24 أكتوبر 2024
للعربي الجديد نضيء شمعة ثانية
طوت صحيفة العربي الجديد عامها الأول. وهي تضيء، اليوم، شمعتها الثانية من دون أن تطفئ الأولى، يحدوها الواجب أن تعزز مساهمتها في إنارة طريق الجيل العربي الجديد الذي تُعلَّق عليه الآمال، فقد وصلت طرق الأهل إلى نهايتها، قبل أن تصل إلى منتهاها.
صدرت "العربي الجديد" لتضع بين يدي العربي الجديد وسيلة إعلامية مهنية، ترى في الصحافة مهنة ومسؤولية اجتماعية ووطنية، ورسالة تنويرية، ولتمنحه منبراً للإبداع الثقافي والحوار الفكري. وفي أقل من عام، نجحت في التحول إلى ملتقى يتجمع فيه وحوله كل الذين لم يتفرقوا بين اليأس والإحباط والاستسلام لمنطق القمع والقهر ورد الفعل المشوه عليه.
وقدمت "العربي الجديد" بنفسها نموذجاً لما يمكن أن يقوم به الشباب. لم يكن ذلك هدفها، لكنها وجدت نفسها يديرها شباب لا يتجاوز غالبيتهم الثلاثين عاماً، يترأسون معظم أقسامها، ويتفاعلون، بتواضع ورغبة بالمعرفة، مع جيل مخضرم من الصحافيين، يقدم خبرته من دون إملاءات، لكنه يصر، في الوقت نفسه، على أهمية الخبرة المهنية التي تتألف، غالباً، من إدراك الأخطاء التي لا يجوز تكرارها، لا من معرفة حقائق مطلقة ووصفات لا بد من اتباعها.
وتشديداً في الانحياز للعصر ومتطلباته، صدرت "العربي الجديد"، خلافاً لزميلاتها، موقعاً إلكترونياً تصدر عنه صحيفة، وليس صحيفة تملك موقعاً إلكترونياً، يقتصر على نشر ما سبق أن صدر ورقياً. فموقع العربي الجديد إخباري حي، أما صحيفته فتدرك أنها حين تصدر تكون الأخبار قد ملأت الهواتف الجوالة، ووسائل أخرى تزداد صغراً كلما ازدادت سرعة. ولذلك، تقدم هذه الجريدة للقارئ تحليلاً، وقصة، وتحقيقاً، وثقافة، ورأياً وتعليقاً. ولا يجوز أن ننسى أنها تقدم له، أيضاً، ما يمكن أن نسميه رونقاً صحافياً، وذوقاً جمالياً رفيعاً هو من مكونات أي نهضة تستحق التسمية، ويصرّ عليه من لا يريدون لـ "العربي الجديد" أن تكون "مجرد" موقع إلكتروني، فهم يمانعون تصديق أن الموقع الصحافي يمكن أن يكتمل بدون صحيفة. لهذا، فالصحيفة هذه التي طوت عامها المحمّل بالوعود لجسر مشروع العربي الجديد مع تقاليد الصحافة وتراثها، واعتراف منه بها؛ وهي، في الوقت نفسه، فرصة للتجديد في الشكل والمضمون، التجديد الذي ندرك أنه فتح طريقاً للآخرين للسير فيه، إنه "الصحيفة المجازينية"، ما يشبه مجلة يومية تصر أنها صحيفة، ويدعمها موقع إلكتروني ينافس وكالات الأنباء في سرعة نقل الخبر وموضوعيته. والتجديد الحقيقي هو ذلك الذي لا يبقى فريداً، إذ يحفّز الآخرين على دربه، وإلا فما فائدة الجدّة والتجديد؟
شرّفتني هيئة تحرير الجريدة بكتابة افتتاحية العدد الأول منها، فكتبته بعنوان: من أنتم؟ نحن". نحن هو الجواب على من أنتم. ونحن هي أيضاً جواب متجدد على سؤال نقدي ذاتي مستمر: "من نحن؟". وها هي تلح عليّ أن أكتب تحية العام الأول من خارج المهنة بمفهومها الضيق. وبكل اعتزاز بهذا التكليف، أتقدم لأسرة "العربي الجديد"، المحررين والمراسلين، والموظفين، والإدارة، بالتهنئة القلبية على النجاح الكبير الذي تحقق، وبالتضامن الصادق معكم على حجم الوعود الجديدة التي ولدها هذا النجاح الكبير. ثمّة جيل عربي كامل، يتطلع إليكم كي تكونوا منبره الذي يحول دون محاصرته ما بين التخلف والفساد، وما بين التطرف والاستبداد. أثبت نجاح "العربي الجديد" المبهر أن عديدنا كثير، وفي البلدان العربية كافة. من أنتم؟ نحن الديمقراطيون العرب، نحن الملتزمون بالحرية والعدالة والديمقراطية، وبفلسطين والقضايا العربية، نحن كثر، أكثر مما تتوقعون. هذا ما كنا واثقين منه، وهذا ما بينته "العربي الجديد" في عامها الأول.
