ الملح
قمرٌ ينفجرُ على خطواتِ روادِ الفضاء
والزمانُ يغادرُ عينيك
دموعك
يغادرُ من كوابيس نيوتن
ليجلسِ في شعري
كلماتٌ مع الدمعِ
تتكاثرُ الكلماتُ في الدمعِ المراق
آه يا كفنَ الورقةِ البارد
آه أيتها الأبديةُ البيضاءُ
آه للثلجِ الشفاف.
***
من أمستردام إلى طهران
سيتكسَّرُ اليومُ فوقَ رمادِك
في ساحةٍ يَكبُرُ فيها خوفُ الحمام
يَحفِرُ أنينُك الساحةَ فتصيرَ بئراً
يَغرَقُ فيه الحمام
البئرُ هو حُرْقةٌ في فمِك
تتصلُ بجوفِ الأرض
هنالكَ تنصهر الجروحُ المجهولة
ثمّ يطيرُ الحمام ويتوهّجُ رمادُك قليلاً
في الرياحِ الهادئة
فيستمتعُ العابرونَ
بمشاهدةِ الألعابِ النارية
الكلمةُ رماد
ونحن نغنّي لنصيرَ رماداً
يُوقفُ النزفَ كي تَهبَّ الرياحُ الباردةُ
على جروحي البسيطة
على قميصي الذي يُؤلمُه الحضنُ الأخير
ينتشرُ الألمُ هنا ليلمسَ كلَّ قميصٍ يُعاني الغيابَ
أما الغيابُ فهو كالألمِ، لحنٌ بسيطٌ
أو حفنةٌ من رمادٍ على الفنجانِ وصحنِه
على الملعقةِ الصغيرةِ والإناءِ المتسخ
يُغنونَ يَصيرونَ ماءً
أما هذا اللحنُ الخفيفُ فهو يُنظِّفُ الذكرى
كلُ هذا يتحوّلُ إلى جسدٍ
لم يلامسْهُ عرقُ يدِ الغريبِ
والغريبُ يَتذكَّرُ الرمادَ الذي يُكوِّنُ الشكلَ الأوّلَ لكلِّ شيء
إلاّ هو
الفتياتُ يُغنّينَ لحناً
يَهتزُ له القمرُ والعشبُ العاري والثلجُ
وعلى ضحكاتهنَّ المسموعةِ يَتراقصُ الأولادُ الكبار
أجراسٌ صغيرةٌ على رقبتِها اللعوبِ
أجراسٌ صغيرةٌ على رقابِ كلِّ الأشياءِ
حتى لا يُضيّعَ أحدٌ منزلَه
أجراسٌ صغيرةٌ تُغنّي على الغبارِ السميك
أنا هنا .... هنا
لكنّ النساءَ يعدن بقدورٍ فارغةٍ إلاّ من الرمادِ إلى منازلِهِن
نجدُ بعضَنا البعضَ مع أجراسٍ صغيرةٍ ترنُّ بلحنِ الغيابِ الصغيرِ
في ساحةٍ ألوِّثُها بدخانِ سيجارتي
ومن وسطِ الدخانِ يخرجُ شَبَحُ المستنقع
يبتغي النار
زفيرُ الأنفاسِ المتجلدةِ والغبارُ يَسُدُّ الحناجر
الليلة، وصلَ صوتُ النواقيس
الليلة، وعلى حدودِ الغبارِ الواضحةِ
تهيمُ الأزهارُ على وجهِها
والأغاني تَنبتُ في حناجرِ الرمادِ كظلٍّ على مرآة
تكمنُ الحريةُ في التأمّلِ وأنا أعطي الشبحَ جرعةً زائدةً
بقميصِه المشتعلِ في المطار
جرعةً زائدةً لي على الجزرِ العائمةِ في ميادينِ القتالِ
جرعةً زائدةً على الأرضِ التي تدورُ
تدورُ تماماً في اللحظةِ التي تَتركُ فيها الطائرةُ المَدْرَجَ
وتدورُ الأرضُ في اللحظةِ التي تَتحرّرُ فيها قَدَما المحكومِ بالإعدامِ
أو عندَما يشتعلُ قميصٌ على جسدٍ لرجلٍ دونَ اسم
حيثُ تنفتحُ شرايينُه على سطورِ ورقة
آخذُ جرعةً زائدةً من أجلك
من أمستردام إلى طهران.
* مثل شعراء إيرانيين كثر وجد محسن عمادي نفسه مواطناً في جمهورية المنفى. الشاعر المولود عام 1976، والذي اضطر لترك بلاده عام 2009 بسبب نشاطه السياسي، جعل من منفاه حالة إبداعية؛ فهو من أكثر شعراء جيله غزارة، كما انخرط في مشاريع مختلفة لترجمة الشعر الإيراني المعاصر إلى لغات أجنبية، ولا سيّما إلى اللغتين الإسبانية والإنكليزية. يعيش صاحب "الوقوف على الأرض" اليوم بين إسبانيا والمكسيك.
** ترجمة عن الفارسية: بشار النعيمي