يكتب المؤرخون، ويحصي المختصون، وينشر الصحافيون، ويبقى الاختيار أخيراً للجمهور. هذا قانون اللعبة، في رياضة خطفت كل الأضواء، وسلبت كل العقول، ولم يعد من منافس لها على الأرض، في هذه اللعبة التي تسمى كرة القدم وتلقب بالساحرة المستديرة، تختلف وجهات النظر، لكن يبقى الثابت الوحيد فيها، أن القمة ليست متاحة للجميع، وأن المجد لا يبلغ بالترشيحات، ولا يُشترى بالأموال، وبلوغ العرش يتطلب أشياء أكبر من أن تُخط بكلمات، بل تُشاهد بالأعين حتى تثمل العقول من المتعة.
القمة التي يراد في كل مرة دفع اسمٍ لبلوغها، طريقها ليس مفروشاً بالورود، وحراس أبوابها لا يُشترون بالمال مهما زاد البذخ، فلا تقبل إلا الفارس الأصيل، الذي يكون حقاً أهلاً لأن يطأها بأقدامه، ويرسم الطريق إليها بشغفه، وينجح في تحدي كل الصعاب التي قد تحول بينه وبينها، فلا ترضى إلا بذوي الشخصية القوية، والعزيمة الفولاذية، فتنصر الموهوبين وتجازي المجتهدين.
بين هذا الوصف الشاعري، وذلك المعنى الذي يختبئ بين الكلمات باستحياء، يبزغ نجمان، تمكّنا من فك كل الرموز، وامتلكا كل المقومات، ونجحا في الوصول إلى العرش، ليتناوبا عليه بالتعادل، ويقتسما وقت التربع بالتساوي بينهما، وفق قانون عادل يكافئ كل مجتهد ويفتح أبواب المجد لكل ساعٍ. هذان الاسمان هما البرتغالي كريستيانو رونالدو، والأرجنتيني ليونيل ميسي.
بلغة الرياضيات، هما الرقمان الصعبان في كل معادلة الكرة في السنوات الأخيرة، لا يقبلان القسمة إلا على المجد، ولا يمكن اختزالهما بتاتاً، كما أن قيمتهما تؤول إلى ما لانهاية، والنجاح بالنسبة لهما عبارة عن متتالية، تحصد الأرقام والألقاب.
أما بلغة النحو والبلاغة، فهما الفاعل المرفوع فوق الأكتاف، بعد كل إنجاز، والضمير المتصل بمنصات التتويج، فلا صفة تتبعهما سوى صفات التفخيم، ولا يُبنيان على المجهول، فالمعلوم لديهما هو الأرقام التي تتساقط أمامهما يوما بعد يوم.
أي نعم، البقاء في القمة لن يدوم، والعطاء لن يطول، والشباب لن يدوم، وسيصبح مجرد ذكريات ترص في خزانة الذكريات، ويعود إليها الجميع لما تثيره الذكريات، لكن إلى حين ذلك، لا يزال النجمان الأكثر تأثيرا، والأقوى كاريزما، ولم تعرف ميادين الكرة بعد من يقدر على إزاحتهما على عرشهما، رغم أن السنين تلعب لعبتها فتحوّل الاثنين إلى ثلاثة، وقد تقترب من الأربعة وتقترب معها النهاية.
نيمار الذي فر بنفسه من ظل ميسي، باحثاً عن طريق المجد، معللا ذلك أن الظلام في الخلف يحجب عنه رؤية الطريق، لكن لا يزال أصغر من أن يقارع الكبار، ففي ليلة باريس الظلماء افتُقد البدر البرازيلي، ولم يحضر سوى باستحياء مرات قليلة، فاسحاً المجال أمام الدون ليكون عريس الليلة، نفس الأمر لهازارد، فقد خفت صوته وبُحّت حنجرته أمام صوت ميسي، ففي ليلة كان بإمكانه كتابة تاريخ جديد، فشل هو ونجح البرغوث في أن يكتب تاريخاً جديداً، ويسقط آخر رقم كان يؤرقه، ويتعلق بمرمى تشلسي الذي لم يسبق أن زاره، حتى ديبروين الأشقر المتألق، مهما علا مستواه لن يقارن إلا بتشافي، وإن جن جنون المقارنين ستقارن أرقامه بأرقام زيدان.
عجلة الحياة لا تتوقف، وعجلة كرة القدم إضافة إلى ذلك، ستدهس كل من يحاول أن يقف في طريقها، ومن يأبى الابتعاد عن طريقها، فكم من كبير حاول مقارعتها فطُوي اسمه في أرض النسيان، ومن طاوعها وحاد عن طريقها واختار العزة لنفسه، كرّمته في خانة الكبار، ومسحت عن اسمه غبار النسيان، وأعادته إلى الواجهة في كل مرة، كذلك الأمر بالنسبة إلى ميسي ورونالدو، هما في الجولة الفاصلة، في آخر مراحل السباق، اللحظة المنتظرة ليكسر التعادل الحاصل بينهما، ويرسم الفائز الأبدي بعرش الأرقام.