وبعد
مرّ عليكم وعلينا عام صعب. لقد رد التخلف والاستبداد بقسوة على حلم الشباب العربي بالحرية والعدالة، بالكرامة والمساواة. ولم يكتف الحليفان، الاستبداد ورد الفعل اليائس عليه، بعملته ذاتها، بشن الحرب على الحلم لتحويله إلى كابوس، والتآمر على الأمل والتطلع إلى المستقبل، بل لفّقوا في أروقة أجهزة الظلام لائحة اتهام للضحية. وبموجبها، يحاكم من تطلّع لإصلاح الأنظمة الحاكمة، وليس من تعنّت في رفض الإصلاح. ويُدان من قام بثورة سلميةٍ، لا من شنَّ الحرب على شعبه الأعزل، وحوّل الثورات المدنية التي أخرجت أفضل ما في العرب إلى احتراب أهلي أخرج أسوأ ما فيهم، ويحرّض ضد من طالب بتغيير النظام، وليس النظام الذي حوّل الدولة إلى مزرعةٍ للاستبداد والفساد، ومَن جعل التحول الديمقراطي فوضى عارمة...
في هذه الأيام الصعبة، تحوّل بعض الحكام إلى مستعمرين مستوطنين، وحولوا شعوبهم إلى مقاومين للاستعمار وصابرين عليه، ولاجئين يركبون الموت نفسه بحثاً عن حياة بعيدة عن هذه الأنظمة الظلامية، وما استدعته من قوى لا تقل عنها ظلامية. وفي هذه المرحلة الصعبة، لا يجوز أن تضيع منا بوصلة الحرية والعدالة والديمقراطية، وشعلة العقلانية في مواجهة تحديات العصر، وتفضيل الإصلاح على الاحتراب، أسساً لنهوض مجتمعاتنا وشروطه. لهذا، نقول لـ "العربي الجديد"، بلا تعالٍ على حقيقة الألم الدامغة، وبتواضع من يعلم أن الأمل الكبير هو الآن غصة في القلوب: كل عام وأنت بخير.
صدرت "العربي الجديد" لتضع بين يدي العربي الجديد وسيلة إعلامية مهنية، ترى في الصحافة مهنة ومسؤولية اجتماعية ووطنية، ورسالة تنويرية، ولتمنحه منبراً للإبداع الثقافي والحوار الفكري. وفي أقل من عام، نجحت في التحول إلى ملتقى يتجمع فيه وحوله كل الذين لم يتفرقوا بين اليأس والإحباط والاستسلام لمنطق القمع والقهر ورد الفعل المشوه عليه.
وقدمت "العربي الجديد" بنفسها نموذجاً لما يمكن أن يقوم به الشباب. لم يكن ذلك هدفها، لكنها وجدت نفسها يديرها شباب لا يتجاوز غالبيتهم الثلاثين عاماً، يترأسون معظم أقسامها، ويتفاعلون، بتواضع ورغبة بالمعرفة، مع جيل مخضرم من الصحافيين، يقدم خبرته من دون إملاءات، لكنه يصر، في الوقت نفسه، على أهمية الخبرة المهنية التي تتألف، غالباً، من إدراك الأخطاء التي لا يجوز تكرارها، لا من معرفة حقائق مطلقة ووصفات لا بد من اتباعها.
