09 يونيو 2023
لماذا نكره الضرائب؟
يكره الناس في بلداننا الضرائب، ويتخذون تجاهها موقفًا معاديًا، ويفاخر مواطننا بتهرّبه منها، من دون أن يناله عقابٌ يذكر، بينما يفاخر المواطن في البلدان المتقدمة، وخصوصا في الدول الاسكندنافية، بالتزامه بسدادها، ويؤدي التهرّب من سدادها عندهم إلى الحبس، ويجلب العار على المتهرّب. ويتراجع الالتزام بسداد الضرائب، ويزداد التهرّب الضريبي، كلما انحدرنا جنوبًا.
لم يعرف مواطنو دول مجلس التعاون الخليجي الخوف من الضرائب، لأنه لا يوجد أنظمة ضرائب يخافون منها، فقد اعتاد السكان عقودا (مواطنون ومقيمون ورجال أعمال) عدم فرض أي نوع من الضرائب على الأرباح أو على الرواتب والأجور، كما كانت الرسوم الجمركية، وهي جزء من النظام الضريبي، منخفضة جداً، ففي دول مجلس التعاون لم تكن "خزينة الدولة جيوب رعاياها"، بل كانت هذه المقولة معكوسة فيها، فقد كانت خزائن المواطنين هي جيوب الدولة التي ترعاهم، والتي لم تفرض أي ضرائب عليهم، بل أمَّنَتْ لهم فرص العمل والأعمال المجزية، كما أمنت التعليم والطبابة مجانا، وقدّمت القروض السهلة للسكن، وقدمت الطاقة بأسعار مدعومة، وساعدت مواطنها في أي ضائقةٍ يمر بها، وكانت الموارد الوفيرة من النفط والغاز المصدر الرئيس لتمويل موازنات دولهم، ما شكل ثقافة ريعية اتكالية.
تراجع أسعار النفط من أكثر من مائة دولار منتصف 2014 إلى نحو 45 دولاراً اليوم، قد قلب الموازين، وجعل موازنات تلك الدول تقع في عجزٍ كبير، وخصوصا موازنة السعودية، وهي تريد أن تتجنب تغطية هذا العجز من صناديق السيادة المحجوزة للمستقبل، أو من الاقتراض، أو اللجوء الواسع إلى الخصخصة، والمصدر البديل الوحيد على الأمد الطويل هو الضرائب على الدخل بأنواعها.
لا يمكن تجنب فرض نظام ضريبي شامل في بلدان مجلس التعاون المصدّرة للنفط والغاز،
فتراجع دور النفط مصدرا رئيسا كافيا للخزينة العامة حقيقة ستزداد كل عام، وثمّة دول كثيرة أخرى مصدّرة للنفط والغاز، وتفرض نظاما ضريبيا متكاملا، مثل الجزائر وليبيا والعراق وروسيا وإيران، والمثل الأبرز عالميًا النرويج، وهي بلد مصدر كبير للنفط، لكن إيراداته توضع في الصناديق السيادية للأجيال القادمة. ونعتقد أن سياسة "صفر ضرائب" والاستغناء عنها مصدرا لتمويل الموازنة العامة إلى جانب النفط والغاز، لم تكن السياسة السليمة، أو على الأقل لم تعد السياسة السليمة. وتشكل هذه السياسة اليوم عقبةً أمام فرض نظام ضريبي شامل على الأرباح والأجور والرواتب، فالمواطن والوافد اعتادا أن هذه البلدان لا تفرض أي ضرائب، وفرض ضرائب الآن سيؤثر على الدخل، ربحًا كان أم أجورًا، كما سيلغي مزية "صفر ضرائب" التي ترغبها الشركات، ما يؤثر سلباً على جذب الاستثمار، غير أن هذه البلدان ليست جاذبة للاستثمار، بقدر ما هي مصدّرة له. وليست الإعفاءات الضريبية العامل الأهم في جذب الاستثمار، بل الأهم هو مجمل المناخ الذي يتيح للشركة تحقيق أرباح تكون خاضعة لضريبة دخل معتدلة.
