لم يثمر التعاون الإيراني ـ التركي ـ العراقي مع النظام السوري لتحجيم الطموحات الكردية في كل من سورية والعراق حتى الآن، سوى في توجيهه ضربات قوية لرئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البارزاني، بإعادته إلى حدود سيطرة الإقليم قبل ظهور تنظيم "داعش" في يونيو/حزيران 2014، وإنهاء "حدود الدم" وإسقاط استفتاء الانفصال، بينما يبدو العدو الأول للجمهورية التركية، حزب "العمال الكردستاني"، حتى الآن، متمكناً من تجنب هذه الانتكاسة الكبيرة، فلم يدخل في أي اشتباكات حقيقية مع القوات العراقية في شمال العراق، في الوقت الذي يستمر فيه بالتمدد في شمال سورية، في شرق نهر الفرات على حساب "داعش"، موجّهاً ضربات قوية للنظام السوري عبر السيطرة على أهم حقول الغاز والنفط في محافظة دير الزور. وعلى الرغم من تكرار قيادات "العمال الكردستاني" الحديث عما يشبه التضامن والتحالف مع البارزاني في وجه "التواطؤ التركي"، إلا أن ذلك لم يثمر عن أي تحالف جدي على الأرض، بينما تستمرّ القوات التركية في عملياتها ضد الأخير في جنوب شرقي تركيا وداخل الأراضي العراقية، في مناطق سيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة البارزاني.
وإضافة إلى الدعم الإيراني والتركي، لم يكن تقدم القوات العراقية و"الحشد الشعبي" ضد البشمركة ليحصل لولا التخلي الأميركي الضمني عن البارزاني. لكن لا يبدو، حتى الآن، وجود أي تخلٍ عن "العمال الكردستاني"، سواء في الأراضي السورية أو العراقية، حيث لا يزال "الكردستاني" مسيطراً على مناطق واسعة من جبال سنجار التابعة لمحافظة نينوى (الموصل)، من دون أن تعترضه القوات العراقية، إضافة إلى مناطق سيطرته غربي الفرات عبر جناحه السوري، أي حزب الاتحاد الديمقراطي، في كل من الحسكة والرقة ودير الزور، وكذلك كل من منبج ومنطقة عفرين التابعة لمحافظة حلب.
في هذا السياق، يبدو أن زيارة رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي إلى العاصمة التركية أنقرة، أمس الأربعاء، كانت محمّلة ضمنياً بموضوع "العمال الكردستاني"، إضافة إلى الخطوات الأخرى المحتملة التي من المنتظر اتخاذها لتحجيم البارزاني بشكل أكبر، سواء بما يتعلق بسيطرة الحكومة الاتحادية على المعابر الحدودية أو المطارات، أو إعادة البارزاني لحدود سيطرته قبل غزو العراق في عام 2003.
وكان العبادي، كشف يوم الثلاثاء الماضي، أن "زيارته لكل من إيران وتركيا ستتضمن نقل الرؤية العراقية بشأن مستقبل المنطقة"، مضيفاً "نعتزم التباحث مع الحكومة التركية حول حصة العراق المائية والمنافذ الحدودية المشتركة، وتركيا أكدت أن انفصال كردستان العراق يشكّل خطراً عليها وعلى المنطقة".
وبحث العبادي مع الإدارة التركية، تمحور حول ثلاثة مواضيع رئيسية، فإضافة إلى ملف المياه، بحث الجانبان مسألة الإمعان في تحجيم البارزاني على رأس القائمة، تحديداً عبر إعادة تنظيم المعابر بين العراق وتركيا وفق خيارين، أحدهما قيام كل من القوات المسلحة التركية بالتعاون مع القوات العراقية المتواجدة في تركيا (للمشاركة في المناورات المستمرة منذ نحو الشهر) بالسيطرة على معبر ابراهيم الخليل، أي المعبر الرئيسي للبضائع التركية. أما الخيار الثاني، فمتعلق بتقدّم القوات العراقية وسيطرتها بالكامل على ناحية ربيعة، التابعة للموصل وصولاً إلى الحدود التركية، ومن ثم افتتاح معبر جديد بين الجانبين، وهو ما اقترحه الأتراك، على أن يكون امتداده من منطقة أوفاكوي في ولاية شرناق ومنه إلى تلعفر ومن ثم الموصل. وُوجهت هذه الخطة بمقاومة شرسة من قوات البشمركة، يوم الثلاثاء الماضي، فلم تتمكن القوات العراقية من التقدم باتجاه معبر فيش خابور/سيمالكة بين الأراضي السورية والعراقية في ناحية ربيعة. بالنسبة للبشمركة فإن سيطرة القوات العراقية على ناحية ربيعة بالكامل، تؤدي إلى تحويل جميع خطوط التجارة بين العراق وتركيا عن الإقليم، مع تسجيل خسائر تجارية كبيرة، بعد الخسائر الضخمة التي تلقتها أربيل بخسارة حقول كركوك، وكذلك خسارة الدعم التركي إثر استفتاء الانفصال.
وبينما تعمل تركيا على محاصرة "العمال الكردستاني" في منطقة عفرين وتشكيل حاجز يمنعه من التمدد، بحجة "ضرب هيئة تحرير الشام عبر اتفاق أستانة"، يبدو بأن الملف الثاني وربما الأهم على أجندة لقاءات العبادي بالنسبة لتركيا، سيكون التعاون بين الجانبين فيما يخص ضرب تواجد "العمال الكردستاني" في الأراضي العراقية، وبالذات منطقة سنجار، التي يدعوها المسؤولون الأتراك، بـ"جبل قنديل الثاني"، في إشارة إلى المركز الأم لـ"العمال الكردستاني" في جبل قنديل على الحدود الإيرانية ـ التركية، حيث تتمركز قيادات الكردستاني. ويظهر بأن الخطة التركية تقوم على تمزيق أوصال مناطق سيطرة الكردستاني بين العراق وشرق الفرات وغربه في سورية، ومن ثم العمل على ضربه.
في كل الحالات، تبدو كل من طهران وأنقرة متفقتين على تحجيم "العمال الكردستاني" بعد تحجيم البارزاني، ولكن لا يبدو الجانب العراقي مهتماً كثيراً بضرب الكردستاني، أو على الأقل لا يبدو العبادي مهتماً بذلك في ظل تحالفاته الإقليمية الحالية، في هذه المرحلة على الأقل. كما لا يبدو بأن هناك أي ضوء أخضر أميركي لضرب الكردستاني، الحليف الأهم على الأرض لواشنطن لمواجهة النفوذ الإيراني المتصاعد في المنطقة وبالذات في سورية. لكنه حليفٌ لا يزال متوجساً من مدى الالتزام الأميركي بدعمه، بعد أن قاربت الإدارة الأميركية على التخلي عن قوات المعارضة السورية المعتدلة سواء في الجنوب أو الشمال.