الحقيقة أنه يوجد كثير منهم موزّعون في بلاد العالم بين اختصاصات العلوم الصحيحة والإنسانية ومختلف الأنشطة المعرفية، ومعظمهم لم يحظ بمثل هذا الاهتمام، سواء ما يتعلّق بنتائج أبحاثهم، أو بأخبار رحيلهم.
تستند شهرة زويل أيضاً إلى ذلك التهافت الرسمي العربي الذي تهاطل عليه عقب الاعتراف الغربي، حيث لم يتأخّر النظام المصري، زمن مبارك، وأنظمة عربية عديدة، عن الاحتفاء بأول عربي يحصل على "نوبل علمي"، وفتحِ الأبواب أمامه للمساهمة في تطوير مشاريع البحث العلمي، غير أنه يمكننا اليوم تقييم هذه المساهمة واعتبارها هزيلة للأسف، ليس بسبب عدم رغبة شخصية من قبل العالِم في تقديم يد المساعدة بل لأن نوايا تبجيله كانت سياسية تلميعية، ولم تكن تهدف إلى تطوير البحث العلمي كما كانت تعلن.
هاتان الملاحظتان تقوداننا، مرّة أخرى، إلى بؤرتين من بؤر السقوط العربية التي تبتلع كل الجهود الإصلاحية مثل ثقب أسود: الأولى هي مركزية الغرب حتى في تقديرنا لأبنائنا، إضافة إلى قدرته على الاستفادة منهم وتطويرهم في مقابل عجزنا عن ذلك، والثانية مركزية السلطة العربية من أجل المرور إلى فعل أي شيء على أرض الواقع.
عدم فاعلية مساهمة زويل لم تكن فقط لأسباب سلطوية، بل تعود أيضاً إلى أسباب بنيوية، فأي معنى لتطوير البحث العلمي في مناخ اقتصادي هش (لأسباب سياسية أيضاً) محكوم بترتيبات وتسويات تجعل المؤسّسات تضع في تصوّراتها عوامل الفساد والخمول، بدل العمل على استثمار نتائج البحوث؟
لعل التفكير في مثل هذا العائق يشبه كثيراً الاصطدام اليومي بصخرة، وهو أحد أسباب تخيير العلماء العرب العودة إلى مخابرهم الأميركية والأوروبية بدل إهدار ما تبقّى من جهودهم في محاولات سيزيفية محكوم عليها بالعزلة حتى الفشل.
لزويل مقولة تكاد تشبه معادلة رياضية تصف ما يحدث في بلادنا. يقول "الغرب ليسوا عباقرة ونحن لسنا أغبياء، ھم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل".
رغم شهرة هذه المقولة وتداولها منذ أكثر من عشر سنوات إلا أن لا شيء يتغيّر في الواقع، فلا تزال الهجرة هي الطريق الوحيد السالك بالنسبة إلى باحث عربي شاب طموح. ورغم أن هذه الظاهرة تمتد إلى أكثر من ثلاثة عقود، فإننا لا نرى أي بلد عربي يخطّط لهذه الهجرة أو يضعها في تصوّراته، وكأن العملية ممنهجة، إذ تشبه تغذية البلدان الصناعية بالمواد الأولية.
لا يزال إنتاج العقول يبدو في التصوّرات السياسية العربية غائباً رغم أنه أحد أهم أشكال صناعة الثروة. قصّة زويل هي قصة عقل عربي جرى إهداره، ثم الاحتفاء به حين بلغ مكانة في العالم، وهو الأمر الذي يبدو كشكل من أشكال نفاق النفس.
في مؤلّفاته، لم ينظر إلى الأمور من هذه الزاوية، كان كمن مكّنته المقاربات الماكروحضارية من تحاشي ألم الحديث عن جرح شخصي. كما لا ننسى أن أعماله بالعربية، "عصر العلم" و"رحلة عبر الزمن" أساساً، جاءت بعد نوبل (1999) أي أنها جزء من مكوّنات المائدة الاحتفائية التي نُصبت له.
هكذا، ومنذ تسلمه نوبل نهاية القرن الماضي، تشابه كل ما يصلنا عن زويل. وحتى مع رحيله نكاد نكون حيال خبر موحّد: تعريفه كمتحصّل على نوبل، ثم عرض لاكتشافاته العلمية وتطبيقاتها، فحديث عن مسار تكريماته. لكن للأسف، كل هذه الأشياء مثل عملة أجنبية غير قابلة للصرف عربياً.