وتأمل لوبين مع زملائها في اليمين المتشدد في أن تصبح هذه المجموعة البرلمانية القادمة الأكبر والمنافسة للكتلتين الرئيسيتين اليوم، يمين الوسط ويسار الوسط.
وقامت مارين لوبين، أمس الخميس، بزيارة خاطفة إلى كوبنهاغن، لتلتقي تحت قبة البرلمان، ولأول مرة، مع حزب الشعب الدنماركي، حليفها الجديد في التجمع الشعبوي، بعد سنوات من ممانعة "الشعب" التعاون معها بسبب مخاوف من وصمه أوروبياً وفرنسياً بـ"معاداة السامية".
لكن يبدو أن تنافسية الأسابيع الأربعة المتبقية لانتخاب الأوروبيين لممثليهم الـ751 في برلمانهم ستركز أكثر على توافق الاتجاهات اليمينية والشعبوية لتحقيق مكاسب تتجاوز الحدود الوطنية لدول القارة المشاركة في مؤسسة تشريعية مؤثرة بقراراتها على السياسات الداخلية والخارجية.
وستكون أوروبا، ربما، على موعد مع متغيرات يمينية متطرفة، يدفع إليها هذا التقارب بين هذه الأحزاب.
وقد أسقط الشعبويون في كوبنهاغن، اليوم الجمعة، عن لوبين وتجمعها المتشدد تهمة "معاداة السامية"، التي وقفت حائلاً بينها وبقية دول الشمال.
وعلى ما يبدو فإن تصريح مقرر لجنة السياسات الخارجية في برلمان كوبنهاغن، الصديق لدولة الاحتلال وعضو "الجمعية الصهيونية في الدنمارك"، سورن اسبرسن، يوضح إلى أي مدى يستعد أن يذهب هذا المعسكر لتحقيق هدفه بالتحول لأكبر التجمعات في البرلمان الأوروبي المقبل.
وذكر اسبرسن في تصريح للتلفزيون الدنماركي: "لا أظن أن هناك مواقف معادية للسامية في الجبهة الوطنية الفرنسية، لقد تغيروا عما كانوا سابقاً".
وتعتبر تلك التصريحات، وفقاً لقراءات المحللين الدنماركيين اليوم، بمثابة "ترخيص لجعل مارين لوبين جزءا أساسيا من مستقبل أوروبا".
وحزب الشعب الدنماركي المتشدد يبرر أيضاً تحالفه مع لوبين بالقول إنها "رئيسة فرنسا القادمة، وهي تتزعم أكبر الأحزاب الفرنسية مستقبلاً"، بحسب تعبير اسبرسن.
لوبين، التي حظيت بـ"استقبال دافئ"، تحدثت إلى الصحافة المحلية قائلة "تم عرضنا سابقاً وكأننا حزب متطرف، وأننا معادون للمهاجرين والأجانب". ورغم ذلك تقول لوبين إن تحالفها اليميني المتشدد مع بقية أحزاب أوروبا جاء "بهدف إنقاذ أوروبا من سياسات الاتحاد الأوروبي والبنى فوق الوطنية، التي أثبتت فشلها".
وأهم ما تجتمع عليه تلك الأحزاب، في خطابها للشارع، قضية اللجوء والهجرة، لمحاولة تشكيل تجمع "قوي وكبير لزيادة تأثير ونفوذ المجموعة القومية المحافظة في أوروبا (اليمين القومي المتشدد)"، بحسب ما يبشر به حزب الشعب الدنماركي.
تحالفات الواقع الجديد
المتابعون الأوروبيون لانتخابات برلمان القارة يرون أنه على موعد مع أكبر المتغيرات منذ أن انطلق قبل 40 عاماً. فمنذ عام 1979 ظلت أكبر كتلتين فيه، المحافظون التقليديون EPP، يمين الوسط، والاجتماعيون الديمقراطيون S&D، يسار الوسط، يهيمنان على معظم القرارات والتشريعات، رغم وجود ممثلين لنحو 200 حزب سياسي أوروبي في البرلمان.
ولعقود بقيت الكتلتان تتمتعان بالأغلبية المطلقة لتمرير مئات القوانين، التي يبدو أنها أزعجت القوى القومية الأوروبية، التي رأت أن البرلمان وساسة بروكسل يفرضون على دولهم ومجتمعاتهم سياسات غير منسجمة معها، وبالأخص فيما خص الهجرة واللجوء وحقوق الأقليات والحدود وحرية التنقل والإقامة والموازنات.
تراجع الأحزاب التقليدية
ويرى ساسة اليمين المتشدد أن تحالفهم الناشئ بعنوان إنقاذ أوروبا و"إعادة التوازن والتعقل" سيحقق النتائج التي يرجوها في 26 مايو/أيار المقبل.
