لماذا عين ترامب تلرسون؟
علاء الدين مديني (الجزائر)
حصل ما حصل، وأقال الرجل الأول في التصريحات الحمقاء والقرارات الارتجالية، دونالد ترامب، الرجل المعروف في الأوساط العالمية بالرجل الهادئ، أو رجل المهادنات، ريكس تيلرسون، وذلك من دون علم مسبق منه.
إصرار ترامب على إهانة وزير خارجيته، بإعلان إقالته في "تويتر"، وليس كما تنص عليه العادات والأعراف الدبلوماسية عبر مرسوم رئاسي، يؤكد امتعاض ترامب من تيلرسون، وأن العلاقة بين الرجلين وصلت إلى نقطة اللاعودة.
حاول ترامب استباق الأحداث، ليغطي حجم الشرخ في العلاقة بينه وبين تيلرسون، فيما يخص القضايا الكبرى التي كان يعمل عليها وزير الخارجية وفريقه، وواصل عبر "تويتر" أيضا "كنا متفقين بشكل جيد، لكن اختلفنا حول بعض الأمور.. بالنسبة للاتفاق النووي الإيراني، أعتقد أنه رهيب، بينما اعتبره (تيلرسون) مقبولا، وأردت إلغاءه أو القيام بأمر ما، بينما كان موقفه مختلفا بعض الشيء. ولذلك لم نتفق في مواقفنا".
يريد ترامب هنا أن يذهب إلى أن السبب الرئيس، أو حتى الوحيد، الذي جعله يستغني عن خدمات وزير خارجيته بهذه الطريقة، هو اختلاف وجهتي النظر بينهما حول الاتفاق النووي مع إيران. ولكن تصريحات الرجلين المتناقضة تماما فضحت وما زالت تفضح ما حاول ترامب إخفاءه، وهو أن ما يفرق بينهما أكثر بكثير مما يجمع.
شهد ملف التزام الولايات المتحدة بقرارات قمة باريس للمناخ (سنة 2015) من عدمه خلافا كبيرا بين ترامب وتيلرسون، فالأول تعهد خلال حملته الانتخابية بإلغاء الاتفاق حال فوزه، وبعد أن تحقق له ذلك اتبع أسلوب المماطلة في إعطاء قرار نهائي حول الموضوع، بسبب معارضة قسم كبير من فريقه الحكومي، وفي مقدمتهم وزير الخارجية الذي قال إن الولايات المتحدة "تريد فقط التأكد من أن القرارات التي تتخذ لن تضر بسياستها أو القدرة التنافسية لشركاتها وبشكل عام بنموها الاقتصادي. وأن كل اقتراح بإعادة التفاوض على النص الذي تم التوصل إليه بعد سنوات عدة من المفاوضات الشاقة، مرفوض بشكل حازم"، فإذا كان مجرد اقتراح إعادة التفاوض حول قرارات القمة مرفوض، فإن وزارة الخارجية تشير إلى أن الإلغاء الذي توعد به الرئيس غير وارد تماما.
وبعيدا عن إيران وقطر وقمة المناخ والمحادثات مع الزعيم الكوري، هناك فصول وفصول في قصة الخلاف بين دونالد ترامب وريكس تيلرسون، بدءا بالعلاقة مع كل من روسيا والصين، وإسناد ملفات ثقيلة يشدد تيلرسون على أنها من صلاحية رئيس الدبلوماسية وفريقه إلى أشخاص من العائلة ممثلين في إيفانكا ترامب، ابنة الرئيس، وزوجها جاريد كوشنر، الذي يتابع محادثات السلام في الشرق الأوسط، وخصوصا القضية الفلسطينية. وليس انتهاء بالخلاف حول معاهدة التجارة الحرة عبر المحيط الهادي التي انسحبت منها الولايات المتحدة بقرار من ترامب بعد تنصيبه مباشرة رئيسا للبلاد.