واقعيًا، بدأت دول مجلس التعاون السير باتجاه استكمال إدخال نظام ضريبي شامل. لذلك فالطمأنينة الضريبية لدى سكان دول مجلس التعاون وقطاع الأعمال أوشكت أن تغادرهم، وأن “بعبع" الضرائب بدأ الاقتراب منهم. فقد بدأت دول مجلس التعاون تفرض فعلاً أنواعًا من الرسوم والضرائب، فالسعودية ترفع رسوم الإقامات على الوافدين، وتسعى إلى فرض ضريبة على المبيعات، وبيع شركات ومؤسسات عامة أو اجزاء منها للقطاع الخاص. ورفعت الإمارات أسعار الطاقة والماء ورسوم عدد من الخدمات، وتخطط لإدخال ضريبة القيمة المضافة في العام المقبل 2018. وتفرض سلطنة عُمَانْ ضرائب منخفضة نسبياً على أرباح الشركات لا تزيد عن 15% ولجأت أخيرا إلى إلغاء إعفاءات ضريبية عديدة، وبدأت تحرير أسعار الوقود، وتدرس البحرين فرض مزيد من الضرائب، إضافة إلى زيادة الرسوم على بعض الخدمات ورفع أسعار الطاقة وغيرها.
واضح أن دول مجلس التعاون تتبع نهجًا متدرجًا على مراحل، لإدخال نظام ضريبي شامل،
وستبدأ بـ "ضريبة المبيعات" أو "ضريبة القيمة المضافة"، والتي قد نراها سنة 2018 في مختلف دول المجلس، فهي وفيرة العائد وسهلة التحصيل، ولا تحتاج تكاليف كبيرة لتحصيلها، مقارنة بالضريبة المباشرة على الأرباح، وهي أسهل قبولًا لدى السكان، لأنها تشعر من يدفعها بأنه ليس مستهدفاً بالضريبة بذاته، كما الضرائب المباشرة على دخله، على الرغم من أن النتيجة واحدة لمحدودي الدخل.
لكن وفرة الإيرادات الضريبية تتطلب وعاءً ضريبيًا واسعًا، أي تتطلب قطاع أعمال مزدهرا، يخلق فرص عمل ورواتب وأرباحا تخضع للضريبة، فإن لم يوجد هذا القطاع لن يحقق فرض أي نظام ضريبي عائدًا كافيًا للخزينة. ومع تراجع قطاع النفط في العقود القليلة المقبلة، وبالتالي لا بد من تنمية قطاعات اقتصادية أخرى لا تقوم على القطاع الهايدروكاربوني، أي لا بد من النجاح في تحقيق التنويع الاقتصادي، لإيجاد قطاعات اقتصادية مزدهرة، تشكل وعاءً ضريبيًا كبيرًا يحقق للخزينة العامة وفرةً في الضرائب، فالضريبة جزء من فائض القيمة المضافة في أي بلد، والذي يتوزّع بين أجور قطاع الأعمال وأرباحه، وحصة الحكومة من ضرائب ورسوم.
بالمختصر، تحتاج دول مجلس التعاون استراتيجية جديدة لمواجهة استحقاقات المستقبل التي عنوانها: تراجع دور العمود الفقري لاقتصاداتها ولموارد خزائنها العامة. وليست الضرائب سوى واحد من بنود استراتيجية شاملة تحتاجها دول المجلس. ومن الضروري التوجه نحو التنويع الاقتصادي، لتنمية قطاعات اقتصادية أخرى، تخلق فرص عمل، وأرباحا، ودخلا للمواطنين والمقيمين وللحكومة، وهي استراتيجية غاية في الصعوبة والتعقيد، والأهم من وضعها على الورق، والأكثر صعوبةً، هو الانتقال إلى تنفيذها على الأرض.
لم يعرف مواطنو دول مجلس التعاون الخليجي الخوف من الضرائب، لأنه لا يوجد أنظمة ضرائب يخافون منها، فقد اعتاد السكان عقودا (مواطنون ومقيمون ورجال أعمال) عدم فرض أي نوع من الضرائب على الأرباح أو على الرواتب والأجور، كما كانت الرسوم الجمركية، وهي جزء من النظام الضريبي، منخفضة جداً، ففي دول مجلس التعاون لم تكن "خزينة الدولة جيوب رعاياها"، بل كانت هذه المقولة معكوسة فيها، فقد كانت خزائن المواطنين هي جيوب الدولة التي ترعاهم، والتي لم تفرض أي ضرائب عليهم، بل أمَّنَتْ لهم فرص العمل والأعمال المجزية، كما أمنت التعليم والطبابة مجانا، وقدّمت القروض السهلة للسكن، وقدمت الطاقة بأسعار مدعومة، وساعدت مواطنها في أي ضائقةٍ يمر بها، وكانت الموارد الوفيرة من النفط والغاز المصدر الرئيس لتمويل موازنات دولهم، ما شكل ثقافة ريعية اتكالية.