وتُعزّز من مواقف هذا المعسكر الاستطلاعات، آخرها استطلاع 18 إبريل/نيسان، التي تشير إلى تراجع وخسارة الأحزاب التقليدية في يمين الوسط لعدد من مقاعدها.
وعلى سبيل المثال، لا تمنح التوقعات مجموعة الأحزاب الشعبية والمحافظة سوى 180 مقعداً مقابل 217 حالياً، وإذا ما ذهب حزب "فيديز" بزعامة رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، للانضمام إلى تحالف ميلانو المتشدد، فستكون خسارة يمين الوسط أكبر.
وفي الوقت ذاته، يبدو أيضاً في الاستطلاعات أن يسار الوسط التقليدي سيمنى بخسائر قد تتجاوز 39 مقعداً، ما يعني أن أكبر كتلتين في البرلمان الأوربي يمكن أن تخسرا احتكارهما المستمر منذ عقود.
وما يثير الانتباه أن الأحزاب الجديدة، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ومن بينها تلك المتشككة بكل مشروع أوروبا الاتحادي، تسجل حضورها القوي بتراجع الأحزاب التقليدية.
ويرد المهتمون الأوروبيون أسباب التغير المتوقع إلى ما شهدته القارة من متغيرات خلال الأعوام الخمسة الماضية، وبالأخص مشاكل ما بعد الأزمة المالية العالمية، ومن بينها البطالة في صفوف الشباب، وأزمة اللاجئين والهجرة، وقضايا البيئة والخروج البريطاني.
إضافة إلى ذلك يرى هؤلاء أن القلق من حدود القارة والأمن والإرهاب، وتحديات العلاقة مع روسيا والصين، تلعب دوراً في تزايد شعبية الشعبويين، وإدارة الناخب ظهره للأحزاب التقليدية، وبحثه عن بدائل.
ولعل حصول أحد أحزاب التطرف المغمورة في الدنمارك، حزب سترام كورس اليميني المتشدد، خلال زمن قياسي جداً (خلال 5 أيام ماضية) على نحو 14 ألف توقيع (20 ألف توقيع كشرط رسمي) للمشاركة في الانتخابات القادمة في بلده، رغم كل العنف والشغب الذي تسبب فيه زعيمه، راسموس بالودان، خلال الأيام الماضية، ما يشير إلى قدرة التطرف اليميني الشعبوي على دغدغة مخاوف الناس والتخويف من المهاجرين والمسلمين.
ويرى الباحث في شؤون الاتحاد الأوروبي من المركز الأوروبي للسياسات European Policy Center بول بوتشر أن "تلك الأحزاب قادرة على تقديم وعود للناس بأنها ستغير الأمور، وأنها ستلامس مصالحهم اليومية، رغم أن الأمر على المدى البعيد غير ذلك".
ولا يستخف المراقبون الأوروبيون بقدرة الشعبويين، بُعيد انتخابات مايو/أيار القادم، على خلق أوضاع مختلفة عن السائدة في أوروبا. ويتخذ هؤلاء من متغيرات الساحة الإيطالية مثلاً على قدرة الشعبويين على ترجمة شعبيتهم في الشارع إلى سياسات واستمرار حصولهم على تأييد، كما حال حزبي النجوم الخمس والليغا.
ويرى هؤلاء أن دمج القوى الشعبوية بين القضايا، مثل أزمة اللاجئين والأزمات الاقتصادية والاجتماعية، تؤدي في النهاية إلى اكتساب تعاطف باعتبار أن "الهجرة وبقاء حدود أوروبا مفتوحة تسبب الكوارث"، وهو الخطاب الذي يتفق عليه من شمال القارة "ديمقراطيو السويد" و"الشعب الدنماركي" إلى ألمانيا "البديل" والنمسا "الحرية"، وبولندا "القانون"، حتى جنوب القارة في إسبانيا، حيث يتقدم أيضاً في الأخيرة حزب "بوكس" المتشدد، وفقاً للاستطلاعات الأخيرة.
ورغم أن تحالف الشعبويين يمكن أن يخلق متغيرا قويا في البرلمان الأوروبي على الصعيد الداخلي، إلا أن علاقات بعض أقطابه مع موسكو، وتحديداً مع دائرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كعلاقة الإيطالي سالفيني والفرنسية لوبين، وبعض أقطاب "البديل لأجل ألمانيا"، وساسة بولنديين ومجريين، وغيرهم، قد تخلق أيضاً متاعب في صفوف هذا التكتل الذي يتوقع أن يكون حاضراً بقوة خلال الأسابيع المقبلة.