لم يفاجأ البريطانيون والعالم، وهم يستيقظون، يوم الأحد، على تصريحات رئيس الوزراء البريطاني السابق، طوني بلير، التي ساند فيها قرار الولايات المتحدة بإرسال حاملة طائرات الى الخليج العربي، يوم أمس، في ظل اتساع سيطرة فصائل المسلحين على عدد من المدن العراقية في الأيام الأخيرة.
وكما عهده العالم، نفى بلير أن يكون غزو العراق في العام 2003، الذي شاركت فيه بلاده، هو سبب التدهور الأمني في بلاد الرافدين، فيما حمّل المسؤولية لما وصفه "التقاعس الدولي عن التدخل في سورية".
وقال بلير، يوم الأحد، في تصريح لهيئة الاذاعة البريطانية، "بي بي سي"، إن غزو بلاده للعراق في العام 2003، ليس سبب عمليات العنف المسلحة التي تجتاح العراق حالياً، ولفت الى أنه "يجب أن نشعر بالندم على تقاعسنا حيال سورية".
وتزامنت تصريحات بلير، مع مقال نشره على موقعه الإلكتروني، تحت عنوان: "العراق وسورية والشرق الأوسط". وكتب بلير أن "حالة العنف الراهنة في العراق هي متوقعة، لأن الدول الغربية تقاعست عمّا يجري في سورية"، وأشار إلى أن سيطرة المسلحين على مدينة الموصل العراقية، حصلت بالتخطيط مع الفصائل المسلحة المتشددة عبر الحدود السورية. كما دعا بلير الى ضرورة التحرر من فكرة "إننا السبب في ذلك"، نافياً أن تكون الأزمات الراهنة التي يشهدها العراق، ناتجة عن عملية الإطاحة بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
وأثارت تصريحات بلير موجة من انتقادات ساسة ومسؤولين داخل بريطانيا، بسبب ما اعتبروه تنصُّل بلير عن مسؤوليته عن تصاعد وتيرة العنف في العراق، إثر غزو العراق في 2003.
ورأى السفير البريطاني السابق في الولايات المتحدة، كريستوفر ماير، أن الحملة الدعائية التي شنت ضد صدام حسين هي "ربما السبب الرئيسي لتصاعد العنف الطائفي في العراق". وقال ماير لصحيفة "ميل أون سنداي" البريطانية، "نحن نحصد ما زرعنا في 2003". وأضاف: "كنا نعلم أن الاطاحة بصدام حسين سوف تقوّض الأمن في العراق، بعد 24 سنة من حكمه بالنار والحديد".
ولا يبدو أن اعتراض هؤلاء على تصريحات بلير نابع من تنصّله من مسؤولية غزو العراق والاطاحة بنظام صدام حسين فحسب، وإنما هم يرفضون أيضاً حصول تدخل بريطاني عسكري في سورية ، من خلال ضربات جوية ضد نظام الرئيس بشار الأسد، لمنعه من استخدام أسلحة كمياوية ضد شعبه. وكان هذا الاعتراض قد تمثل في رفض غالبية أعضاء البرلمان البريطاني تمرير قرار يمنح الحكومة البريطانية صلاحية توجيه ضربة عسكرية ضد النظام السوري في أغسطس/ آب الماضي، على أثر قيام الأخير بقتل المئات من المدنيين السوريين في مدينة قريبة من دمشق في ذلك الشهر.
ويتهم العديد من الساسة البريطانيين، منهم أعضاء في حزب العمال الذي كان يتزعمه طوني بلير، بأن الأخير قد أصبح ينتهج سياسة المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية. وكانت وزيرة العمل السابقة، التي استقالت بسبب الحرب على العراق، كلير شورت، واحدة من هؤلاء الرافضين للعمل العسكري.
ووصف بعض المراقبين تصريحات بلير، بـ"الغريبة"، لأن الأخير يعزو تصاعد العنف في العراق الى عدم التدخل في سورية. ومع اعتراض الكثير من الساسة البريطانيين على عدم تحمل بلير مسؤولية غزو العراق، إلا أن لندن تبدو مستعدة للتدخل عسكرياً في العراق، بحسب بعض المسؤولين في الحكومة البريطانية. فقد أكد هؤلاء إمكانية نشر عدد من العناصر العسكرية والأمنية البريطانية في العراق لمعالجة ما وصفوه "تهديد داعش الذي يقوّض الاستقرار في المنطقة".
وتأتي هذه التأكيدات في الوقت الذي تستبعد فيه وزارة الخارجية البريطانية، إرسال عدد كبير من القوات البريطانية الى العراق. وعن هذا الموضوع، نقلت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية، عن مصادر في وزارة الخارجية البريطانية، أنه "تمّت مناقشة إرسال عدد من القوات العسكرية والامنية البريطانية الى العراق كجزء من حملة مكافحة الإرهاب".
ويتضح للمراقب لتصريحات الساسة البريطانيين، سواء في الحكومة أو المعارضة، كما هو الحال في الإعلام البريطاني والغربي عموماً، أنها تتمسك برواية رئيس الوزارء المنتهية ولايته، نوري المالكي، بأن المسلحين الذي يقاتلون على أرض بلاد الرافدين، والذين يسيطرون على مناطق عدة حالياً، ينتمون جميعهم الى تنظيم "داعش"، متجاهلين الفصائل العشائرية والمناطقية والحزبية والاسلامية الأخرى.