تراجع أسعار النفط من أكثر من مائة دولار منتصف 2014 إلى نحو 45 دولاراً اليوم، قد قلب الموازين، وجعل موازنات تلك الدول تقع في عجزٍ كبير، وخصوصا موازنة السعودية، وهي تريد أن تتجنب تغطية هذا العجز من صناديق السيادة المحجوزة للمستقبل، أو من الاقتراض، أو اللجوء الواسع إلى الخصخصة، والمصدر البديل الوحيد على الأمد الطويل هو الضرائب على الدخل بأنواعها.
لا يمكن تجنب فرض نظام ضريبي شامل في بلدان مجلس التعاون المصدّرة للنفط والغاز،
واقعيًا، بدأت دول مجلس التعاون السير باتجاه استكمال إدخال نظام ضريبي شامل. لذلك فالطمأنينة الضريبية لدى سكان دول مجلس التعاون وقطاع الأعمال أوشكت أن تغادرهم، وأن “بعبع" الضرائب بدأ الاقتراب منهم. فقد بدأت دول مجلس التعاون تفرض فعلاً أنواعًا من الرسوم والضرائب، فالسعودية ترفع رسوم الإقامات على الوافدين، وتسعى إلى فرض ضريبة على المبيعات، وبيع شركات ومؤسسات عامة أو اجزاء منها للقطاع الخاص. ورفعت الإمارات أسعار الطاقة والماء ورسوم عدد من الخدمات، وتخطط لإدخال ضريبة القيمة المضافة في العام المقبل 2018. وتفرض سلطنة عُمَانْ ضرائب منخفضة نسبياً على أرباح الشركات لا تزيد عن 15% ولجأت أخيرا إلى إلغاء إعفاءات ضريبية عديدة، وبدأت تحرير أسعار الوقود، وتدرس البحرين فرض مزيد من الضرائب، إضافة إلى زيادة الرسوم على بعض الخدمات ورفع أسعار الطاقة وغيرها.
واضح أن دول مجلس التعاون تتبع نهجًا متدرجًا على مراحل، لإدخال نظام ضريبي شامل،
لكن وفرة الإيرادات الضريبية تتطلب وعاءً ضريبيًا واسعًا، أي تتطلب قطاع أعمال مزدهرا، يخلق فرص عمل ورواتب وأرباحا تخضع للضريبة، فإن لم يوجد هذا القطاع لن يحقق فرض أي نظام ضريبي عائدًا كافيًا للخزينة. ومع تراجع قطاع النفط في العقود القليلة المقبلة، وبالتالي لا بد من تنمية قطاعات اقتصادية أخرى لا تقوم على القطاع الهايدروكاربوني، أي لا بد من النجاح في تحقيق التنويع الاقتصادي، لإيجاد قطاعات اقتصادية مزدهرة، تشكل وعاءً ضريبيًا كبيرًا يحقق للخزينة العامة وفرةً في الضرائب، فالضريبة جزء من فائض القيمة المضافة في أي بلد، والذي يتوزّع بين أجور قطاع الأعمال وأرباحه، وحصة الحكومة من ضرائب ورسوم.
بالمختصر، تحتاج دول مجلس التعاون استراتيجية جديدة لمواجهة استحقاقات المستقبل التي عنوانها: تراجع دور العمود الفقري لاقتصاداتها ولموارد خزائنها العامة. وليست الضرائب سوى واحد من بنود استراتيجية شاملة تحتاجها دول المجلس. ومن الضروري التوجه نحو التنويع الاقتصادي، لتنمية قطاعات اقتصادية أخرى، تخلق فرص عمل، وأرباحا، ودخلا للمواطنين والمقيمين وللحكومة، وهي استراتيجية غاية في الصعوبة والتعقيد، والأهم من وضعها على الورق، والأكثر صعوبةً، هو الانتقال إلى تنفيذها على الأرض.