أكثر ما يجمع الرجلين هو الخلاف، فلماذا اختير تيلرسون من الأساس؟
قد يتبادر إلى الأذهان تساؤل ملح: لماذا اختار ترامب تيلرسون لهذا المنصب الحساس أصلا، إذا كانا لا يتفقان في شيء تقريبا؟
بنى دونالد ترامب اختياره ريكس تيلرسون ليشغل منصب وزير الخارجية في فريقه الحكومي انطلاقا من مسيرة الرجل المهنية، التي كان يرى فيها ترامب "تجسيدا للحلم الأميركي" الذي لطالما تغنى و مازال يتغنى به. وعبر تويتر أيضا، أكد ترامب على أن "تيلرسون يعرف كيف يدير مؤسسة عالمية، وهذا أمر مهم جدًا لكي تكون إدارة وزارة الخارجية إدارة ناجحة".
ولكن تسيير شركة، حتى وإن كانت أعظم شركة طاقة في العالم كإكسون موبيل، لن يكون تماما مثل تسيير وزارة الخارجية في دولة كأميركا. هنا كانت المشكلة، فتيلرسون واصل تسيير وزارة الخارجية بالعقلية نفسها، وهو الذي لا يمتلك أي تجارب سياسية سابقة، وهي عقلية تحقيق المكاسب والحفاظ على مصالح شركته مع ضمان الرضا للأطراف الأخرى، التي غالبا ما كانت حكومات، منها حكومات دول كبرى كروسيا.
اصطدمت هذه العقلية المعتدلة بعقلية الرئيس الأميركي المتعصب الذي يرى أميركا فوق كل شيء، وأن مصالح أميركا واقتصادها والأمن القومي لها يأتي قبل كل شيء، ومن دون أي اعتبار لأي شيء. وهذه العقلية المتصلبة لترامب أضرت حتى بالعلاقة مع الكثير من الحلفاء التقليديين لواشنطن.
وبالتالي، و مع استمرار الخلافات بين الرجلين، كانت تتشكل لدى ترامب قناعة بأن تيلرسون ليس الرجل المناسب الذي كان يظنه، فقرر أخيرا الاستغناء عنه، وتعيين رجل يشترك معه في الرؤى المتعصبة نفسها التي تضع أميركا فوق الجميع.
إصرار ترامب على إهانة وزير خارجيته، بإعلان إقالته في "تويتر"، وليس كما تنص عليه العادات والأعراف الدبلوماسية عبر مرسوم رئاسي، يؤكد امتعاض ترامب من تيلرسون، وأن العلاقة بين الرجلين وصلت إلى نقطة اللاعودة.
حاول ترامب استباق الأحداث، ليغطي حجم الشرخ في العلاقة بينه وبين تيلرسون، فيما يخص القضايا الكبرى التي كان يعمل عليها وزير الخارجية وفريقه، وواصل عبر "تويتر" أيضا "كنا متفقين بشكل جيد، لكن اختلفنا حول بعض الأمور.. بالنسبة للاتفاق النووي الإيراني، أعتقد أنه رهيب، بينما اعتبره (تيلرسون) مقبولا، وأردت إلغاءه أو القيام بأمر ما، بينما كان موقفه مختلفا بعض الشيء. ولذلك لم نتفق في مواقفنا".
يريد ترامب هنا أن يذهب إلى أن السبب الرئيس، أو حتى الوحيد، الذي جعله يستغني عن خدمات وزير خارجيته بهذه الطريقة، هو اختلاف وجهتي النظر بينهما حول الاتفاق النووي مع إيران. ولكن تصريحات الرجلين المتناقضة تماما فضحت وما زالت تفضح ما حاول ترامب إخفاءه، وهو أن ما يفرق بينهما أكثر بكثير مما يجمع.