وتشديداً في الانحياز للعصر ومتطلباته، صدرت "العربي الجديد"، خلافاً لزميلاتها، موقعاً إلكترونياً تصدر عنه صحيفة، وليس صحيفة تملك موقعاً إلكترونياً، يقتصر على نشر ما سبق أن صدر ورقياً. فموقع العربي الجديد إخباري حي، أما صحيفته فتدرك أنها حين تصدر تكون الأخبار قد ملأت الهواتف الجوالة، ووسائل أخرى تزداد صغراً كلما ازدادت سرعة. ولذلك، تقدم هذه الجريدة للقارئ تحليلاً، وقصة، وتحقيقاً، وثقافة، ورأياً وتعليقاً. ولا يجوز أن ننسى أنها تقدم له، أيضاً، ما يمكن أن نسميه رونقاً صحافياً، وذوقاً جمالياً رفيعاً هو من مكونات أي نهضة تستحق التسمية، ويصرّ عليه من لا يريدون لـ "العربي الجديد" أن تكون "مجرد" موقع إلكتروني، فهم يمانعون تصديق أن الموقع الصحافي يمكن أن يكتمل بدون صحيفة. لهذا، فالصحيفة هذه التي طوت عامها المحمّل بالوعود لجسر مشروع العربي الجديد مع تقاليد الصحافة وتراثها، واعتراف منه بها؛ وهي، في الوقت نفسه، فرصة للتجديد في الشكل والمضمون، التجديد الذي ندرك أنه فتح طريقاً للآخرين للسير فيه، إنه "الصحيفة المجازينية"، ما يشبه مجلة يومية تصر أنها صحيفة، ويدعمها موقع إلكتروني ينافس وكالات الأنباء في سرعة نقل الخبر وموضوعيته. والتجديد الحقيقي هو ذلك الذي لا يبقى فريداً، إذ يحفّز الآخرين على دربه، وإلا فما فائدة الجدّة والتجديد؟
شرّفتني هيئة تحرير الجريدة بكتابة افتتاحية العدد الأول منها، فكتبته بعنوان: من أنتم؟ نحن". نحن هو الجواب على من أنتم. ونحن هي أيضاً جواب متجدد على سؤال نقدي ذاتي مستمر: "من نحن؟". وها هي تلح عليّ أن أكتب تحية العام الأول من خارج المهنة بمفهومها الضيق. وبكل اعتزاز بهذا التكليف، أتقدم لأسرة "العربي الجديد"، المحررين والمراسلين، والموظفين، والإدارة، بالتهنئة القلبية على النجاح الكبير الذي تحقق، وبالتضامن الصادق معكم على حجم الوعود الجديدة التي ولدها هذا النجاح الكبير. ثمّة جيل عربي كامل، يتطلع إليكم كي تكونوا منبره الذي يحول دون محاصرته ما بين التخلف والفساد، وما بين التطرف والاستبداد. أثبت نجاح "العربي الجديد" المبهر أن عديدنا كثير، وفي البلدان العربية كافة. من أنتم؟ نحن الديمقراطيون العرب، نحن الملتزمون بالحرية والعدالة والديمقراطية، وبفلسطين والقضايا العربية، نحن كثر، أكثر مما تتوقعون. هذا ما كنا واثقين منه، وهذا ما بينته "العربي الجديد" في عامها الأول.
وبعد
مرّ عليكم وعلينا عام صعب. لقد رد التخلف والاستبداد بقسوة على حلم الشباب العربي بالحرية والعدالة، بالكرامة والمساواة. ولم يكتف الحليفان، الاستبداد ورد الفعل اليائس عليه، بعملته ذاتها، بشن الحرب على الحلم لتحويله إلى كابوس، والتآمر على الأمل والتطلع إلى المستقبل، بل لفّقوا في أروقة أجهزة الظلام لائحة اتهام للضحية. وبموجبها، يحاكم من تطلّع لإصلاح الأنظمة الحاكمة، وليس من تعنّت في رفض الإصلاح. ويُدان من قام بثورة سلميةٍ، لا من شنَّ الحرب على شعبه الأعزل، وحوّل الثورات المدنية التي أخرجت أفضل ما في العرب إلى احتراب أهلي أخرج أسوأ ما فيهم، ويحرّض ضد من طالب بتغيير النظام، وليس النظام الذي حوّل الدولة إلى مزرعةٍ للاستبداد والفساد، ومَن جعل التحول الديمقراطي فوضى عارمة...
في هذه الأيام الصعبة، تحوّل بعض الحكام إلى مستعمرين مستوطنين، وحولوا شعوبهم إلى مقاومين للاستعمار وصابرين عليه، ولاجئين يركبون الموت نفسه بحثاً عن حياة بعيدة عن هذه الأنظمة الظلامية، وما استدعته من قوى لا تقل عنها ظلامية. وفي هذه المرحلة الصعبة، لا يجوز أن تضيع منا بوصلة الحرية والعدالة والديمقراطية، وشعلة العقلانية في مواجهة تحديات العصر، وتفضيل الإصلاح على الاحتراب، أسساً لنهوض مجتمعاتنا وشروطه. لهذا، نقول لـ "العربي الجديد"، بلا تعالٍ على حقيقة الألم الدامغة، وبتواضع من يعلم أن الأمل الكبير هو الآن غصة في القلوب: كل عام وأنت بخير.