شهد ملف التزام الولايات المتحدة بقرارات قمة باريس للمناخ (سنة 2015) من عدمه خلافا كبيرا بين ترامب وتيلرسون، فالأول تعهد خلال حملته الانتخابية بإلغاء الاتفاق حال فوزه، وبعد أن تحقق له ذلك اتبع أسلوب المماطلة في إعطاء قرار نهائي حول الموضوع، بسبب معارضة قسم كبير من فريقه الحكومي، وفي مقدمتهم وزير الخارجية الذي قال إن الولايات المتحدة "تريد فقط التأكد من أن القرارات التي تتخذ لن تضر بسياستها أو القدرة التنافسية لشركاتها وبشكل عام بنموها الاقتصادي. وأن كل اقتراح بإعادة التفاوض على النص الذي تم التوصل إليه بعد سنوات عدة من المفاوضات الشاقة، مرفوض بشكل حازم"، فإذا كان مجرد اقتراح إعادة التفاوض حول قرارات القمة مرفوض، فإن وزارة الخارجية تشير إلى أن الإلغاء الذي توعد به الرئيس غير وارد تماما.
وبعيدا عن إيران وقطر وقمة المناخ والمحادثات مع الزعيم الكوري، هناك فصول وفصول في قصة الخلاف بين دونالد ترامب وريكس تيلرسون، بدءا بالعلاقة مع كل من روسيا والصين، وإسناد ملفات ثقيلة يشدد تيلرسون على أنها من صلاحية رئيس الدبلوماسية وفريقه إلى أشخاص من العائلة ممثلين في إيفانكا ترامب، ابنة الرئيس، وزوجها جاريد كوشنر، الذي يتابع محادثات السلام في الشرق الأوسط، وخصوصا القضية الفلسطينية. وليس انتهاء بالخلاف حول معاهدة التجارة الحرة عبر المحيط الهادي التي انسحبت منها الولايات المتحدة بقرار من ترامب بعد تنصيبه مباشرة رئيسا للبلاد.
أكثر ما يجمع الرجلين هو الخلاف، فلماذا اختير تيلرسون من الأساس؟
قد يتبادر إلى الأذهان تساؤل ملح: لماذا اختار ترامب تيلرسون لهذا المنصب الحساس أصلا، إذا كانا لا يتفقان في شيء تقريبا؟
بنى دونالد ترامب اختياره ريكس تيلرسون ليشغل منصب وزير الخارجية في فريقه الحكومي انطلاقا من مسيرة الرجل المهنية، التي كان يرى فيها ترامب "تجسيدا للحلم الأميركي" الذي لطالما تغنى و مازال يتغنى به. وعبر تويتر أيضا، أكد ترامب على أن "تيلرسون يعرف كيف يدير مؤسسة عالمية، وهذا أمر مهم جدًا لكي تكون إدارة وزارة الخارجية إدارة ناجحة".
ولكن تسيير شركة، حتى وإن كانت أعظم شركة طاقة في العالم كإكسون موبيل، لن يكون تماما مثل تسيير وزارة الخارجية في دولة كأميركا. هنا كانت المشكلة، فتيلرسون واصل تسيير وزارة الخارجية بالعقلية نفسها، وهو الذي لا يمتلك أي تجارب سياسية سابقة، وهي عقلية تحقيق المكاسب والحفاظ على مصالح شركته مع ضمان الرضا للأطراف الأخرى، التي غالبا ما كانت حكومات، منها حكومات دول كبرى كروسيا.
اصطدمت هذه العقلية المعتدلة بعقلية الرئيس الأميركي المتعصب الذي يرى أميركا فوق كل شيء، وأن مصالح أميركا واقتصادها والأمن القومي لها يأتي قبل كل شيء، ومن دون أي اعتبار لأي شيء. وهذه العقلية المتصلبة لترامب أضرت حتى بالعلاقة مع الكثير من الحلفاء التقليديين لواشنطن.
وبالتالي، و مع استمرار الخلافات بين الرجلين، كانت تتشكل لدى ترامب قناعة بأن تيلرسون ليس الرجل المناسب الذي كان يظنه، فقرر أخيرا الاستغناء عنه، وتعيين رجل يشترك معه في الرؤى المتعصبة نفسها التي تضع أميركا فوق الجميع.